بعد حماقة أردوغان.. أوروبا تتخوف من صراعات دينية على أراضيها بسبب آيا صوفيا
أثار القرار التركي بتحويل متحف وكاتدرائية آيا صوفيا إلى مسجد رد فعل واسع من دول الاتحاد الأوروبي التي اعتبرته تقويضًا للجهود الرامية إلى إرساء السلام بين الطوائف الدينية، وتأسيسًا على الصراع المحتدم بين الاتحاد وأردوغان تبرز إشكالية التوظيف السياسي للمشاعر الدينية والقومية، كاحتمالية مرجحة يستفيد منها النظام التركي عبر قيادة احتجاجات شعبية بالقارة العجوز.
غضبة الاتحاد الأوروبي
سيطر ملف آيا صوفيا على محادثات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي التي جرت في 13 يوليو 2020، فبدوره شدد وزير خارجية الاتحاد، جوزيب بوريل ، على إدانة قرار أردوغان بتغيير صفة المعلم التاريخي من جانب الدول الـ27 المشاركين في الاجتماع.
مؤكدًا أن هذا القرار سيسهم في تعزيز التعصب والانشقاق بين أصحاب الديانات المختلفة، كما أنه يعطل جهود التعاون بين المواطنين، مطالبًا الإدارة التركية بالتراجع عن قرارها في سبيل احتواء المشكلات والانقسامات المحتمل حدوثها بشأن هذا الملف، لافتًا إلى أن الوزراء قرروا عقد اجتماع آخر في أغسطس 2020 في برلين لإعادة بحث قضايا الاستفزازات التركية المتوالية لمصالح الاتحاد وسكانه.
ازدواجية أردوغان
تتعامل فرنسا مع القرار التركي على أنه تشكيك في الخطاب العلماني الذي تبناه أردوغان وحزبه، إذ عبر وزير الخارجية، جان ايف لودريان عن أسفه من تحويل المتحف التاريخي إلى مسجد، لافتًا إلى ضرورة الحفاظ على معمار وتاريخ الموقع الذي كان يعبر عن الحرية الدينية.
ومن جانبها، اعتبرت اليونان أن هذا القرار الذي سعى له أردوغان يعد استفزازًا للمجتمع المتحضر، وذلك على لسان وزيرة الثقافة، لينا ميندوني التي أكدت أن أنقرة لا تمتلك نظامًا قضائيًّا عادلًا ينفصل عن الحكومة التنفيذية، أي أن القرار الأخير جاء تحقيقًا لرغبة الرئيس التركي، لافتة إلى أن الدول لا تعمل على التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، ولكنهم يدافعون عن أثر عالمي يمتلكه الجميع.
وفي تصريح لوزير خارجية النمسا، الكسندر شالينبرج، أضاف أن الحكومة التركية تتعمد اتخاذ قرارات لاستفزاز دول الاتحاد الأوروبي الذي تتعامل معه بالأساس باستراتيجية عدائية، مؤكدًا رفض بلاده لتغيير المعلم التاريخي.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد صدق في 10 يوليو 2020 على قرار محكمة تركية بإلغاء قرار حكومي صدر في 1934 باعتبار آيا صوفيا مزارًا سياحيًّا للجميع، وقد أسس المعلم ككاتدرائية أرثوذكسية في 537م ثم حوله السلطان العثماني محمد الفاتح لمسجد.
القوانين الدينية
تبرز أهم الشواهد الدافعة للتعامل مع القرار التركي كقرار سياسي، وليس حكم محكمة هو تصريح أردوغان في 27 مارس 2019، باعتزامه تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد لتصحيح خطأ تاريخي من وجهة نظره، وكان ذلك إبان الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس 2019، وكان يتنافس عليها حزب العدالة والتنمية، وحزب الشعب الجمهوري، كما أنها ترافقت مع حادث نيوزيلندا الذي راح ضحيته ما لا يقل عن 50 قتيلا.
وصنفت التصريحات آنذاك كتلاعب سياسي، إذ استغل أردوغان واقعة نيوزيلندا التي أظهر المتورط بها برينتون تارانت عدائية لتاريخ الدولة العثمانية في الحديث أمام الحشود بالتجمعات الانتخابية عن معارك أوروبا والعثمانيين، وعن نيته تحويل آيا صوفيا لمسجد لإعادة الأمجاد العثمانية إلى الحاضر، وبالتالي اعتبر ذلك دعاية دينية يريد بها الرئيس التركي حشد المزيد من أتباع جماعته في الداخل.
تلاعب وابتزاز
وحين طبق القرار فعليًا ذهب بعض المحللين للحديث عن أن الدافع التركي هو دغدغة مشاعر أصحاب القومية التركية في دول الاتحاد الأوروبي، إذ تسعى الحكومة التركية بقيادة أردوغان منذ فترة لإشعال فتن بالدول في المنطقة، عبر تأجيج صراعات بين الموالين لها والأكراد المقيمين في الاتحاد، وبالتالي فإن الصراع الأوروبي التركي الحالي سيضاف إلى قائمة الاحتجاجات المحتملة في المنطقة، كما أنه سيزيد العدائية بين حشود أردوغان في الخارج وبين السلطات الأوروبية، وهو أمر حذرت منه النمسا التي أكدت أن لديها كل الدلائل التي تثبت تورط استخبارات أردوغان في حشد صراعات بين الأكراد والأتراك على أرضها.
وهو ذات الشيء الذي تطبقه الدولة في ألمانيا أيضًا، فبحسب دويتشيه احتدمت معركة شوارع بين الأكراد والأتراك في أكتوبر 2019 على خلفية مظاهرات للتنديد بالتدخل التركي في سوريا؛ ما أدى إلى إصابة العشرات، ومن بينهم رجال شرطة، وتتخوف برلين من نشوب صراع تركي كردي على أرضها.
فعبر الجماعات الموالية لأردوغان والتنظيم الدولي للإخوان في أوروبا من المحتمل أن يحشد النظام التركي عن بعد لصراع آخر بالقارة العجوز، يربك الحسابات الأمنية للدول مثلما بات يحدث في الآونة الأخيرة.
ترويج للعثمانية الجديدة
وتعليقًا على ما سبق، يقول الباحث المتخصص في الشأن التركي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كرم سعيد، في تصريح لـ«المرجع» إن أردوغان يسعى لللترويج بكونه السلطان العثماني الجديد، ويريد عبر هذه الممارسات أن يحشد شعبية له لدى المتشددين من أتباعه وغير أتباعه لزيادة شعبيته في المجتمع الإسلامي، كما أنها تندرج تحت المناوشات التركية مع دول الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يعرقل من انضمام أنقرة إليه.





