ad a b
ad ad ad

أبومصعب الزرقاوي.. رجل «القاعدة» الغامض

السبت 09/يونيو/2018 - 04:53 م
المرجع
طه علي أحمد
طباعة
لم يكن ظهور تنظيم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، في العراق عام 2003 مصادفة، بقدر ما جاء ظهوره نتًاجا طبيعيًّا لسياق أوسع لحركة «الإرهاب العالمي»، التي تجلت أبرز معالمها مع أحداث 11 سبتمبر قبل ذلك بعامين، ورد الفعل الدولي الذي قادته الولايات المتحدة فيما عُرف بـ«الحرب العالمية ضد الإرهاب»، التي أسقطت نظام طالبان في أفغانستان عام 2001، وصولًا إلى تنامي التنظيمات المتطرفة حول العالم التي انطلقت من العراق في سبتمبر 2003 من خلال ما عُرف بتنظيم «الجهاد والتوحيد»، ثم الإعلان عن «دولة العراق الإسلامية» في عام 2006 على يد «أبومصعب الزرقاوي».
أبومصعب الزرقاوي..
ويعد «أحمد فضيل نزال الخلايلة» المكنى بــ«أبومصعب الزرقاوي»، أحد العلامات البارزة في حركة «الإرهاب العالمي»، فقد شارك في نقل تنظيم «القاعدة» إلى العراق فيما عُرف بـ«التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين»، التي كانت تضم أفرادًا من مختلفي الجنسيات، بعد أن تعرض تنظيم «القاعدة»، لضربات موجعة خلال الحرب الأمريكية على أفغانستان، وذلك في أعقاب «هجمات سبتمبر» التي تبنتها «القاعدة». 

ولد «الزرقاوي» بمدينة «الزرقاء» الأردنية، لأسرة فقيرة تنتمي إلى قبيلة «بني حسان» وهي من أشهر القبائل الأردنية، ثم سافر إلى أفغانسان؛ حيث تلقى تدريبه بين صفوف مَن يسمون بـ«المجاهدين»، ليعود لاحقًا إلى الأردن 1990؛ حيث حُكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا، لكنه خرج بموجب عفو ملكي شمل جميع السجناء في الأردن، ثم التقى عصام البرقاوي الملقب بـ«أبومحمد المقدسي» في السجن؛ إذ اجتمع الاثنان على مزاعم راية «الجهاد» ومبايعة تنظيم «القاعدة». 

وعلى الرغم من التقارب بين «المقدسي» و«الزرقاوي» بالسجن، فإن خلافًا نشب بينهما حول العديد من القضايا الفكرية، أهمها ما اتصل بتنظيم «بيعة الإمام» التي شهدها الأردن بداية التسعينيات من خلال الأفغان الأردنيين، بعد أن تقاسم «المقدسي» و«الزرقاوي» قيادة التنظيم، فكان الأول أميرًا لجناح الدعوة، والثاني أميرًا للجماعة، لكن هذا التنظيم شهد خلافًا كبيرًا؛ حيث اعترض أعضاؤه على «بيعة الإمام»؛ نتيجة تشابهها مع معتقدات الشيعة.

ترتب على ذلك الخلاف انقسام بينهما، ليلتف أغلب أفراد التنظيم حول «الزرقاوي»، ما يعمِّق الفجوة بينهما، كما تعزز ذلك الانقسام بينهما مع تبني «الزرقاوي» موقفًا صلبًا في التعامل مع الأمن في حين اتهم «المقدسي» بالليونة والتعاون.

وتصاعد الخلاف بين «المقدسي» و«الزرقاوي» على خلفية التباين الفكري والتخطيطي بشأن مستقبل التنظيم؛ ما لعب دورًا مؤثرًا على مسار الحركة الجهادية الأردنية. 

وقد بلغت الخلافات بينها مع الرسالة التي بعثها «المقدسي» لـ«الزرقاوي» من داخل السجن، التي حملت عنوان «مناصرة ومناصحة»، والتي حملت نقدًا لمنهج الزرقاوي وسياساته، بل إن الخلاف بينهما ازداد عمقًا مع سفر «الزرقاوي» لأفغانستان، وهو ما اعترض عليه «المقدسي»، الذي اعتبر أن ذلك من شأنه تفريغ الساحة من المجاهدين.

اتسم «الزرقاوي» بدرجة كبيرة من الغموض جعلت أفراد «القاعدة» يشبهونه بالأسطورة، خاصة مع تمكنه من الحركة بسهولة في أراضي العراق، التي لم تكن بالدرجة نفسها من الأمان الذي كانت توفره الطبيعة الجغرافية للمقاتلين في أفغانستان.
أبومصعب الزرقاوي..
استفاد تنظيم «الزرقاوي» من الظروف السياسية التي مرَّ بها العراق بعد سقوط صدام حسين واحتلال العراق عام 2003، لاسيما مع وصول نظام حكم نوري المالكي، وما عُرف عنه من سياسات طائفية عزَّزَت موقف الشيعة على حساب السنة العراقيين؛ ما جعل «الزرقاوي» ينظر إلى منظومة الحكم في العراق على أنهم عملاء، فاستهدف كل أجهزة الدولة العراقية، بل والمنظمات الدولية والأجانب المقيمين في العراق؛ مثل مهاجمة مقر الأمم المتحدة وقتل مبعوثها «سيرجيو دي ميللو»، كما قتل محمد باقر الحكيم، زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وقد شهدت تلك المرحلة توهجًا في نشاط «الزرقاوي»؛ حيث كان وراء سلسلة التفجيرات التي حدثت بمنطقة الشرق الأوسط، لكنَّ العراق ظل المركز الرئيسي لنشاط «الزرقاوي».

لم يكتفِ «الزرقاوي» بمهاجمة مؤسسات الدولة فحسب، بل قام بعدد من التفجيرات التي استهدفت التجمعات الشيعية؛ ففي 4 مارس 2004 استهدف تجمعًا شيعيًّا في ذكرى عاشوراء التي سقط فيها 271 قتيلًا وجرح المئات، كما تبنى تفجيرات «البطحاء»، التي أدَّت إلى مقتل 41، وجرح 72 من الشيعة، وفي يوليو 2010 تبنت جماعة «الزرقاوي» تفجيرات في العاصمة العراقية بغداد أدَّت إلى قتل 70 شخصًا، وفي أكتوبر من العام نفسه استهدفت كنيسة «سيدة النجاة»؛ ما أسفر عن مقتل 58 شخصًا من المسيحيين داخل الكنيسة ببغداد، فضلًا عن جرح 400 من الشيعة أيضًا، كما استهدف الطائفة الإيزيدية، فيما عُرف بــ«تفجيرات القحطانية»، التي أدَّت إلى قتل نحو 800، وجرح ما يزيد على 1500 بمدينة سنجار شمال العراق. 

بجانب مهاجمته للنظام الحاكم، مثلت مهاجمة «الزرقاوي» لقوات الاحتلال الأمريكي بالعراق أحد العوامل التي زادت من قدرة «الزرقاوي» على التكيف مع البيئة العراقية؛ حيث استهدف القوات الأمريكية بغالبية المدن العراقية، ففي «الرمادي» شارك في المعركة التي عُرفت بـ«الأيام الأربعة» ضد القوات الأمريكية، وفي «الموصل» سيطر التنظيم على المدينة 3 مرات، فضلًا عن الكثير من الأنشطة الإرهابية، التي خاضها «الزرقاوي» في مواجهة كل الأطراف في العراق بمختلف توجهاتها وانتماءاتها.

انتهت حياة «الزرقاوي» بالطريقة المتعارفة لنهاية أي إرهابي، فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، استهدفته القوات الأمريكية بينما كان يستقل سيارة إسعاف؛ حيث كان قد تمكن من الهرب من منزل أقام به لفترة في أيامه الأخيرة بمدينة بعقوبة شمال العاصمة بغداد حتى قُتِلَ في 7 يونيو 2006.
"