مذبحة الدار البيضاء.. 15 عامًا من نضال المغاربة ضد الإرهاب
الأربعاء 16/مايو/2018 - 07:49 م
محمود عبد الواحد رشدي
قبل 15 عامًا من الآن، وبالتحديد في 16 من مايو عام 2003، كانت الدار البيضاء -العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية- تعجُ بآلاف المغاربة الذين تجمعوا للاحتفال بـ«عقيقة ولي العهد» الأمير الحسن بن محمد السادس، المولود في 8 مايو من العام ذاته؛ إلا أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية كان لها رأي آخر أفسد على المحتفلين فرحتهم.
المأساة -أو بالأحرى المذبحة- التي أفسدت على المغاربة فرحتهم بقدوم ولي العهد -أو «مولاي الحسن» كما يلقبونه هناك- بدأت حين سمع الجميع دوي انفجارات هائلة في أماكن عدة بمدينة الدار البيضاء، وهي الانفجارات التي ثبُت أن الجماعات الإرهابية نفذتها في محلات وفنادق تابعة للجاليات الأجنبية الموجودة على الأراضي المغربية، وأسفرت عن مقتل 40 مواطنًا وإصابة 100 آخرين.
لقد كان المغرب قبل 16 من مايو عام 2003، بلدًا آمنًا، ينعم الناس على أرضه بالمحبة والسلام؛ إلا أن الأمر تبدل في ذلك اليوم الذي شَمَّ فيه المغاربة رائحة الموت في كل أرجاء البلاد، ومنذ 15 عامًا بدأت المملكة المغربية كفاحها المتواصل ضد الجماعات والتنظيمات الإرهابية، التي أراد عناصرها أن يعيثوا في أرض المغاربة فسادًا وينشرون الفوضى في كل مكان.
السلفية الجهادية
وتشير التحقيقات التي أجريت عقب وقوع تلك العمليات، إلى ضلوع عناصر من جماعة السلفية الجهادية في ارتكاب تلك التفجيرات، مؤكدة أن 14 إرهابيًّا جاؤوا إلى مدينة الدار البيضاء من منطقة «سيدي مؤمن» -إحدى المناطق الفقيرة في المغرب- وارتدوا أحزمة ناسفة، وفجروا أنفسهم في محلات وفنادق تابعة للجاليات الأجنبية الموجودة على الأراضي المغربية، وقد اعتقلت السلطات المغربية عقب هذه العمليات 2000 شخص مشتبه بهم.
و«السلفية الجهادية»، هي جماعة منبثقة عن الجماعة الإسلاميَّة المقاتلة في المغرب -أحد فروع تنظيم القاعدة- ووجهت السلطات المغربية الاتهام في أحداث 16 من مايو 2003 لـ«أبومصعب الزرقاوي»، زعيم تنظيم القاعدة في العراق.
وهجمات 16 من مايو 2003 استهدفت الجاليات الغربية والطائفة اليهودية المقيمة في مدينة الدار البيضاء، وفجرت العملية الانتحارية الأولى مطعم «Casa de Espana» الإسباني؛ حيث قتل الإرهابيون حارس المطعم، ثم اندفعوا إلى الداخل وفجَّروا أنفسهم، وهو الأمر الذي أسفر عن مقتل 20 شخصًا، أما المكان الثاني الذي استهدفه الانتحاريون فكان فندق «فرح»، وقتلوا أحد حراسه، إضافة إلى موت الانتحاري.
وحاول الانتحاريون خلال العملية الإرهابية الثالثة، تفجير مقبرة يهودية بـ«بوطويل» -دُوَّار يقع بمنطقة «مكانسة» التابعة لإقليم «تاونات» بمدينة «فاس»- راح على أثرها 3 أشخاص حاولوا منع الإرهابيين من تفجير المقبرة بواسطة جهاز تحكم عن بُعد، أما العملية الرابعة فاستهدفت المركز الاجتماعي اليهودي، بـ«زنقة لاسيبيد»، التابعة لمنطقة «بلس فيردان»، ولم تُسفر هذه العملية عن وقوع ضحايا.
أما التفجير الخامس، فوقع داخل مطعم «بوزيتانو» الإيطالي، والذي يقع بالقرب من دار أمريكا بالدار البيضاء، والتفجير السادس والأخير وقع قرب القنصلية البلجيكية، وأسفر عن مقتل 2 من رجال الشرطة المغربية.
وقُتِلَ في العمليات الانتحارية الست؛ 12 انتحاريًّا، كما راح ضحيتها أكثر من 30 مواطنًا مغربيًّا من بينهم 2 من رجال شرطة، إضافة إلى 8 أشخاص من أبناء الجاليات الأوروبيَّة الذين يعيشون على أرض المغرب، من بينهم 3 إسبان، وأصيب 100 مواطن بجروح متفاوتة، كما تم إحباط تفجيرين آخرين بعد اعتقال منفذيها.
تداعيات الحادث
وفي مايو 2004 اعتقلت السلطات المغربية ما يربو على 2000 شخص مشتبه بهم؛ لثبوت علاقتهم بصورة أو بأخرى بالهجمات الانتحارية، التي استهدفت أماكن عدة في مدينة الدار البيضاء وبدأت محاكمتهم، وأعلنت اللجنة الوطنية بجعل 16 مايو من كل عام يومًا وطنيًّا للنضال ضد الإرهاب.
وفي أبريل من العام 2008، هرب 9 متهمين بعد فرارهم من سجن «القنيطرة»، الذي كانوا يقضون بداخله عقوبات تراوحت بين الإعدام والمؤبد والـ20 عامًا، وذلك بعد حفرهم نفقًا من داخل السجن إلى خارجه.
وتوالت بعد عمليات 16 من مايو الإرهابية -التي أصبحت تاريخًا لا يُنسى وجرحًا غائرًا في الذاكرة المغربية- المحاولات الانتحارية، التي كان آخرها تعرض مقهى «أركانة» في 28 من أبريل عام 2011، لعمل إرهابي أسفر عن مقتل 17 مواطنًا، وإصابة 20 آخرين، ووقتها هبت الجمعيات الأهلية في انتفاضة ثورية بـ«مراكش»، لتعلن في صوت واحد: «المغرب ضد الإرهاب».





