«داعش».. «زائل ويتبدد»

لم تكن نشأة التنظيم -حينما أعلن زعيمه أبوبكر
البغدادي إقامة ما يُسمى بـ«دولة الخلافة الإسلامية»- في يونيو 2014، لأنه في
الواقع امتداد لتنظيم القاعدة الذي كان
موجودًا في السابق، منذ عام 2003، في العراق بقيادة أحد شيوخ «البغدادي» وهو أبومصعب الزرقاوي.
وقرر «الزرقاوى» تغيير التنظيم بعد مبايعة «ابن لادن» عام 2004 ليصبح «تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، ثم اندمج في يناير 2006 مع مجموعة من التنظيمات الأخرى، وشكلوا مجلس شورى المجاهدين في العراق، وفي 12 أكتوبر 2006، اندمج مع عدة تنظيمات أخرى، ليعلن اسمه الجديد «دولة العراق الإسلامية».
وبعد مقتل «الزرقاوي» في يونيو 2006، تم انتخاب «أبوحمزة المهاجر» زعيمًا للتنظيم، وهو وزير الحرب في دولة العراق الإسلامية، النائب الأول لأبي عمر البغدادي، زعيم التنظيم من 2006 حتى مقتله في أبريل 2010 ليخلفه «أبوبكر البغدادي».
رفع التنظيم الوليد شعار «باقية وتتمدد»، وهو ما تحقق ولو بشكل جزئي في السنتين التاليتين لنشأته؛ حيث سيطر على نحو نصف مساحة العراق وثلث مساحة سوريا، واتخذ من «الموصل» في العراق عاصمة له، بعد انسحاب قوات الجيش العراقي منها دون مقاومة، تاركةً كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد، اتخذها الدواعش غنائم لهم، إضافة إلى سيطرتهم على محافظات نفطية أخرى، مثل أجزاء من «كركوك» الغنية بالنفط لتأمين موارده الاقتصادية، ومحافظات ذات مكانة دينية عند الشيعة، من بينها «سامراء» القريبة من العاصمة بغداد.
وفي سوريا اتخذ التنظيم من محافظة الرقة شمال شرقي عاصمة لهم، مع السيطرة على معظم مساحة محافظة دير الزور الشرقية الغنية بالنفط، ومناطق في الريف الشمالي لمحافظة حلب، وبعض المناطق في منطقة القلمون بريف دمشق والقريبة من الحدود اللبنانية، إضافة إلى مناطق متفرقة في وسط البلاد.
ولكن مثلما كان الصعود سريعًا، فقد كان الهبوط كذلك؛ حيث خسر التنظيم معظم المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، بعد الضربات التي تلقاها من قوات التحالف الدولي بالتعاون مع القوات العراقية.
وفي ليبيا لم يتمكن من السيطرة إلا على مدينة سرت الليبية (شمال وسط ليبيا)، والتي سيطر عليها لنحو عام، قبل أن يُطرد منها على يد قوات «البنيان المرصوص» التابعة لحكومة الوفاق الوطني.
يعتمد تحقيق حلم التمكين عند «داعش» على فرض الرعب وإثارة التوحش (الفوضى) في عدد من الدول، عبر مراحل مختلفة تبدأ بـ«شوكة النكاية والإنهاك»، ثم «إدارة التوحش»، ثم «شوكة التمكين وقيام الدولة»، على أن تتوافر في الدول المرشحة للتوحش مجموعة من المقومات، مثل وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح بإقامة مناطق لإدارة التوحش، وضعف النظام الحاكم، ووجود مد إسلامي جهادي، وانتشار السلاح في أيدي الناس، وفق ما ورد في كتاب (إدارة التوحش) للقيادي الجهادي «أبو بكر الناجي».
اعتمد التنظيم في مصادر تمويله على أكثر من مصدر، من بينهم التمويل الخارجي، الذي كان يُقدم في الخفاء حتى لا تتعرض الدول المانحة للعقوبات الدولية، إضافة إلى المصادر النفطية، التي كانت تُمثل الجزء الأكبر من دخل التنظيم بعد تمدده وسيطرته على مناطق نفطية كثيرة، إلى جانب تجارة الآثار صغيرة الحجم، بخلاف الكبيرة التي يقومون بهدمها لصعوبة نقلها وبيعها، وكذلك سرقة البنوك والجباية والضرائب بحجة الزكاة، وتجارة الرقيق والسبايا من نساء الإيزيديات وغيرهن.
خسر التنظيم موارده الاقتصادية ومصادره النفطية ودواوينه الإدارية وقوته العسكرية وثروته البشرية، ولم يتبقَ له إلا حلم الخلافة المزعومة، وبقايا من فلوله المطاردة في الصحاري والوديان، وأصبح يواجه 7 سيناريوهات محتملة:
الأول: أن تُعلن الولايات المتحدة الأمريكية رسميًّا القضاء على التنظيم بشكل نهائي.
الثاني: صناعة بدائل
أخرى للتنظيم بأسماء مختلفة، لمواصلة الدور نفسه في مرحلة ما بعد «داعش».
الثالث: القضاء على
التنظيم كـ«دولة» مع الحفاظ عليه كـ«فكرة»؛ بحيث تظل هذه
الفكرة «باقية وتتمدد».
الرابع: أن يُعيد
التنظيم تشكيل نفسه من جديد داخل إحدى ولاياته الخارجية مثل ليبيا، أو اليمن، أو
مصر أو جنوب آسيا، أو أفغانستان فيما يُعرف إعلاميًّا بـ«ولاية خراسان»،
وهو سيناريو ضعيف بسبب عدم توافر المقومات اللازمة في هذه الدول.
الخامس: تحويل عمل
التنظيم إلى حرب العصابات الممنهجة.
السادس: التفريق في
التعامل الدولي بين «داعش سوريا» و«داعش العراق»؛ بحيث تتخلى الطوائف العراقية عن
طائفيتها، وتتجمع حول هدف واحد يتمثل في القضاء على التنظيم.
السابع: نقل الفوضى
لمسارح جديدة أوروبية وأمريكية.