«الجاليات التركية».. أداة أردوغان الناعمة للتوغل في أوروبا
منذ سنوات مضت شهدت فيها العلاقات التركية الأوروبية توترات كبيرة، أدت إلى تخوفات أوروبية من المساعي التركية لاتساع نفوذها، وإفصاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علنًا بشأن حلم الخلافة العثمانية الجديدة، ونشر التطرف خاصةً في المجتمعات الأوروبية، مستغلًا الجاليات التركية كأداة ناعمة في توسيع نفوذه سواء على المستوى الإقليمي والدولي.
ولا تختلف ورقة استغلال الجالية التركية عن استغلال ورقة اللاجئين وعناصر داعش الأجانب، فكلها أوراق يزعم أردوغان أنها ستكون المنال لأطماعه، وتساعده في توسيع أنشطته على المستوى الدولي.
وقد تجلى جانب شاسع من دور الجالية المسلمة التركية في المجتمعات الأوروبية، في المساجد والجمعيات الإسلامية التي طالما عانت أوروبا من آثارها السلبية، فقد سيطرت تركيا على المساجد، واستخدامها كمنصات لعناصر جماعة «الإخوان» الإرهابية، إضافةً للحشد السياسي، وتحويلها إلى ثكنات للتجسس والتنصت على المعارضين.
يعد «ديتيب DITIB» الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، المنظمة الأكبر للجالية التركية المسلمة في أوروبا، وتتبع مباشرة أنقرة؛ إذ تشرف على 900 مسجد من أصل 2400 مسجد في ألمانيا، ويلقى الأئمة في المساجد التابعة للاتحاد الإسلامي التركي الخطب باللغة التركية، ويقبضون رواتبهم من الحكومة التركية، وفي عام 2018، تراجع الدعم المالي الذي تتقاضاه المنظمة من الحكومة الألمانية إلى 300 ألف يورو فقط، مقارنة بـ1.5 مليون يورو في 2017؛ نتيجة للشكوك المحيطة بها، حسب ما ذكرته الإذاعة الألمانية.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الإسلامي التركي «ديتيب DITIB» الذي تأسس في عام 1924، كان يهدف للحفاظ على الإسلام في الجمهورية التركية العلمانية، لكنه أصبح أداة سياسية لتعزيز مصالح حزب العدالة والتنمية في عهد أردوغان، وقد استمرت تركيا في لعب دور كبير في حياة الجالية المسلمة في أوروبا، وتصاعدت الأدوار السلبية للأئمة المتشددين المنتمين للمركز الإسلامي «ديتيب»؛ إذ يشتبه في نشاطه لصالح السلطة التركية في ألمانيا، وقد اتهم أيضًا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016 بالتجسس على معارضي أردوغان في صفوف الجالية التركية، واستغلاله كأحد أبرز الاتجاهات المتصاعدة في السياسة الخارجية التركية في أوروبا، وقيام الأئمة الأتراك في الاتحاد الإسلامي التركي بدور سياسي عوضًا عن الدور الدعوي.
وقد اتجهت الدول الأوروبية سابقًا للاستغناء عن توظيف الأئمة الأتراك في مساجدها؛ منعًا لترويج نسخة الإسلام السياسي المتشددة في المجتمعات الأوروبية، وتراجعت الصورة الذهنية للاتحاد التركي بعد تورط أعضائه في فضائح تجسس في بعض الدول الأوروبية لمصلحة حكومة العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي دفع دولًا مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا إلى التضييق على أنشطة الاتحاد ومشاريعه.
كان للجاليات التركية دور في الحياة السياسية بشكل آخر، عن طريق المشاركة في العملية الانتخابية في أوروبا، ففي ألمانيا صنفت المخابرات الألمانية حزب التحرير على أنه يؤمن بالعنف ويسعى لتحقيق أهدافه عبر العنف، في محاولة لجذب أعضاء جدد عبر استهداف الجاليات المسلمة بتنظيم نشاطات اجتماعية، وتعتبر المخابرات الألمانية أن أحد أبرز قادة هذه الجماعة في ألمانيا هو «عبد الله إمام أوغلو» من أصول تركية، وقد تضاعفت أعداد المنتمين للحزب منذ العام 2016 ووصلت إلى 250 شخصًا، غالبيتهم حاملي الجنسية التركية ويضم 35 عضوًا في برلين، وتم حظر الحزب قبل أكثر من سنوات بعيدة لمخالفته لفكرة التفاهم الدولي، والحض على العنف بهدف تنفيذ أجندته السياسية.
ومع تراجع تأييد القواعد الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في صفوف الأتراك المقيمين في أوروبا، والذي تجلى واضحًا في رفض قطاع واسع منهم للتعديلات الدستورية التي حولت البلاد لجهة النظام الرئاسي، وتصويت قطاعات واسعة لمصلحة أحزاب المعارضة في الاستحقاق الرئاسي في يونيو 2018، بدأ اتحاد «ديتيب» يظهر كأداة للنظام، وأصبح إحدى أذرع الرئيس التركي، وترويج خطاب سياسي يستدعي إرث العثمانية القديمة، ومحاولة إحياء مظاهرها في ثوب جديد، خاصةً أن رؤية أردوغان للعديد من دول أوروبا على أنها امتداد للوجود التاريخي العثماني في أوروبا.
وقد استثمرت تركيا الأئمة والخطباء في تكوين نظام ديني مسيس في القارة الأوروبية، لتحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية، والسعي وراء أجندته، ونشر صورة مغايرة لتركيا في صفوف مسلمي الغرب، والتأثير على المسلمين المقيمين في المجتمعات الأوروبية، عبر خطاب سياسي يرتكز على تصدير صورة ذهنية لتركيا باعتبارها حامية الإسلام، كما تستهدف عبر هذا الخطاب تطويع تيارات الإسلام السياسي في الغرب وفقًا لأجندتها الخاصة.
وللمزيد.. جمعية «ديتيب» أولها.. الولايات الألمانية تنتفض لقطع أذرع «أردوغان» في البلاد





