لإنقاذ اقتصادها ودعم ميليشياتها.. إيران تتوسع في شرق المتوسط
مع تزايد حدة الاحتجاجات التي تشهدها إيران في الفترة الحالية، جراء قرار الحكومة رفع أسعار الوقود لثلاثة أضعاف، وفي الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأمريكية تشديد العقوبات المفروضة على إيران، الأمر الذي أدي إلى التأثير سلبًا على الاقتصاد الإيراني، يسعى مسؤولو نظام الملالي إلى البحث عن بدائل استراتيجية تنقذ الاقتصاد الإيراني المنهار، وتخدم المخطط الإيراني للتوسع في دول المنطقة؛ حيث أعلنت إيران عن عزمها إطلاق خط ملاحي بحري إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
خط ملاحي
وهذا
ما أعلنه «محمد رضا بنائي» المدير التنفيذي لشركة «سبيد» للشحن السائب التابعة
لشركة الخطوط الملاحية الايرانية، في تصريحات صحفية له، الإثنين 2 ديسبمر
ا2019، أن الشركة تعمل خلال الفترة الجارية على التخطيط لإطلاق خط ملاحي بحري إلى
شرق البحر الابيض المتوسط لشحن السلع من الموانئ الايرانية، رغم الحظر الجائر على
قطاع النقل والشحن البحري، وأشار إلى أنه من المؤمل أن ترتفع حصة الأسطول الملاحي
الايراني في مجال الشحن والنقل مع إطلاق الخط المزمع، وأن تتاح إمكانية نقل السلع
من شرق المتوسط والدول المطلة على البحر الأسود إلى إيران.
وتحاول
إيران من جراء إنشاء هذا الخط الملاحي في تلك المنطقة الاستراتيجية، العمل على
تحقيق أهداف عدة، أولها، هي حل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران؛ نتيجة
للعقوبات الأمريكية، والتي جعلتها لا تستطع بيع وتصدير نفطها للدول، بل لم تستطع
أي دولة شراء النفط الإيراني؛ خوفًا من فرض عقوبات عليها؛ ما أثر بشدة على انخفاض
صادرات النفط الإيراني، كما أن طهران تسعي لمواصلة دعم ميليشياتها في المنطقة
وتحديدًا في سوريا، لبنان، العراق؛ لنشر وتنفيذ مخططها، ومن ثم فإن هذا الخط
الملاحي يمكنها من فعل ذلك.
أهداف توسعية
ووفقًا
لمقال مترجم، نشره «موقع أوريان 21» في نوفمبر 2018، فإن التدخلات
الإيرانية في سواحل المتوسط هي من وجهة النظر التاريخية تعد محاولة لإعادة تشييد
الإمبراطورية الفارسية، كما أن التدخل الإيراني في هذه المنطقة من
منظور أيديولوجي، فهو ناجم من العقيدة التي حملها «الخميني» ومن منظور جيوسياسي،
فهو نابع من ضرورة ضمان الجمهورية الإيرانية لأمنها؛ إذ إن إيران تتمتع بموقع
جغرافي جعل منها جسرًا بريًا بين دول شرق البحر المتوسط من ناحية، ودول وسط وجنوب
آسيا من جهة أخرى؛ لذا يندرج الحضور الإيراني على سواحل المتوسط في سياق استراتيجية
تحصين الأراضي الوطنية، كما يسعى النظام الإيراني؛ من أجل ذلك إلى البقاء في قلب
السياسة الإقليمية لدول هذه المنطقة.
ومما
يؤكد توجهات إيران للتوسع بكافة الطرق في هذه المنطقة، أنها قد سعت منذ أكثر من
عام؛ لتدشين ممر بري على البحر بين طهران وبيروت، مرورًا ببغداد ودمشق؛ لكي
يكون لإيران منفذ بري على البحر، ويرجع السبب الرئيس في ذلك، هو تغيير
الاستراتيجية الإيرانية التي اعتمدت خلال خلال السنوات الماضية؛ حيث كانت تعتمد
على الطيران لإمداد حلفائها بالسلاح والمؤن، ومن ثم التوجه نحو إمداد
حلفاء ايران بالعتاد عبر البر؛ لأن هذا يضع نفوذ طهران على حدود العراق وسوريا
ولبنان، علاوةً على شاطئ البحر المتوسط.
عائدات كبيرة
ولذلك،
أوضح «فراس إلياس» الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، أن القيمة الاستراتيجية
للممر الإيراني لشرق المتوسط الذي يمتد من طهران مرورًا ببغداد ودمشق وصولًا إلى
البحر الأبيض المتوسط، تبرز أن شركات الحرس الثوري الإيراني هي الأخرى
ستكون أمام طفرة اقتصادية كبيرة، على اعتبار أنها ستتحرك بكل حرية وصولًا إلى
ميناء اللاذقية، دون أي عقبات تذكر، كما أنها ستكون أمام عائدات مالية كبيرة.
دوافع سياسية
ومن
جانبه، أوضح «أسامة الهتيمي» الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الإيراني، أن إعلان
إحدى شركات الشحن السائب التابعة للخطوط الملاحية الإيرانية عن التخطيط لإطلاق خط
ملاحي بحري إلى شرق البحر المتوسط، يحمل في طياته مغزى سياسي يستهدف بالأساس، التأكيد على الصمود الإيراني بوجه العقوبات الأمريكية وإصرار النظام الإيراني على
أن لا يبدو في حالة استسلام إزاء هذه العقوبات، كما أن ذلك هو اختبار لمدى جدية
الدول التي تنظر إليها إيران على اعتبار أنها صديقة في دعم مثل هذه الخطوات، فضلًا
عن أن إيران ترغب في وضع واشنطن في موقف حرج أمام المجتمع الدولي برمته؛ إذ ستكون
أي تحركات أمريكية للحد من حرية حركة هذه السفن سيكون تعديًّا على القانون الدولي
وتصوير أمريكا وكأنها دولة لا تحترم المعاهدات والاتفاقيات البحرية.
ولفت
«الهتيمي» في تصريح للمرجع، أنه في حال نجحت إيران في أن تنشئ هذا الخط، فإنه وفضلًا
عن كون ذلك انتصار سياسي جزئي، فهو أيضًا سيكون لها بمثابة قفزة كبيرة في التخفيف
من حدة العقوبات الاقتصادية عليها؛ إذ سيوفر لها هذا الخط توفير احتياجاتها
المختلفة.
وأضاف
«الهتيمي»، أن هذه الخطوة التي تعتزم إيران اتخاذها ليست بهذه السهولة لاعتبارات
عديدة، يأتي طبعًا في مقدمتها خشية الدول التي تعتزم شركة النقل من التعاون معها من
أن تتورط في إشكاليات اقتصادية مع أمريكا، فيما أن المسافة الفاصلة بين الموانئ
الإيرانية ودول شرق المتوسط والبحر الأسود ليست بالمسافة القصيرة.





