«دابق».. لسان داعش وصحافته الإرهابية
الأربعاء 04/سبتمبر/2019 - 12:09 م
دابق
محمد عبد الغفار
ركزت التنظيمات الإرهابية بمختلف مشاربها على العمل الإعلامي، واعتبرته لا يقل أهمية عن العمل العسكري، وعولت عليه كثيرًا في عملية استقطاب وتجنيد الشباب من كافة دول العالم، من خلال عرض رسائلها الإرهابية عليه عبر شتى أشكال وصور الوسائل الإعلامية.
ولم يكن تنظيم داعش الإرهابي بعيدًا عن هذا الجانب، بل كان من أكثر التنظيمات التي اهتمت بالعمل الإعلامي، وأعلت من شأن العاملين به، كما قدم العديد من التسهيلات والمزايا لهم.
المؤسسة الإعلامية لداعش
كثرت التكهنات حول البناء المؤسسي للوسائل الإعلامية التابعة لتنظيم داعش الإرهابية، خصوصًا مع قدرتها على بناء رسائل إعلامية فعالة وقادرة على التأثير في المتلقي، نظرًا لما تتضمنه من دلالات وعوامل فكرية.
إلا أن مركز مكافحة الإرهاب والتابع لأكاديمية «ويست بوينت» العسكرية الأمريكية، أصدر دراسة تضم الهيكل التنظيم للوسائل الإعلامية لتنظيم داعش، والتي بدأ اهتمام التنظيم بها بعد سيطرته على مدينة الموصل في 2014، معتمدًا على مقابلات أجريت لمعتقلين تابعين لداعش، في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2018.
ووفقًا للدراسة، فإن الهيكل التنظيمي الإعلامي لداعش يتكون من ديوان الإعلام المركزي، وهو قمة الهرم التنظيمي، ويتكون من أمير و7 أعضاء، وهناك اللجنة القضائية الإعلامية، والمسئولة عن إدارة العمليات الإعلامية اليومية، وتضم إصدارات «أعماق، والفرقان، والحياة».
إضافةً إلى مكتب الأمن الإعلامي التابع لديوان الأمن العام في داعش، ومهمته تقديم تقارير عن أداء عناصر التنظيم للخليفة الداعشي، وكذلك هناك المكاتب الإعلامية للتنظيم في المناطق التي يسيطر عليها جغرافيًا، وهناك بنك المعلومات الإعلامية، وهي أكثر الجهات سرية، ويخضع لإشراف المكتب الأمني.
دابق.. أول مجلة رسمية
اعتمد تنظيم داعش في أدائه الإعلامي على استخدام كل من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة على حد سواء؛ بهدف استهداف عدد كبير من الجمهور، والعمل على تنويع الوسائل الإعلامية المستخدمة؛ للاستفادة من المميزات الموجودة لدى كل وسيلة.
وكانت مجلة دابق هي أول مجلة رسمية للتنظيم، وأول استخدام لوسائل الإعلام التقليدي، وكانت تصدر بصورة شهرية عن مركز «الحياة للإعلام»، والذي يمثل الجماع الإعلامي للتنظيم الإرهابي، وتم تأسيسه في مايو 2014، وكان يهدف في الأساس إلى تقديم محتوى إعلامي موجه بالأساس إلى غير الناطقين باللغة العربية.
وأطلق المركز إصدار دابق في يونيو 2014، حتى توقفت في يونيو 2016، بعد أن صدر منها 15 عددًا، وكان يتم إصدارها بصورة ورقية وبلغات متعددة وذلك في المناطق الخاضعة للسيطرة الجغرافية للتنظيم، كما كان يتم إتاحتها بصورة إلكترونية للجمهور في خارج تلك المناطق.
حيث أتاح المركز الداعشي المجلة للتحميل بصورة إلكترونية مجانية عبر مواقع إلكترونية مختلفة، حتى يصعب من عملية منع تداولها وحجبها، كما استهدف عدة دول على رأسها فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، والولايات المتحدة الأمريكية.
وعرفت دابق نفسها بأنها مجلة دورية تركز على قضايا التوحيد والبحث عن الحقيقة والهجرة والجهاد والجماعة، إضافةً إلى احتوائها على تقارير مصورة ومقالات إعلامية، تتناول كل ما يتعلق بتنظيم داعش الإرهابي، كما تضمنت خطبًا لقادة التنظيم، كما ركزت المجلة على التأكيد على مدى أمان وسلامة العيش في مناطقها الجغرافية؛ بهدف دفع الشباب للسفر إلى تلك المناطق.
وساهم تعرض التنظيم لهجوم دولي كبير، وضربات عسكرية متلاحقة، في توقف إصدار مجلة دابق للعلن، وكذلك انهيار التنظيم الإعلامي لداعش، خصوصًا مع فقد التنظيم للسيطرة الجغرافية بصورة متتالية في سوريا والعراق، وهو ما جعل إصدار أعمال إعلامية أمرًا بالغ الصعوبة.
صور حاملة للدلالات
ركز تنظيم داعش على المادة المصورة في داخل صفحات دابق، معتمدًا على أن الصورة تغني عن ألف كلمة، وكذلك لإطلاع الجمهور إلى حقيقة الأوضاع في داخل مناطق السيطرة الجغرافية لها.
ويرى الدكتور حسين محمد ربيع في دراسته بعنوان «سيميائية الصورة في الخطاب الصحفي للتنظيمات المتطرفة: دراسة تحليلية سيميولوجية لعينة من الرسائل البصرية بمجلة دابق وفقًا لمقاربة رولان بارت»، والصادرة في العدد 48 من مجلة البحوث الإعلامية التابعة لجامعة الأزهر، أكتوبر 2017، أن تنظيم داعش عمل على انتقاء صوره بعناية.
ويشير الباحث إلى أن التنظيم ركز على التشكيك في قدرات المؤسسات العسكرية العربية والغربية على هزيمة داعش؛ بهدف خلق حالة من الذعر لدى المواطنين من خلال المبالغة في قوة التنظيم، وتهيئتهم نفسيًّا إلى «الاستسلام لظهور دولة داعش».
كما ركزت الدراسة على سعي داعش الى دفع الجمهور والمتلقي إلى الهجرة للمناطق الخاضعة لسيطرة داعش، وذلك من خلال إحداث حالة من التكامل ما بين النص المكتوب والصور المعروضة داخل أعداد المجلة المختلفة، واختيار رموز وأشكال تساعد في ترسيخ هذه الفكرة.
كما سعى التنظيم إلى ترسيخ بعد تاريخي في مضامين مجلته؛ بهدف التأكيد على أنه ليس تنظيمًا جديدًا ولكنه يضرب في عملق التاريخ، ويظهر ذلك في استخدامه لرموز دينية مثل رايته، والتي اقتبسها من التاريخ الإسلامي، إضافةً إلى إبراز مقاتليه في زي أفغاني أسود تاريخي، ومع ذلك لم يغفل التنظيم عن التأكيد على تحسين صورته تاريخيًا من خلال التأكيد على عنصري الأمن والأمان في المناطق الجغرافية الخاضعة لسيطرته.
وعلى الرغم من انتهاء مجلة دابق، وانهيار التنظيم بصورة شبه تامة، إلا أن الخبرات الإعلامية التي تكونت لدى أفراده تنذر بقدرتهم على خلق محتوى إعلامي جيد ومؤثر، ويمكن بثه بصورة إلكترونية ولفترات زمنية طويلة، وهو ما يؤكد ضرورة التضييق الإلكتروني على أي محتوى إرهابي يتم بثه عبر هذه التنظيمات المتطرفة.





