ad a b
ad ad ad

«النهضة» و«الرفاة».. إسلاميو تونس وتركيا بين سلطة الأمر الواقع والجهل السياسي

الجمعة 02/أغسطس/2019 - 10:07 ص
المرجع
محمد عبد الغفار
طباعة

شهد الشرق الأوسط ظهور عدة حركات اتخذت من الإسلام السياسي مجالًا لنشاطها، سواء قبل ما تسمى ثورات الربيع العربي، أو ما تلتها من فترات.

ورغم وصول بعض هذه الحركات إلى الحكم وفشل البعض الآخر منها، فإن العامل المشترك بينها جميعًا، هو السعي لتنفيذ مواءمات سياسية، كما هو الحال في حزب النهضة التونسي، وحزب العدالة والتنمية التركي، والذي بنى قواعده على مبادئ حزب الرفاة.

وعلى هذه الفرضية السياسية، أجرت الباحثة أميرة عبدالقادر مقارنة بين حركتي النهضة التونسية وحزب الرفاة التركي، سواء على مستوى العوامل البيئية والاجتماعية المحيطة بهما، إضافة إلى الفكر والممارسة، وذلك في دراسة منشورة في العدد السادس بمجلة دراسات المستقبل.

«النهضة» و«الرفاة»..

الحركة الإسلامية التونسية

يعود تاريخ الحركة الإسلامية التونسية إلى عهد الحبيب بورقيبة، الذي اتخذ من الثقافة الغربية مرجعية له، معلنًا ازدراءه للثقافة العربية بصورة واضحة، لذا اتجهت الجمهورية التونسية الأولى إلى أخذ منحنى علماني كبير.

وأدخلت هذه السياسة بورقيبة في خلافات كبرى خصوصًا مع تيار اليسار التونسي، لذا لجأ الرئيس التونسي إلى استغلال الإسلاميين، لذا سمح بإنشاء الجمعية القومية للمحافظة على القرآن الكريم، في بداية 1968، ودعمتها الدولة ماديًّا.

وفي العام التالي استغلت مجموعة تدعى «الأخوة»، رضاء الحكومة على الجمعية، واتخذتها غطاءً للعمل السياسي والدعوي، وهؤلاء هم رواد الحركة الإسلامية التونسية، وبرز عملها بوضوح في عام 1971، تحت قيادة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو والهاشمي الحامدي وغيرهم.

واستمرت الحركة في عملها المساند للحكومة في مواجهة التيار اليساري خصوصًا في منتصف السبعينيات، وركزت روادها على العمل الجامعي، وفي عام 1977 أصدر الطلاب برئاسة راشد الغنوشي أول بيان رسمي لهم بعنوان «لقد بدأ الجهد يثمر»، واعتبر أنه لابد من أن يشعر المواطن بالتميز والاستقلال كشرط للتعامل مع الحضارة العربية، وهاجم تدريس الفلسفة في المدارس الثانوية، وعبر هذا البيان ظهرت مجلة المعرفة، والتي أشرف عليها الغنوسي.

وفي نهاية سبعينيات القرن العشرين، وقعت الحركة الإسلامية في أزمة عقب انتفاضة العمال في يناير 1978، حيث رأى فريق منها أن الحركة تعد امتدادًا لجماعة الإخوان الإرهابية برئاسة راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو، بينما يرى التيار الثاني أنه لابد من الاستقلال عن الجماعة، وعلى رأسه أحميدة النيفر، والذي شكل تيار الإسلام المستقبلي، وانتهت الأزمة بتفوق التيار الأول.

ورحبت الحركة الإسلامية التونسية بالثورة الإيرانية؛ حيث كتب راشد الغنوشي مقالات متعددة للدفاع عنها، واعتبر في أحد مقالاته أن هناك 3 شخصيات هم «رموز القرن» للعمل الإسلامي، وهم حسن البنا، والمودودي، والإمام الخميني.

وكان الغنوشي من أبرز رجال الحركة الإسلامية التونسية على مدار تاريخها، حيث نجح في استغلال كافة الأحداث بما يخدم مصالح الحركة، مثلما فعل في ثمانينيات القرن الماضي، حيث حاول استغلال تسلم محمد مزالي رئاسة الحكومة، لخلق مناخ تعددي في تونس، مما ساعده في تجديد إمارته للحركة عام 1981.

وتحولت الحركة الإسلامية في العام نفسه إلى حزب سياسي باسم «الاتجاه الإسلامي»، وتشكل مكتب سياسي علني برئاسة الغنوشي، وعضوية مورو، والذي شغل منصب الأمين العام، وتقدم الحزب بطلب الحصول على اعتراف قانوني، إلا أنهم اصطدموا مع السلطة، وكعادة الإسلاميين تورطوا في أعمال عنف، اتخذتها الحكومة ذريعة للقمع والعنف الرسمي.

وبناءً على أعمال العنف التي اتخذتها الحركة، تم القبض على الغنوشي ومورو، وعدد كبير من أعضاء الحزب، وصدرت ضدهم مجموعة من الأحكام التي تراوحت بين عامين إلى 12 عامًا، وحصل الغنوشي على حكم بعشر سنوات، قبل أن يتم إطلاق سراحهم عام 1984، ثم إعادة اعتقالهم في مارس 1987 بتهمة العمالة لإيران.

ومع موت الحبيب بورقيبة في نوفمبر 1987، حصل قادة الحركة على عفو رسمي، ولكي يعيد القادة أنفسهم إلى الشارع وتحسين أوضاعهم، أعلنوا عن ظهور حزب النهضة، وعملوا على العودة مرة أخرى إلى مهادنة النظام الحاكم طوال سنوات عدة.

وخلال سنوات حكم الرئيس التونسي بن علي، حاول الحزب الجديد إبعاد صفة الإسلامية عن اسمه، والتأكيد على أنه حزب غير ديني، على الرغم من أن قادته هم العناصر الفاعلة في تاريخ الحركة الإسلامية التونسية طوال تاريخها.

وبعد الثورة التونسية، اكتسب حزب النهضة حق العمل العلني بصورة رسمية، ونجح في استغلال الأوضاع المضطربة عقب الثورة في السيطرة على الأمور بالصورة التي سمحت له بالسيطرة على الرئاسة والبرلمان والحكومة، قبل أن يظهر حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي ويقضي بصورة كبيرة على السيطرة الإسلامية على مقاليد الحكم بتونس.

ويظهر أن الحركة الإسلامية التونسية طوال تاريخها اعتمدت على التركيز على المسألة الثقافية بصورة أساسية، وفي المقام الثاني جاءت السياسة، وذلك بسبب الظروف السياسية التي جاءت خلالها؛ حيث ركزت على معالجة قضايا الحريات وحقوق المرأة، وذلك من خلال خلفية دينية لهم.

وكان راشد الغنوشي يرى بأن الظاهرة الإسلامية في تونس جاءت نتيجة لعناصر ثلاثة، أولها التدين التقليدي التونسي خصوصًا التقليد المذهبي المالكي والتربية الصوفية، إضافة إلى التدين السلفي الإخواني، والذي يعتمد على الأصولية بصورة كبيرة، ومعهم التدين العقلاني، من خلال إعادة المنهج الاعتزالي والمعارضة السياسية في التاريخ الإسلامي.

«النهضة» و«الرفاة»..

الحركة الإسلامية في تركيا

كانت الأناضول «تركيا الآن» عاصمة الإمبراطورية العثمانية لفترة كبيرة من الوقت، قبل أن يقود مصطفى أتاتورك حربًا تحريرية لإزاحتهم من سدة الحكم، قبل أن يعلن الجمهورية في أكتوبر 1923، وألغى الخلافة في عام 1924.

واتخذ أتاتورك عدة خطوات نحو العلمانية والابتعاد عن الثقافة العربية والإسلامية؛ حيث ألغى الحرف العربي في اللغة التركية واستبدله بالحرف اللاتيني، وأغلق المدارس التي تدرس اللعة العربية، وحكم بالإعدام على الكثير من المعارضين له، وكان أتاتورك يهدف إلى محاربة الرموز الإسلامية فقط، دون استئصال الدين نفسه.

ومع وفاة أتاتورك، واتجاه تركيا إلى التعددية الحزبية في عهد الرئيس عصمت انيونو 1945، زادت الأنشطة الدينية، وهو ما عبر عنها باسم «الصحوة الإسلامية»، وصاحب ذلك رفع الأذان باللغة العربية، وتقديم برامج دينية، وفتح مزارات الأولياء للمسلمين، والسماح بوجود التعليم الديني.

وعمل أنصار التيار الإسلامي إلى التدخل في الحزب الديمقراطي الحاكم، ومع انقلاب 1960، صعد نجم أربكان في جبهة الشرق الأعظم بقيادة نسيب فاضل، والذي أسس حزب النظام الوطني 1970، قبل أن يتم إغلاقه بحكم المحكمة الدستورية نظرًا لاستخدامه الدين في السياسة.

ثم أسس أربكان حزب السلامة الوطني في عام 1971، قبل أن يتخلى عن أستاذه نسيب فاضل في العام التالي؛ لأن أيديولوجيا جبهة الشرق الأعظم لا تتفق مع أفكاره القائمة على العمل السري المسلح لإعادة الإمبراطورية الإسلامية، معتمدًا على دخول حزبه في العمل السياسي والانتخابات البرلمانية عامي 1973 و1977، وكذلك الاشتراك في الحكومة الائتلافية.

وفي عام 1983، تأسس حزب الرفاة امتدادًا لحزب السلامة الوطني بعد أن ألغاه العسكريون، وجمع الحزب الجديد بين القيم الإسلامية والقومية، مع التركيز بصورة أكبر على المبادئ الدينية، خصوصًا وأنه كان دائم الانتقاد للأوضاع القائمة النابعة من عقلية غربية بالأساس.

ونجح الحزب في كسب ثقة الشارع، حيث حصل على 9.8% من الأصوات في انتخابات 1991، وكسب 40 مقعدًا في البرلمان، كرابع حزب من حيث القوة النيابية، ثم زادت نسبته في انتخابات 1994، حيث حصل على 19% من الأصوات، ونجح في السيطرة على أنقرة واسطنبول، ثم في انتخابات 1995 حصل على 39.21% من الأصوات بواقع 158 نائبًا.

ونجح حزب الرفاة في السيطرة على الحكم للمرة الأولى بعد سقوط الحكومة الائتلافية ما بين حزب الوطني الأم وحزب الطريق الصحيح في عام 1996، ليشكل الحزب أول حكومة برئاسة إسلامي ممثلًا في نجم الدين أربكان، بعد تحالفهم مع حزب الطريق الصحيح، مع الاتفاق على تبادل رئاسة الحكومة.

وعمل أربكان على نشر أفكاره سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، حيث أطلق التصريحات الحادة تجاه إسرائيل وحسن علاقاته مع إيران وليبيا، وهو ما لم ترض عنه المؤسسة العسكرية، وعلى الجانب الداخلي، انتشرت الأفكار الدينية، وظهرت الشركات ذات الخلفية الإسلامية، وعلى رأسها منظمة رجال الأعمال المسلمين، والتي ضمت 3 آلاف رجل أعمال يمثلون 10 آلاف شركة في كافة المجالات، وانتشر التعليم الديني بكثرة.

ومع الضغط العسكري الرافض لتحويل تركيا مرة أخرى إلى دولة دينية، اضطر أربكان إلى تقديم استقالته وترك رئاسة الحكومة لشريكة تانسو تشلر، ورفض الجيش ذلك، وساهم في تنفيذ انقلاب مدني برئاسة الرئيس التركي ديميريل.

وقررت المحكمة الدستورية في تركيا حل حزب الرفاة، يناير 1998، نظرًا «لأن العلمانية عماد أساسي للدولة التركية»، ولم يواجه القرار بأي اعتراض شعبي، خصوصًا وأن الطابع العلماني للدولة اسهم في تراجع القاعدة التصويتية إلى 20%، بينما ذهب 80% إلى تأييد الجيش والأحزاب الأخرى.

«النهضة» و«الرفاة»..

وختامًا

على كل ما سبق، تترتب نتيجة واحدة، تتشابه في الشكل والمضمون وإن اختلفت في التفاصيل الزمانية والمكانية؛ حيث يتضح أن الحركتين أو الحزبين موضوع المقارنة، برزا في فترة انتشار العلمانية في كل من الدولتين التونسية والتركية، وعملا على استغلال ذلك بهدف الانتشار بصورة شعبية، واستطاع كلاهما الوصول إلى سدة الحكم، ولكن عدم وجود برنامج شامل، وغياب القدرة على التعامل مع الفصائل الأخرى، كلها عوامل أسهمت في سقوط الحزبين سريعًا من على رأس الهرم السياسي في الدولتين.

 

"