انفصاليو الجنوب.. باب مفتوح في تايلاند لدخول الإرهاب
جاء هجوم الثلاثاء الماضي 23 يوليو 2019، على أحد المواقع العسكرية جنوب تايلاند، حسبما صرحت السلطات التايلاندية في بيان رسمي، ليؤكد العنف المتزايد من تلك المنطقة المشتعلة بالصراعات الطائفية.
وجاء الهجوم بعد أربعة أيام من دخول رجل فاقد الوعي، يبلغ من العمر 34 عامًا المستشفى، يُشتبه في انتمائه للمتمردين الإسلامويين، بعد استجوابه في معسكر إنكايث العسكري المروع في مقاطعة باتاني.
وتشهد تايلاند- وهي دولة ذات أغلبية بوذية- تمردًا انفصاليًّا دينيًّا طيلة عقود من الزمن، يشنه متمردون مسلمون من الملايو في جنوب البلاد.
بؤرة الصراع
ومنطقة الجنوب- خاصة مقاطعات باتاني ويالا وناراثيوات الجنوبية- كانت تابعة لسلطنة الملايو المسلمة حتى قيام تايلاند (التي كانت تسمى آنذاك سيام)، والتي ضُمت في عام 1909.
ويمكن إرجاع النزاع إلى المعاهدة الأنجلو سيامية لعام 1909 التي حددت الحدود بين تايلاند وماليزيا، كجزء من المعاهدة ضمت تايلاند سلطنة باتاني المستقلة، والتي تشكل الآن جنوب تايلاند الذي يغلب فيه المسلمون، أمضت الحكومة التايلندية معظم هذا القرن في محاولة لاستيعاب المسلمين الملايو في الثقافة البوذية التايلاندية؛ ما أثار الاستياء بين المجتمع الماليزي المسلم.
يستشهد المتمردون المطالبون بالاستقلال بالمظالم السياسية والاقتصادية والثقافية، كما يزعم العديد من المتمردين أنهم يشنون الجهاد، ويدعون إلى إنشاء سلطنة إسلامية في جنوب البلاد.
وعلى مدار 5 سنوات منذ اندلاع التمرد في عام 2004، نفذت الجماعات الانفصالية عددًا من الهجمات العنيفة، على الرغم من أنها تفتقد القيادة المركزية، ويُعتقد أن الإسلاميين المتشددين يشكلون غالبية المتمردين اعتبارًا من يناير 2019.
وقتل التمرد الانفصالي حوالي 7 آلاف شخص، وجُرح ما لا يقل عن 12000 آخرين في النزاع، وفقًا لآخر تقدير في سبتمبر 2016.
التمرد غير المنظم والذي يفتقد لوجود زعيم، جعل تلك المنطقة صيدًا ثمينًا ووجهة للجماعات الإرهابية، بما في ذلك القاعدة والجماعة الإسلامية وحزب الله، والتي بدأت العمل داخل تايلاند كنقطة عبور، وكقاعدة للتخطيط لشن هجمات على مناطق مجاورة في ماليزيا وإندونيسيا.
ويُعتقد أن الجماعة الإسلامية خططت لتفجيرات عام 2002 في بالي بإندونيسيا من منازل آمنة في بانكوك عاصمة تايلاند، بالإضافة إلى ذلك، سعى عملاء إيرانيون لمهاجمة الدبلوماسيين الإسرائيليين على الأراضي التايلاندية.
وبحسب تقرير الإرهاب العالمي لعام 2017، فإن المتمردين الإثنيين من أصول الملايو الإثنية نفذوا مئات الهجمات في أقصى جنوب محافظات باتاني ويالا وناراثيوات وأجزاء من سونجخلا المعروفة باسم عمق جنوب تايلاند.
ووفقًا للتقرير، شملت أساليب تنفيذ الهجمات إطلاق النار والحرق العمد، والمتفجرات، والعبوات الناسفة، والتفجيرات عن بعد.
ثلاثي داعش والقاعدة وحزب الله
وبحسب دراسة لبرنامج مكافحة التطرف، فإنه في السنوات الأخيرة، تعرف عدد من المواطنين التايلانديين إلى دعاية داعش عبر الإنترنت، وتبنوا أفكارها، وبدأوا الدعوة لها، على الرغم من أن السلطات التايلاندية تعتقد أنها لا تعد هدفًا لداعش.
وراقبت السلطات التايلاندية عددًا من الرعايا التايلانديين الذين يصلون بانتظام إلى المواد الدعائية لداعش عبر الإنترنت- بعضها متاح باللغة التايلاندية، لكن السلطات تؤكد أنه لا يوجد دليل واضح على انضمام مواطنين تايلانديين إلى داعش في الخارج.
ومع ذلك، في نوفمبر 2016، أكدت الحكومة أنها تحقق مع التايلانديين الذين عبَّروا عن دعمهم للجماعات التابعة لتنظيم داعش في جنوب شرق آسيا عبر الإنترنت، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتزداد الشكوك حول سفر مواطنين من تايلاند لدعم الدواعش، نظرًا للعدد الكبير نسبيًّا من المقاتلين المسافرين من إندونيسيا وماليزيا المجاورتين، فوفقًا لبيانات حكومية غادر 671 إندونيسيًّا البلاد ليصبحوا مقاتلين أجانب في العراق وسوريا و95 ماليزيًّا قد سافروا للخارج لنفس السبب.
وتقول تقارير إعلامية، إن جماعات إرهابية عالمية- مثل القاعدة والجماعة الإسلامية وحزب الله- تستخدم تايلاند كنقطة عبور وكقاعدة للتخطيط للهجمات، على الرغم من قلة المعلومات المتوفرة عن أنشطة القاعدة في البلاد.
ويقول المحلل المقيم في بانكوك، شون كريسبين، في أوائل عام 2016: إن المتمردين التايلانديين أبقوا الجماعات الإرهابية العالمية «بعيدة المنال لتجنب أي خلط لمظالمهم المحلية مع الأيديولوجية الجهادية المعادية للغرب»، ومع ذلك قد يستلهم المتمردون التايلانديون أساليب الجهاديين أو يتعاطفون معهم.
تحديات وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب
جعلت الاضطرابات السياسية في تايلاند من الصعب على بانكوك صياغة استراتيجية متماسكة ومتسقة لمكافحة التطرف، بحسب ما ذكرته دراسة برنامج مكافحة التطرف.
ومنذ نهاية الملكية المطلقة في عام 1932، نظم الجيش التايلاندي 11 انقلابًا بما في ذلك الانقلاب الأخير في مايو 2014، وفي بداية ولاية المجلس العسكري الحاكم بقيادة برايوت تشان أوشا، أشار إلى معارضته للتوصل إلى تسوية سياسية مع المتمردين من شأنها التنازل عن الحكم الذاتي للمحافظات الجنوبية.
لكن الوضع تغير، ففي سبتمبر 2016، بدأ المجلس العسكري محادثات سلام مع مارا باتاني، وهي منظمة تمثل المتمردين، بعدما طالت الحكومات التايلندية المتعاقبة اتهامات على نطاق واسع باستخدام القوة المفرطة ضد المتمردين، بينما فشلت في معالجة الأسباب الجذرية لاستياء المسلمين، والتي تشمل المظالم السياسية والاقتصادية والثقافية.
وفي إطار مكافحة الإرهاب الدولي، قدمت تايلاند المساعدة للقوى الأجنبية في منع النشاط المتطرف أو معاقبته، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، سمحت تايلاند للولايات المتحدة باستخدام الأراضي التايلاندية لاستجواب الإرهابيين المشتبه بهم في حربها ضد الإرهاب.





