بين ثورتين.. تاريخ إيران السياسي من العلمانية إلى العمامة السوداء
يُعَدّ كتاب «تاريخ ايران السياسي
بين ثورتين 1906 – 1979» من الكتب المهمة التي تناولت المسيرة التاريخية لهذه
الدولة بالنقد والتحليل، منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى مطلع التسعينيات.
دولة القاجار والأسرة البهلوية
والكتاب من إعداد الدكتورة
آمال السبكي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر كلية الآداب
بجامعة بنها، وقد بدأت الكاتبة حديثها - في هذا الكتاب- عن حكم دولة القاجار
وتحديدًا فترة ناصر الدين شاه، والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في عهد
القاجاريين، ومدى الانحدار الذي وصلت إليه الدولة، ثم تعرضت لأسباب وملابسات قيام
الثورة الدستورية عام 1906، والأسباب التي أدت لنجاحها أولًا وفشلها في نهاية الأمر
في إحراز إصلاحات ملموسة في إيران.
ثم تطرقت للحديث عن حكم الأسرة
البهلوية في العشرينيات، ووصفت بشكل مفصل السياسة الداخلية والسياسة الخارجية
والأزمات التي تغلب عليها رضا بهلوي، مبينة موقف الدول
الغربية منه لاسيما بريطانيا التي رأت فيه ضمانة لاستمرار هيمنتها على إيران، وهو
التحليل الذي أثبتت الأيام عدم دقته.
إيران وتداعيات الحرب العالمية
الثانية
فطوال مراحل التطور السياسي
التي مرت بها إيران كان التدخل الخارجي هو سيد الموقف، سواء من السوفييت
أوالبريطانيين أو الألمان أو الأمريكان الذين سادوا المشهد بعد صعود نجمهم بعد
الحرب العالمية الثانية، وكان لهم اليد العليا في الإطاحة بحكومة الدكتور محمد
مصدق رئيس وزراء إيران مطلع الخمسينيات، والذي كان رافضًا للهيمنة الغربية، ومتقاربًا
مع السوفييت.
رحيل الشاه والدور الفرنسي
وبعد تأزم الأمور رحل الشاه
لقضاء إجازة، تاركًا رئيس الوزراء الجديد شابور بختيار، وكان دور الجنرال «روبرت
هايزر» منع قادة الجيش الإيراني من الانقلاب والسيطرة على الأمور، وبعد تولي
الخميني السلطة تعرض كبار العسكريين للتعذيب والقتل على أيدي أتباع الخميني وفرًّ
الكثيرون منهم للخارج.
وأوضحت الكاتبة دور فرنسا، في
إسقاط الشاه محمد رضا، وكيف أنها كانت تهدف لاستثمار ضـيـافـتـهـا لـه بـعـد خـروج
الشاه، وقد نجح تخطيطها كما اتـضـح بـعـد الـثـورة، خـصـوصـًا أن سـفـيـر فرنسا في
طهران كان قد أرسل لحكومته في مايو ١٩٧٨ تقريرًا يؤكد فيه أن أيام الشاه في السلطة
باتت معدودة. كما أجرى مراسل صحيفة لوموند بـعـدهـا بـأيـام
أول حـديـث سـيـاسـي أدلى به الخميني للصحافة العالمية والغربية بصفة خاصة، وكانت
الجريدة تبرز الخميني للعالم بوصفه زعيمًا جديدًا لإيران، وضَمـن الخـمـيـنـي
قـبـل الثورة تأييد فرنسا له.
إيران وأمريكا.. وبداية الخلافات
وبعد الثورة نشأ خلاف جوهري
حول علاقة إيران بالولايات المتحدة؛ حيث اعتقد رئيس الوزراء أنه لابد من الإبقاء على
العلاقات الخارجية التي كانت قائمة قبل الثورة ضمانًا لاستمرار تدفق قطع الغيار
اللازمة للجيش والصناعة؛ بهدف إعادة تسليح القوات المسلحة خوفًا من هجوم العراق أو
أي دولة معادية للثورة. لكن الخميني أخذ يذكر الجماهير بانقلاب الجيش عام ١٩٥٣ ضد
مصدق، ذلك الانقلاب الذي كشف عن وجه الولايات المتحدة، كما ظهر التبـايـن الحـادّ
حـول تـصـديـر الـثـورة للخارج، وكان رئيس الوزراء الجديد مهدي بازرجان يرى أنها
مرحلة يصعب تنـفـيـذهـا وقـتـيـًّا؛ لأنـه ظـل مقتنعًا بما حدث في فرنسا، وما
تكبدته من خسائر في أثناء قيامها بتصدير الثورة الفرنسية وحروبها الفاشلة في
أوروبا.
ولفتت الكاتبة إلى أن الثورة
الإيرانية شأنها شأن كثير من الثورات، لم يتحقق لها السلطان الكامل إلا بشل حركة
المعارضة، والقضاء عـلـى مـن يـتـعـاون مـعـهـا، فـألـقـي القبض على كل المتعاطفين مع الرئيس بني صدر من
العلمانيين ورجال الدين، وكان بينهم الحفيد الأكبر لآية الله
الخميني، وأغلقوا دور الصحف المستقلة، كما أعدم أكثر من ألف وستمائة مواطن في
الفترة التي تلت هروب بني صدر من يونيو حتى نهاية عام ١٩٨١، وأعدم ألفان ومائة من
منظمة مجاهدي خلق المعارضة والمنتمين للجناح اليساري بفصائله، أما حزب توده
اليساري فقد ساند في العلن النظام السياسي القائم؛ خوفًا من الاضطهاد والقتل،
وانتهـت أعـنـف مراحل الثورة بافتراس أبنائها بصورة أكثر وضوحًا في عام ١٩٨٣.





