ad a b
ad ad ad

تحركات استفزازية لواشنطن.. الاعتداءات الإيرانية على أمن الخليج

الإثنين 20/مايو/2019 - 12:22 م
واشنطن وطهران
واشنطن وطهران
مرﭬت زكريا
طباعة

أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية في 13 مايو  لعام 2019 عن تعرض أربع شاحنات تجارية مدنية لعمليات تخربية بالقرب من الساحل الشرقي لإمارة الفجيرة، فضلًا عن تعرض ناقلتين سعوديتين لهجوم تخريبي بالقرب من المياه الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة؛ حيث أشار بعض المحللين إلى وجود عدة مؤشرات تؤكد ضلوع إيران في ذلك، وذلك بسبب تهديدها الدائم بإعاقة تدفق النفط ردًّا على العقوبات الأمريكية.


فضلًا عن تعليق رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني «حشمت الله فلاحت بيشة» قائلًا: «أثبتت انفجارات الفجيرة أن أمن الضفة الجنوبية من الخليج الفارسي هش»، وعليه، تمتلك طهران تاريخًا طويلًا من الاعتداءات البحرية على سفن دول الخليج، بل وعلى السفن الأمريكية ذاتها.

تحركات استفزازية
ويشير بعض المحللين إلى رغبة طهران- إذ كانت هي فعلًا من قامت بهذه العملية التخريبية- في إرسال بعض الرسائل من خلالها بأنها موجودة وقادرة على المواجهة في حال تعرضها للتهديد، ومن ناحية أخرى، تطرق بعض الباحثين إلى تساؤل رئيسي حول هل إيران قادرة حقًّا وتمتلك كل المقومات اللازمة للمواجهة والتصعيد مع واشنطن؟ وهو ما سنحاول توضيحه فيما يلى:- 

أولًا: تاريخ الاعتداءات البحرية الإيرانية على دول الخليج
تحاول طهران منذ جلاء الاستعمار البريطاني عن الخليج العربي إلى السيطرة عليه، وهذا ما أدى إلى اختيار الولايات المتحدة الأمريكية لشاه إيران ليكون بمثابة شرطي للخليج، كما أثرت الحرب العراقية الإيرانية بالسلب على العلاقات الإيرانية الخليجية؛ حيث انحازت دول الخليج في ذلك الوقت إلى جانب بغداد في مواجهة طهران؛ ما أدى إلى تعميق الخلافات بين الطرفين.

وبرزت الاعتداءات الإيرانية البحرية على دول الخليج في البيان الصادر عن قمة مجلس التعاون الخليجي في 9 نوفمبر لعام 1983 جراء تعرض البحرية الإيرانية لسفن النفط في مداخل الخليج العربي؛ ما أدى لتدخل القوى الكبرى لحماية هذه المضايق، باعتبار أن المسؤولية ليست محليه ولكن عالمية، نظرًا لأهمية النفط كسلعة استراتيجية للأمن والسلم العالميين، وللاقتصاد المرتبط بتوفيرها.

فكثيرًا ما تهدد طهران بغلق المضايق الحدودية مثل مضيق هرمز وباب المندب، وكان يتكرر ذلك مع كل مشكلة تتعرض لها، ولاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية، وآخرها مع حادثة سحب واشنطن الإعفاءات الممنوحة لثماني دول تتمثل في «الصين، والهند، واليابان، وتركيا، وإيطاليا، واليونان، وكوريا الجنوبية، وتايوان»؛ لإجراء معاملات نفطية مع طهران، على خلفية خوفها من ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية أو نقص المعروض.
تحركات استفزازية
ثانيًا: رسائل طهران.. ما وراء الاعتداءات
كانت إيران ترغب في إرسال بعض الرسائل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها «دول الخليج، وإسرائيل»، بأنها قادرة على المواجهة، وتمتلك المقومات اللازمة لذلك؛ حيث يعد الحرس الثوري الإيراني من أقوى التنظيمات المسلحة الموجودة في المنطقة، كما يملك كل من الجيش والحرس الثوري قواته البرية والجوية والبحرية، ويضم جيش حراس الثورة قوات عسكرية تنفذ أنشطة خاصة مثل «قوة القدس»، و«الباسيج» لأعمال المقاومة، فضلًا عن المعدات العسكرية القادمة من بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، التي تم استيراد الكثير منها قبل ثورة عام 1979.

من ناحية أخرى، تستطيع إيران التعايش مع العقوبات الاقتصادية، والدليل على ذلك هو قدرتها على التكيف مع العقوبات الأمريكية التي تم فرضها في عهد الرئيس الإيراني الأسبق «أحمدي نجاد»؛ حيث تتباهى طهران دائمًا بقدرتها على الالتفاف على العقوبات الاقتصادية، والنجاة من آثارها، وهذا ما أشار إليه الدبلوماسي والمفاوض النووي السابق «سيد حسين موسويان» بقوله: «حتى لو لم يستطع الإيرانيون تصدير نقطة نفط واحدة، فلن يتخلوا عن حقوقهم.. فخلال الحرب التي تلت الغزو العراقي من 1980 إلى 1988 كان وضعنا أسوأ من هذا بكثير».

وعليه، فطهران التي حاولت التكيف مع العقوبات الاقتصادية لما يزيد عن 35 عامًا، يمكنها التعايش مع العقوبات الحالية من خلال «السوق السودة»، وانخراط الحرس الثوري في أعمال غسيل الأموال العالمية، فضلًا عن قدرة نظام طهران على إرجاع التحديات الخارجية والداخلية إلى مؤامرات معروفة؛ ما يمكّنه من تفادي الضغوط، وتعزيز شرعيته في آنٍ واحد.
تحركات استفزازية
ثالثًا: هل يمكن أن يؤدي التصعيد الإيراني الأمريكي لحرب وشيكة؟
أبدت الولايات المتحدة الأمريكية وإيران الكثير من مظاهر التصعيد والتهديدات المتبادلة، والتظاهر بامتلاك كلا الطرفين للمقومات اللازمة للدخول في حرب، ونتج عن ذلك قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» وبعض القاذفات من طراز «بي 52» إلى المنطقة، فضلًا عن فرض واشنطن عقوبات جديدة على قطاع التعدين الإيراني، بما يتضمن «منتجات الصلب والنحاس والألومنيوم»؛ بهدف حظر الصادرات الإيرانية من الأسواق الدولية.

في المقابل ردت إيران بما يشبه حالة الخروج الجزئي من الاتفاق النووي، في إشارة إلى تعليق بعض المواد، لاسيما التي تتعلق بتخصيب اليورانيوم، والاحتفاظ بالكمية المتاحة لديها من الماء الثقيل، مع عدم الالتزام ببيعه في الأسواق الدولية، مع منح القوى الدولية مهلة ستين يومًا؛ من أجل اتخاذ إجراءات جديدة لمواصلة التعاملات المالية والتجارية معها قبل الإقدام على خطوة تصعيدية جديدة بداية من 8 يوليو القادم.

فعلى الرغم من كل محاولات التصعيد من قبل البلدين، إلا أنه من غير المعقول بالنسبة للطرفين الدخول في حرب فعلية تستنزف موارد كل منهما، فبالنسبة لطهران من غير الممكن بالنسبة لها مهما بلغت قوتها العسكرية الدخول في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد بمثابة أقوى دولة على مستوى العالم من الناحية العسكرية، فمن الممكن بالنسبة لطهران الدخول في حرب بالوكالة في الشرق الأوسط، والتهديد بإغلاق المضايق مثل «هرمز، وباب المندب»، وتمويل عدد كبير من الميليشيات لتحقيق أهداف سياستها الخارجية ليس أكثر.

أما فيما يتعلق بواشنطن فهي أيضًا يوجد لديها ما يمنعها عن التورط في حرب جديدة في المنطقة، فمازالت الخسائر التي منيت بها في فيتنام والعراق ماثلة أمام أعين الشعب الأمريكي، فإذا كانت الإدارة الأمريكية الحالية المتمثلة في الرئيس «دونالد ترامب» وحزب المحافظين التابع له مستعدة للتصعيد مع طهران، لكن الولايات المتحدة الأمريكية في النهاية هي دولة مؤسسات، وقرار الدخول في حرب ليس سهلًا أو يتم اتخاذه على المستوى الفردي من قبل رئيس أو حزب بعينه.
تحركات استفزازية
ختامًا:  اتضح مما سبق أن كلا الطرفين لا يريد الدخول في حرب مفتوحة مع الآخر، ولكن يرغب كل منهما- لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية- في استخدام سياسة الضغوط التصعيدية؛ من أجل أن يضطر الطرف الآخر للرضوخ لمطالبه؛ حيث تحتاج طهران إلى إبراز قدراتها، لاسيما فيما يتعلق بدورها الإقليمي، وعلاقتها مع القوى الكبرى لتحسين موقفها التفاوضي إن اضطرت لذلك، أما بالنسبة لواشنطن فتريد العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، وإعادة الحديث حول بعض القضايا الشائكة مثل برنامج الصواريخ الباليستية، فضلًا عن دور إيران في الشرق الأوسط.
الهوامش:
1. أمنية عبدالوهاب محمد زكى، السياسة الخارجية لإيران تجاه دول الخليج العربي “2010-2016”، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، 17/7/2016، متاح على الرابط التالي https://democraticac.de/?p=34164.

2. مرﭬت زكريا، بعد قرار وقف الإعفاءات.. هل تستطيع تركيا وقف مبيعات النفط الإيراني، 3/5/2019، المركز العربي للبحوث والدراسات، متاح على الرابط التالي http://www.acrseg.org/41194?fbclid=IwAR0cZpgUuLXL50udT7s7oB1-W2cvcQajR03oFQ1TDVA2p6vgWX0D7rdcuVo.

3. ما هو حجم القوة العسكرية الإيرانية، 17/4/2016، روسيا اليوم، متاح على الرابط التالي http://cutt.us/WF1P1.

4. روكسان فَرمانفرمايان، مناعة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، 16/4/2013، مركز الجزيرة للدراسات، متاح على الرابط التالي http://studies.aljazeera.net/ar/files/iranandstrengthfactors/2013/04/2013410113918205987.html

5. تصعيد جديد، لماذا قررت إيران تخفيض مستوى التزاماتها النووية؟ 12/5/2019، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، متاح على الرابط التالي https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/4738.

6. ضغوط إضافية: لماذا فرضت واشنطن عقوبات على قطاع التعدين الإيراني؟ 14/5/2019، الوكالة نيوز، متاح على الرابط التالي  http://cutt.us/SlfC5.
"