بالتحالف مع «رجل الدوحة».. إخوان موريتانيا يبحثون عن «التمكين»
يزداد المشهد الموريتاني تعقيدًا، مع اقتراب إجراء الانتخابات الرئاسية، في يونيو من العام الحالي، ولعل هوية المرشح الفائز هي أكثر ما تنشغل به الساحة السياسية، في حين ينظر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية، المعروف اختصارًا بـ«تواصل» (الذراع السياسية للإخوان في موريتانيا)، إلى ما هو أبعد من ذلك، خاصة أنه كان يطمع في السلطة، ثم تغير الحال وأصبح ما يهمه هو عدم حظره.
مخطط التمكين
في مايو الماضي، تراجع «الإصلاح والتنمية»، بالتزامن مع حلول موسم الانتخابات النيابيَّة بموريتانيا، عن مقاطعة الانتخابات البلديَّة والنيابيَّة والرئاسيَّة، التي أعلن من قبل عزمه عدم خوضها؛ إذ زعم محمود ولد سيدي، نائب رئيس الحزب، أن «تواصل» يصنف باعتباره «معارضة راديكاليَّة»، ورغم استخدام ذاك التوصيف كمَذمّة؛ لما يحويه من معانٍ تتنافى مع المرونة والإيجابية؛ فإنه يفخر براديكاليته في ظل نظام ديكتاتوري، حسب تعبيره، مبيّنًا أن معارضته ليست مسؤولة؛ أي أنها لا تلعب دور المعارضة وفق تشريعات الدولة والقانون.
وأجاب عن سؤال «لماذا تراجعتم عن المقاطعة؟»، قائلًا: «قررنا المشاركة بعد أن ناقشنا بعمق الأزمة التي تتخبط فيها بلادنا، وتتجه نحو منعطف خطير، يتمثل في قرب انتخابات نيابيَّة وبلديَّة ورئاسيَّة، مفترضًا أن تنهي عهد الرئيس محمد ولد عبدالعزيز...قررنا أن نقتحم وننتزع حقوقنا، لن نغيب عن المشهد حتى لا يستمر النظام، وخوضنا الانتخابات محطة نضاليَّة نتجه إليها».
وأفرزت النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية والبلدية التي شارك فيها الإخوان، تصدر الحزب الحاكم (الاتحاد من أجل الجمهورية) للاستحقاقات، متبوعًا بالتجمع الوطني للإصلاح والتنمية؛ الأمر الذي واجهه الحزب الإخواني بالحديث عن تزوير الانتخابات، وعدم الاقتناع بالرفض الشعبي لهم في موريتانيا.
ومثّل المؤتمر الذي أقيم في 22 سبتمبر 2018، نقطة التحول في مستقبل الإخوان بموريتانيا، إذ تحدث الرئيس، محمد ولد عبدالعزيز، عن الدور التخريبي الذي لعبته الجماعة في البلدان العربية، محذرًا الشعب من الانسياق وراء الشعارات الدينية الزائفة لهم، قائلًا:« الإخوان جعلوا إسرائيل في وضع مريح، لا سيما بعد انشغال العديد من البلدان العربية بمحاربة إرهاب الجماعة في الداخل».
وقتذاك، ألمح الرئيس إلى احتمالية اتخاذ إجراء بشأن «تواصل»؛ على خلفية الرفض الشعبي للوجود الإخواني بموريتانيا، مشددًا على أن بلاده لن تسمح بتوظيف الدين في السياسة، أو احتكاره لصالح فصيل بعينه، قائلًا: «الدين الإسلامي ملك للشعب الموريتاني بجميع مكوناته، وليس لطرف بعينه»؛ ما تسبب في حالة إرباك للجماعة ولجأت إلى التحالف مع أحزاب أخرى للاتفاق على مرشح في الاستحقاق الرئاسي ( يونيو 2019).
ومنذ سبتمبر 2018، بحث الإخوان عن إمكانية ترتيب البيت من الداخل وتوحيد المعارضة للاتفاق على مرشح رئاسي يتم تدعيمه، ووقع الاختيار على رئيس الوزارء السابق «سيدي محمد ولد بوبكر»، الذي يوصف بأنه «رجل الدوحة» و«مبعوث قطر في موريتانيا».
هروب الحلفاء
تصدع البيت الإخواني وانفرط العقد بعد أن أعلن عدد من قيادات الصف الأول والنساء انشقاقهم، والانضمام إلى مرشح الأغلبية «محمد ولد الغزواني»، وأعلنت مجموعة شبابية بولاية «الحوض الشرقي» الموريتانية، خروجهم عن التنظيم في مارس الماضي، بقيادة «الكنتي ولد سيد أعمر»، مرشح التنظيم سابقًا لبلدية تابعة لعاصمة الولاية، إلى جانب عدد من المستشارين البلديين السابقين عن «تواصل»، وأعلنوا دعمهم الكامل لـ«ولد الغزواني» .
ونجح «ولد الغزواني» في استقطاب بعض رموز الإخوان، أبرزهم القيادي في التجمع الوطني للإصلاح والتنمية السفير «المختار ولد محمد موسي»، الذي برر انسحابه بأنه جاء احتجاجًا على توجه الحزب، ليعلن دعمه لمرشح الأغلبية، ولحق به «سالم ولد همد»، الذي قرر المغادرة دون عودة، احتجاجًا على قرار دعم الإخوان للمرشح «محمد ولد بوبكر»، إضافةً إلى «محمد عبدالجليل»، عضو مجلس شورى «تواصل»؛ حيث انضم هو أيضًا إلى جبهة «الغزواني».
كما أعلنت كلٌ من، الدكتورة «لالة سيدي الأمين»، عضو مجلس شورى الحزب، وعضو أمانة الشرق الدكتورة «عييه عالي»، الانشقاق عن الإخوان، والتحاقهما بمرشح الأغلبية، منتصف مارس الماضي، وجاء ذلك بعد أقل من 24 ساعة من إعلان القيادي الإخواني «عبدالرحمن باباه»، انشقاقه عن «تواصل»، وبررت القياديتان في رسالة موقعة باسمهما الانشقاق بالاختلافات العميقة مع الحزب بخصوص قراءة الساحة السياسية الموريتانية.
وقال الناشط الموريتاني «سعدبوه الشيخ محمد»: إن «تواصل» يسير على خُطَى الجمَاعة الأم في مصر، ويُطبق المنهج البراجماتي للإخوان، والمتمثل في قاعدة «ما لا يدرك كله، لا يترك جله».
وأضاف في تصريحات صحفيَّة، أن قادة الحزب يؤكدون أنهم ينطلقون من الخصوصية الموريتانيَّة، رغم أن تفاعلهم مع قضايا الإخوان في الخارج يفوق أحيانًا اهتمامهم، ويفوق تفاعلهم مع القضايا، والأحداث الوطنيَّة، لافتًا إلى أنهم قرروا أخذ ما هو متاح ويعملون بصبر؛ لتحقيق الباقي، فهم يمارسون المعارضة بطرق مختلفة، ومبتكرة، تكرس مبدأهم البراجماتي، فينتقلون من معارضة ناصعة، إلى ناصحة، إلى ناطحة.





