«جيش محمد».. جماعة إرهابية تجدد الصراع بين الهند وباكستان
تبقى أماكن الصراع والمعارك أفضل وأنسب البقع
الجغرافية التي يتنامى فيها الإرهاب، ويحظى فيها التطرف بأكبر الفرص للتمدد والتجذر،
ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو الاضطرابات المتصاعدة حاليًّا داخل إقليم «كشمير»
المتنازع عليه بين الهند وباكستان.
فمع بزوغ فجر اليوم الثلاثاء أعلنت السلطات الهندية عن قيامها بتوجيه ضربة عسكرية مكثفة لمعسكر تدريب لجماعة متطرفة بداخل كشمير تدعى «جيش محمد»، إذ صرح المدعي العام الهندي، فيجاي جوخالي بإن مخابرات بلاده قد قادت العملية التي أسفرت عن مقتل عدد كبير جدًا من عناصر التنظيم.
كشمير.. حرب قديمة وصراع يتنامى
ومع الساعات الأولى لتلك العملية بدأ نشوب الخلافات بين الطرفين الهندي والباكستاني، فالأولى تزعم بأنها تستهدف مكافحة الإرهاب الذي يدمر أمنها وأما الأخيرة فتحتج بسبب إختراق الهند لمجالها الجوي وقيامها بضربة عسكرية داخل حدودها، وذلك لإن المعسكر الذي تم شن الغارة ضده يقع في منطقة بالاكوت بإقليم خيبر بختونخوا التابع لإدارة باكستان.
وعليه أشار المتحدث الرسمي للجيش الباكستاني، آصف غفور إلى أن القوات الجوية الهندية قد اخترقت حدود البلاد، ووجهت ضربة عنيفة ضد أحد الأجزاء الجغرافية الخاضعة لسيطرتها بإقليم كشمير المتنازع عليه، ومن جانبها ردت الهند بأنها لا تملك أي معلومات حيال ما يقدمه الجانب الباكستاني.
كما أن عملية التقدم العسكري التي قادتها الهند في المنطقة قد أعقبها تدخل من الطيران الباكستاني صوب ما اعتبرته عدوان على أراضيها ولكن دونما خسائر بين قوات الطرفين.
جذور إرهابية
ومن شأن تلك الصراعات أن تغذي تيار التطرف بالمنطقة، هذا التطرف الذي يمثل النقطة الحديثة لإنطلاق المشكلة بين البلدين ففي 14 فبراير 2019 تبنى تنظيم جيش محمد العملية الانتحارية التي وقعت في منطقة بولواما بإقليم كشمير وراح ضحيتها 40 عنصرًا من قوات الأمن الهندية.
وبعدها بثلاثة أيام فقط وقع هجوم آخر بنفس المنطقة وأسفر عن مقتل تسعة أشخاص من بينهم أربعة أفراد أمن من القوات الهندية، وبالتالي فإن الهجمات العسكرية التي تمت اليوم كانت بمثابة ملاحقة أمنية للجماعة الإرهابية التي نفذت عدد من العمليات المدمية الأخيرة.
جيش محمد
أما عن الجماعة التي تشكل كلمة السر في تجدد الصراع بين البلدين وهي جماعة جيش محمد، فهي مجموعة متطرفة نشأت في إقليم كشمير منذ عام 2000، وتهدف إلى فصل الإقليم عن الهند، وإلحاقه بباكستان، وتكوين إمارة إسلامية في المنطقة، ومن ثم غزو مناطق أخرى بالهند، وضمها للإمارة المزعومة.
فيما تم تأسيس الجماعة على يد مسعود أزهر، وذلك في أعقاب إطلاق سراحه من السجون الهندية على خلفية اعتقاله لتورطه في بعض الجرائم، ثم لاحقًا أدرجته الهند على لائحة الإرهابيين وتسعى بشتى الطرق ليدرج على اللائحة الدولية، ويعدّ مسعود من مواليد باكستان، وتأثر في أثناء دراسته بحركة المجاهدين الإسلامية التي انتشرت في باكستان منذ 1980 وتعلم منها مرادفات التطرف، كما أنه يرتبط بعلاقات مشبوهة مع تنظيم القاعدة في الصومال.
مبررات الإرهاب
تعتبر الأزمة بين باكستان والهند ليست وليدة اللحظة الحالية، إنما هي أزمة ممتدة منذ عدد من السنوات المنصرمة، وذلك بعد الانفصال الطائفي الذي حدث بين البلدين في 1947؛ إذ تعايش الهندوس في محيط خاص بهم وهو الهند، وعاش المسلمون في المحيط الثاني وهو باكستان، وبقي النزاع على إقليم كشمير.
وعن دور ذلك في تنامي المجموعات المتطرفة في المنطقة، أشارت دراسة بعنوان «اللامركزية والحكم الذاتي والحوكمة الفاعلة كخيارات سياسية لحل النزاع في كشمير»، قدمها معهد دراسات الدفاع إلى أن الصراعات في المنطقة تعدّ من أكثر الصراعات المستعصية في العالم؛ وذلك بسبب التعصب الطائفي المنتشر، والذي تتنامى على أثره الجماعات الإرهابية، كما أن هذا الوضع وفقًا للورقة البحثية هو نتاج التقسيم السياسي المتعلق بظهور دولتين ضعيفتين تتنازعان دينيًّا.
كما لفتت الدراسة إلى أن العوامل السابقة نتج عنها عوامل أخرى أسهمت سلبًا في تفاقم الأوضاع بالمنطقة، مثل التصارع حول الهوية، والفقر المدقع، والفساد المستشري، وتغييب وعي الشباب وحصرهم في نطاقات عرقية ضيقة.
علاوةً على ذلك، فإن الاستغلال الدولي للأزمة الدائرة بين البلدين يعقد سبل حلها؛ إذ ذكرت الدراسة أن القوى العظمى قد استخدمت بشكل متكرر نزاع كشمير في المحافل الدولية، خاصة داخل الأمم المتحدة (UN)، وفقًا لمصالحهم الخاصة.
وبناء على ذلك، اقترحت الدراسة بعض الأطر؛ حتى يتمكن الشباب الكشميري والمدنيين بشكل عام من الخروج من نفق الأزمة الطاحنة، وأن لا تشكل الأجيال الجديدة التبعية نفسها التي قدمها سابقوهم للجماعات المتطرفة، وتبلورت الأطر حول زيادة نسبة وجودة التعليم في البلاد، وتنمية الاستثمارات الخاصة والحكومية؛ حتى تقل نسب البطالة، ويجد الشباب أهداف تختلف عن الحرب، إضافة إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلد، ومحاربة الفساد، وإشراك الشباب في العملية السياسية السلمية بدلًا من المجموعات الإرهابية التي زاد استقطابها للعناصر خلال الفترة الأخيرة؛ بسبب تطور وسائل التواصل الإلكتروني ودورها في تسهيل عملية الاتصال والتلقين والشحذ.





