المعادلة الصفرية.. مستقبل سوريا بين التحالفات المربكة والحلول الغامضة
الأربعاء 21/نوفمبر/2018 - 05:55 م
أحمد سامي عبدالفتاح
رغم الهدوء النسبي الذي غلف الملف السوري مؤقتًا، ورغم استعادة النظام السوري سيطرته شبه الكاملة على البلاد، إلا أن الحرب لم تضع أوزارها بعد، فلاتزال هناك معركة متوقعة واشتباكات محتملة على كل الأصعدة السياسية منها والعسكرية؛ حيث إن الأكراد لا يزالون مسيطرين على أراض ليست بالقليلة، بينما تسيطر فصائل إرهابية على بعض المساحات في الشمال السوري.
الملفت للنظر أن تركيا تتبنى «وجهة نظر صفرية» في صراعها مع الأكراد، بمعنى أنها لن تقبل بأي دور سياسي أو وجود عسكري كردي في مستقبل سوريا، بالتوازي مع ذلك، يتبنى النظام السوري وجهة نظر صفرية مماثلة في تعامله مع فصائل إدلب التي يرى فيها تهديدًا جوهريًّا على أمنه، وعلى وحدة سوريا ذاتها.
حاول كل طرف مشترك في الحرب السورية تأمين حلفاء عسكريين له على الساحة، فدعمت تركيا بعض الميليشيات الإسلاموية لتستخدمها في قتال الأكراد، وقد تحقق ذلك في عمليتي غصن الزيتون، ودرع الفرات؛ حيث اصطفت الميليشيات خلف تركيا في طرد الأكراد من مدينتي الباب وعفرين على التوالي، كما شهدت الفترة الأخيرة تفاهمات بين الأكراد والنظام السوري، يتم بمقتضاها تسليم بعض المدن للجيش السوري ليتجنب الأكراد بذلك هجومًا تركيًّا وشيكًا.
وفي الإطار ذاته، لعبت التحالفات الدولية دورًا مهمًّا في تعقيد المشهد السوري، فعلى المثال، تحالف الأكراد مع الولايات المتحدة من أجل تأمين دعم عسكري في المناطق السورية الواقعة شرق نهر الفرات؛ ما أسهم في توتر العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، وتعتقد الولايات المتحدة أن الأكراد هم الوسيلة الوحيدة لتقنين تدخلهم العسكري في سوريا، خاصة بعد هزيمة تنظيم داعش، وتراجع دوره على الساحة السورية.
على صعيد متصل، يعتقد النظام السوري أن إجراء تفاهمات مع الأكراد يتم بمقتضاها اعتراف الأكراد بالنظام السوري، في مقابل حصولهم على حكم ذاتي من مناطق الشمال، سوف يجعل من النظام السوري مسيطرًا على أغلب مناطق البلاد باستثناء المناطق الشمالية الخاضعة للنفوذ التركي.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنها تمتلك العديد من الأسباب إلى جوار تقنين وجودها العسكري في سوريا، لعل أهمها تمثيل ضغط على تركيا خاصة بعد أن مالت الأخيرة نحو روسيا وإيران، وحاولوا تحييد دور الولايات المتحدة من خلال مؤتمرات أستانا وسوتشي، التي سعت لوقف العمليات العسكرية، وإيجاد حل سياسي للأزمة السورية.
تمتلك الولايات المتحدة أسبابًا عديدة من أجل دعم الأكراد، منها تمثيل ضغط على قرار تركيا الخارجي الذي يميل نحو روسيا فيما يتعلق بمجمل الأحداث في سوريا، علاوة على رغبة الولايات المتحدة إيجاد حليف سياسي وعسكري؛ بهدف إفساد أي تسوية سياسية قد لا تتفق مع رغباتها، كما يمكن للأكراد أن يخوضوا معارك بالوكالة نيابة عن الولايات المتحدة، وقد حاولت الولايات المتحدة استخدام تركيا لتحقيق هذه الوسيلة ودفعها نحو قتال داعش في سوريا، إلا أن تركيا فضلت التدخل العسكري بشكل غير مباشر من خلال دعم الفصائل الإرهابية، فكانت النتيجة أن لجأت الولايات المتحدة نحو الأكراد من أجل تحقيق غايتها، وتمثيل ضغط على تركيا.
اللافت للنظر أن الأطراف كافة لا تقبل بوجود الأخرى؛ ما يعني أن النظام السوري لن يقبل أبدًا بوجود السلاح بيد المعارضة المسلحة؛ لأنها تمثل تهديدًا حقيقيًّا على وجوده.
وفي خضم الهدوء النسبي الذي يسيطر على مجريات الأوضاع في سوريا، تضع تركيا المناطق شرق الفرات نصب أعينها، وقد نجحت تركيا بالفعل بعد الاتفاق مع الولايات المتحدة في إحكام السيطرة الثنائية على مدينة منبج.
وقد رصدت قناة سكاي نيوز عربية دخول قوات تركية لمدينة منبج لأول مرة في يونيو 2018، ورغم ذلك مازالت تركيا ترى في الوجود الكردي بباقي مناطق شرق الفرات تهديدًا لأمنها القومي؛ خاصة في ظلِّ سعي الولايات المتحدة لتدريب الآلاف من مقاتلي الوحدات الكردية ليس فقط لمواجهة بقايا تنظيم داعش، ولكن أيضًا تعتقد الولايات المتحدة في قدرة الوحدات الكردية على مواجهة الميليشيات الإيرانية في سوريا؛ ما يجعل من المطالبات التركية للتضحية بها أمرًا صعبًا في الوقت الحالي.
وفي النهاية، تضع تركيا مدينة تل أبيض هدفًا لتحركاتها العسكرية المقبلة في سوريا؛ نتيجة لقربها من الحدود التركية، فضلًا عن أنها تمثل معقلًا للقوات الكردية التي أعلنت حكمًا ذاتيًّا بالمدينة في 2015؛ ما أزعج تركيا.





