مستجدات الدور الإيراني بعد «العقوبات الأمريكية»

في عام 2003، عثرت وكالة الطاقة الذرية على آثار يورانيوم مخصب في شركة للكهرباء بطهران، ما أثار قضية البرنامج النووي الإيراني، وقد مرت تلك الأزمة بعدة مراحل؛ حيث وقعت إيران في البداية على اتفاق مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لإيقاف أنشطة تخصيب اليورانيوم، ثم قررت الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي، قبل أن تتراجع، ويأمر محمود أحمدي نجادي، الرئيس الإيراني آنذاك، في عام 2005، بتأسيس مفاعل «أراك» للماء الثقيل.

وفي 2006، أعلن مجلس الأمن حظر تزويد إيران بالمعدات التي قد تساعدها في تخصيب اليورانيوم أو إنتاج الصواريخ الباليستية، وعلى مدار 9 سنوات، 2006- 2015، حاولت القوى الدولية ممثلة في مجموعة «5+1»، التي تتضمن أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا؛ إضافة إلى ألمانيا، الوصول إلى اتفاق جيد مع إيران حول برنامجها النووي، بصورة مرضية لكل الأطراف، وهو ما حدث في يوليو 2015.
وبموجب الاتفاق، التزمت إيران بالحد من أنشطتها النووية، والسماح للمفتشين الدوليين بالعمل في المواقع النووية الإيرانية، وفي المقابل حصلت إيران على عدة مزايا مثل رفع العقوبات سواء المتعلقة بالنشاط النووي أو الخاصة بالجوانب المالية والتجارية، والحصول على أكثر من 100 مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة بالخارج، والعودة إلى بيع النفط عالميًّا واستخدام النظام المالي للتجارة عالميًّا.([1])
للمزيد.. الأزمة البيئية بـ«البصرة».. أحدث الجرائم الإيرانية في العراق

وكان المكسب الإيراني الأهم من هذا الاتفاق كامنًا في قدرتها على إعادة ضخ النفط الإيراني مرة أخرى في الأسواق النفطية العالمية؛ حيث تمتلك خزين نفطي يقدر بـ38 مليون برميل، وقدرة على إنتاج مليوني برميل يوميًا، ما أثر بالسلب على اقتصاديات بعض الدول المنتجة للنفط.
أولًا.. إلغاء الاتفاق النووي
هذه المكاسب الإيرانية لم تدم طويلًا؛ حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي، تنفيذًا لوعده الانتخابي، بعد أن وصفه بـ«الاتفاق الكارثي»، وقرر العودة للعمل بالعقوبات الأمريكية على طهران قائلًا: «سأوقع أمرًا رئاسيًّا لإعادة العمل بالعقوبات الأمريكية الخاصة بالنظام النووي الإيراني، سأفرض أكبر قدر ممكن من العقوبات الاقتصادية».([2])
وعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق، فإن باقي الدول المساهمة في اتفاق «5+1» أعلنت استمرارها في الاتفاق، وكذلك أعربت الدول الأوروبية عن رغبتها في استمرار الاتفاق؛ حيث أعرب باولو جينتيلوني، رئيس الوزراء الإيطالي، عن رغبته في استمرار الاتفاق النووي الإيراني، كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بلاده سوف تعمل على توسيع الاتفاق النووي كي يغطي الأنشطة الإيرانية الإقليمية.([3])

وعلى الجانب الإيراني، قال حسن روحاني، الرئيس الإيراني، في كلمة تلفزيونية تعقيبًا على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، «إذا استطعنا الحصول على أهدافنا دون أمريكا، سوف نظل ملتزمين بالاتفاق، نحن نريد أن تضمن باقي الأطراف مصالحنا، وإذا حدث ذلك فإن غياب أمريكا سوف يكون مناسبًا لنا».([4])
ولم تغب وزارة الخارجية الأمريكية عن هذه الحرب الكلامية، وعبرت عن موقفها عبر صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»؛ حيث صرح السفير ناثان سيلز، منسق مكافحة الإرهاب، في 15 من نوفمبر من عام 2018، «بأن إيران تقدم مئات الملايين من الدولارات سنويًا للإرهابيين في دول العالم كافة، ومنهم حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وميليشيات معادية في العراق وسوريا، لذا نحن بحاجة للمزيد من التصعيد حتى تعود إيران إلى رشدها».([5])
وفي تغريدة أخرى لمكتب التواصل الإعلامي بوزارة الخارجية الأمريكية على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أعلنت الوزارة في «فيديوجراف» أن إيران سوف ترسل 16 مليار دولار سنويًا إلى شركائها في سوريا والعراق واليمن، منهم 4.6 مليار دولار في شكل خطوط ائتمان إلى النظام السوري، إضافة إلى 700 مليون دولار سنويًّا لحزب الله الإيراني.([6])
وهذا التوتر في العلاقات الأمريكية- الإيرانية، يجعلنا نتساءل عن مصير الدور الإيراني في القضايا الإقليمية بعد إعادة العقوبات الأمريكية على طهران؟، وهذا هو التساؤل الرئيسي الخاص في هذا التقرير، وتتم عملية الإجابة من خلال ضرب عدة أمثلة بدول مثل سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن.

ثانيًا.. تطورات التغلغل الإيراني في سوريا
يمكن اعتبار العلاقة ما بين إيران وسوريا بأنها شراكة استراتيجية أكثر منها تعاون متبادل بينهما رغم الخلافات الأيديولوجية بين النظامين، حيث ساهمت عدة عوامل إقليمية في توطيد واستمرار العلاقة بينهما، مثل الموقف من النظام البعثي السابق في العراق.([7])
وقد وصلت هذه العلاقة إلى أوجها بعد أحداث مارس 2011، ومع تطور الأحداث إلى المواجهات المسلحة، تدخلت إيران بصورة قوية ومباشرة على خط المواجهات، بدفع ميليشيات حزب الله أولا بالانغماس في تطورات الأزمة السورية المتصاعدة حينها.
تصاعد الانخراط العسكري الإيراني في الأزمة السورية حيث قامت بإرسال العديد من الخبراء العسكريين علي رأسهم القيادي في الحرس الثوري الإيراني «حسين همداني» الذي قتل في مدينة حلب السورية، كما عمل الملالي على تثوير الحالة الشيعية في العديد من الدول الإسلامية وتشكيل منهم ألوية وميليشيات مسلحة للقتال في سوريا مثل كتائب «أبو الفضل العباس» العراقية ولواء الزينبيون والفاطميون من باكستان وأفغانستان.
وأخيرًا سهلت إيران للمزيد من المتطوعين الإيرانيين للقتال بحجة حماية مرقد السيدة زينب في دمشق، ووصل عدد القوات الإيرانية في سوريا مع نهاية عام 2016 نحو 8 آلاف مقاتل من الحرس الثوري الإيراني فقط، موزعين في دمشق وريف دمشق واللاذقية، ويحتل فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الصدارة في تلك القوات، وعلى رأسهم الجنرال قاسم سليماني، والعميد إسماعيل قاآني، وفقدت إيران منذ بداية الأزمة السورية نحو 1000 قتيل.([8])
وقد تدخلت إيران اقتصاديًّا أيضًا؛ حيث حصلت الحكومة الإيرانية على استثمارات ضخمة في سوريا، مثل توقيع اتفاقية لتشغيل الهاتف المحمول في البلاد، والاستثمار في أحد مناجم الفوسفات، والحصول على الأراضي الزراعية، وكذلك امتياز تطوير فروع الجامعات السورية مستقبلًا.([9])
ولكن مع إعادة العقوبات الأمريكية على إيران، فمن المحتمل أن تزيد طهران من نفوذها في الشأن السوري؛ حيث وقعت اتفاقًا عسكريًّا مع الجيش السوري في أغسطس من عام 2018، يهدف إلى تقديم أشكال الدعم كافة؛ بهدف إعادة بناء القدرات الدفاعية للجيش السوري، وتعزيز البنية التحتية العسكرية السورية، وتضمنت الصفقة تقديم مجموعة من الصواريخ العسكرية الإيرانية لسوريا.([10]
للمزيد.. قراءة في التمدد الميداني للجيش السوري منذ 2016


رابعًا.. تطورات التغلغل الإيراني في اليمن
سعت إيران إلى لعب دور نشط وفعال داخل اليمن، وذلك ضمن تركيز إيران على منطقة الخليج وشبة الجزيرة العربية؛ حيث تُعد اليمن من أهم النقاط التي تساعد إيران في تعزيز مكانتها ودورها الإقليمي، كما يدعم موقفها في مواجهة القوى الإقليمية الأخرى، وذلك من خلال إقامة شراكة فاعلة مع قوى غير رسمية مثل حركة «أنصار الله» الحوثي، بما يسمح لها بتغيير المعادلة السياسية الداخلية اليمنية.([19])
واعترفت إيران رسميًّا بالتدخل في الشأن اليمني، من خلال كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني، في مجلس الشورى الإيراني، في 10 ديسمبر من عام 2017؛ حيث أعلن استمرار بلاده في دعم ميليشيات الحوثي باليمن، كجزء من دعم «مقاتلي محور المقاومة» في سوريا ولبنان والعراق.([20])
أما بالنسبة للوضع اليمني بعد توقيع العقوبات الأمريكية على إيران، فإن القلق بات يسيطر على ميليشيا الحوثي؛ خاصةً أن هذه العقوبات قد تساهم في توسيع الأزمة المالية التي يعاني منها إيران، ما يؤثر بالتبعية على تدفق الموارد المالية للحوثيين.([21])
ولعل دعم الميليشيات الحوثية من الأمور المهمة التي قد تلعب دورًا في تحديد شكل العلاقة المستقبلية ما بين واشنطن وطهران؛ حيث توقف إيران عن دعم الحوثي قد يساهم بصورة فعالة في تخفيف حدة العقوبات الأمريكية.
لذا بدأت القوى الأوروبية في مفاوضات، في فبراير 2018، مع الجانب الإيراني، بهدف إقناع إيران بإيقاف مد نفوذها داخل اليمن؛ حيث تتقاتل مع السعودية، وأعلنت القوى الأوروبية في مايو 2018 وجود تقدم كبير في تلك المحادثات، إلا أنها لم تصل إلى نتيجة جيدة حتى الآن.([22])
أما على الجانب الاقتصادي، فإن إيران تستفيد بصورة كبيرة من الصراع القائم حاليًا في اليمن، حيث تعتبر منفذًا لبيع وتسويق الأسلحة الإيرانية لميليشيات الحوثي الإرهابية، لذا تخشى إيران من سقوط ميناء الحديدة في يد قوات التحالف العربي والجيش اليمني، خصوصًا مع انشغالها في الأزمات الداخلية المتوقعة بعد تفعيل العقوبات الأمريكية على إيران، مما يفقدها قدرتها على إيصال الدعم العسكري والمادي إلى الميليشيا الإيرانية.
خامسًا.. تطورات التغلغل الإيراني في لبنان
يرتبط حزب الله اللبناني مع إيران بعلاقات وثيقة، منذ نشأته وإلي اليوم، فالحزب أقر بولاية الفقيه، وشكل الحزب منذ الثمانيات وإلي اليوم أداة إيرانية قوية في تخريب الدول العربية؛ حيث لم تسلم الدول العربية كالسعودية والكويت من العمليات التخريبية للحزب، ومؤخرا طالت عمليات الحزب الداخل السوري حيث انخرط الحزب في الأزمة السورية مزيدا الأزمة المزيد من التعقيد الطائفي ([23])
وتعد العقوبات الأمريكية على إيران مصدرًا جديدًا للضغط علي حزب الله شأنه في ذلك شأن جماعة الحوثي؛ حيث ساهمت العقوبات الأمريكية على إيران في انهيار العملة، ما ساهم في تراجع التمويل المقدم إلى حزب الله اللبناني، ما دفع الأخير إلى العمل على تقليص النفقات، وتقليل عدد المقاتلين في صفوفه، خصوصًا من المتطوعين السوريين الذين شاركوا في مواجهات الحزب ضد المعارضة المسلحة السورية، وكانوا يتقاضون أجرًا لا يزيد عن 300 دولار أمريكي.([24])
كما طالت العقوبات الأمريكية حزب الله نفسه، بسبب علاقته بالنظام الإيراني، حيث أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في مايو 2018، عن فرض عقوبات على شخصين هما محمد بزي وعبد الله صفي الدين، و5 كيانات على صلة بحزب الله، بهدف كشف وتعطيل الشبكة التي يستخدمها الحزب في تنفيذ «الإرهاب الإيراني».([25])
لذا يتضح أن حزب الله هو الميليشيا الإيرانية الوحيدة التي تم ذكرها بالاسم من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، نظرًا لخطوة الحزب وقوته العسكرية التي لا يستهان بها، لذا من المتوقع أن تسعى إدارة ترامب إلى إحداث أكبر قدر ممكن من الضرر ضد الحزب ومقاتليه.
المصادر:
[1] - ما هى أهم بنود الاتفاق النووي الإيراني، متاح على https://bbc.in/2QI5ONZ.
[2] - ترامب يعلن انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني ويعيد العمل بالعقوبات على طهران، متاح عبر .https://bit.ly/2PvsVyM
[3] - شيماء حفظي، 4 دول أوروبية ترفض قرار ترامب وتعلن استمرارها في الاتفاق «النووي»، متاح على https://bit.ly/2zO1LZd.
[4] - باريسا حافظي، إيران تقول إنها ستلتزم بالاتفاق النووي إذا ظلت مصالحها مضمونة، متاح على https://bit.ly/2zU2mZs.
[5] - تصريحات السفير ناثان سيلز، حساب وزارة الخارجية الأمريكي الرسمي على تويتر، بتاريخ 11 من نوفمبر 2018، متاح علىhttps://bit.ly/2FmTqle.
[6] - فيديو توضيحي على حساب وزارة الخارجية الأمريكي الرسمي على تويتر، بتاريخ 11 من نوفمبر 2018، متاح علىhttps://bit.ly/2FmTqle.
[7] - فريق العمل، الدور الإيراني في سوريا: ضرورة استراتيجية، متاح عبر https://bit.ly/2CQmwXS.
[8] - عبد الرؤوف مصطفى، مستقبل التوغل الإيراني في سوريا في ميزان نظرية الدور في العلاقات الدولية، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، متاح عبر https://bit.ly/2zVjFZM.
[9] - الفايننشال تايمز: إيران تحارب في سوريا من أجل أن يكون لها دور مستقبلي فيها، متاح على https://bbc.in/2K5dxmp.
[10] - سوريا وإيران توقعان اتفاقية لإعادة «بناء الجيش السوري»، متاح على https://bit.ly/2ooBhZ1.
[11] - خليل موسى، إيران توقع وثيقة اقتصادية استراتيجية مع دمشق، متاح على https://bit.ly/2Ft8e1L.
[12] - العلاقات العراقية الإيرانية.. تاريخ من النفوذ والتوتر، متاح على https://bit.ly/2RZTpVQ.
[13] - صافي الياسر، التدخل الإيراني في العراق: البواعث والخصائص والآثار، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، متاح علىhttps://bit.ly/2S5cCpd.
[14] - أحمد شمس الدين، حيل إيرانية للالتفاف على العقوبات الأمريكية.. هل ستكون ناجحة، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، متاح عبرhttps://bit.ly/2BcDPRa.
[15] - وحدة الدراسات الإيرانية، العقوبات الأمريكية على إيران وتأثيرها على العراق، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، متاح على https://bit.ly/2qSd8Ln.
[16] - العبادي: العراق لا يتعاطف مع العقوبات على إيران لكن سيلتزم بها، رويترز، متاح على https://bit.ly/2AQfToo.
[17] - ضياء حسون، هل يتم نزع سلاح الفصائل العراقية مقابل إلغاء العقوبات الأمريكية ضد إيران، متاح على https://bit.ly/2Be2ftg.
[18] - أحمد شمس الدين، متاح عبر، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، متاح عبر https://bit.ly/2BcDPRa.
[19] - محمد حسن القاضي، الدور الإيراني في اليمن وانعكاساته على المنطقة، مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، ص7، بتصرف.
[20] - صالح حميد، تفاصيل دعم إيران لميليشيات الحوثي والتدخل في اليمن، متاح على http://ara.tv/mttvt.
[21] - محمد عبد الله، بفضل العقوبات الأمريكية على إيران.. ميليشيا «الحوثي» بانتظار أوقات عصيبة، متاح علىhttps://bit.ly/2BcdnHg.
[22] - باريسا حافظي، وجون أيرش، إيران مستعدة للضغط من أجل هدنة في اليمن في محادثات مع قوى أوروبية، متاح علىhttps://bit.ly/2DK9k7B.
[23] - سعد عزيز، إيران ودورها في لبنان في فترة الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، مجلة دراسات تاريخية، ع17، يناير 2014، ص 364، بتصرف.
[24] - طوني بولس، هكذا تأثر حزب الله من العقوبات الأمريكية على إيران، متاح على https://bit.ly/2Ftz49M.
[25] - واشنطن تخنق حزب الله.. وتفرض عقوبات جديدة، متاح على https://bit.ly/2KeHPTZ.