لماذا تتوغّل إيران في بلاد المليون شهيد؟
صادرت السلطات الجزائرية في مطار «8 ماي بسطيف» بولاية سطيف، طردًا بريديًّا به كتب شيعية، وأحجار متعلقة بالمذهب الشيعي، قادمة من العراق عبر فرنسا، وهو ما يفضح محاولات النظام الإيراني المتكررة لاخترق بلد المليون شهيد، وخلق بؤرة شيعية في الجزائر.
وذكرت مصادر لصحيفة الشروق الجزائرية، أن أفراد فرقة فحص الطرود البريدية، التابعة لمفتشية أقسام الجمارك بمطار «8 ماي بسطيف»، تمكنت من ضبط 7 كتب، ومجموعة أحجار لها علاقة بالمذهب الشيعي، مستقدمة من كربلاء والنجف بالعراق، والتي يستعملها الشيعة أثناء السجود في الصلوات، ويعتبرونها مقدسة.
وأوضحت السلطات الجزائرية، أن الكتب والأدوات الشيعية عثر عليها في حقائب المسافرين القادمين على متن رحلة جوية قادمة من ليون الفرنسية.
سوابق إيرانية
وخلال الأشهر الماضية ارتفعت وتيرة مواجهة السلطات الجزائرية لمظاهر التشيع في البلاد، في ظل تحذير نشطاء من مساعي إيرانية لنشر التشيع في الجزائر، والتي على إثرها تم إنهاء عمل الملحق الثقافي في السفارة الإيرانية بالجزائر «أمير الموسوي»، بعد اتهامات له بنشر التشيع في بلد المليون شهيد.
للمزيد.. الجزائر تقص «أجنحة» التشيع الإيراني في معرض الكتاب
وأغلقت إدارة معرض الجزائر الدولي للكتاب، في 31 أكتوبر 2018، جناحًا يُسمَّى «المجمع العالمي لأهل البيت»، الذي أُسس في 1990 بأمر من المرشد «علي خامنئي»، بعد عرضه كتبًا مسيئة لصحابة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وتحتوي على مضامين متطرفة تروج للمذهب الشيعي.
ومن الكُتب المعروضة في جناح المجمع العالمي، «عدالة الصحابة بين القداسة والواقع»، لمؤلفه يحيى عبدالحسن الدوخي، وثانٍ تحت عنوان «الصحابة في حجمهم الحقيقي»، واللذان وردت فيهما إساءات كثيرة للصحابة، وثالث تحت عنوان «ثورة الحسيني» لمؤلفه آية الله باقر الحكيم، بحسب صحيفة الشروق الجزائرية.
الأمر لم يتوقف عند مصادرة الكتب والتغلغل الثقافي، ولكن استطاعت قوات الأمن الجزائري، في يونيو الماضي، تفكيك تنظيم شيعي يُعرف بتنظيم «أنصار الدين» يقوده «سيدي شريف عثمان حيدرة» في دولة مالي، على الحدود مع الجزائر، ويرتبط بعلاقات واسعة مع الحرس الثوري، ضمن مشروع إيراني لتأسيس ذراع شيعية في الجزائر، تماثل نموذج حزب الله في لبنان؛ سعيًا لضم جزائريين إليه في المستقبل، ضمن مخططات بعيدة المدى، لتأسيس هذا التنظيم المذهبي داخل الجزائر.
نشاط طهران في استهداف الجزائر، تصاعد مع وصول الدبلوماسي الإيراني المُثير للجدل «أمير موسوي» للجزائر في 2014، وغادرها أخيرًا، بعد قضائه 4 سنوات في مهمة الملحق الثقافي لسفارة إيران، والذي اتُّهِمَ بنشاطه لنشر التشيع، واستقطاب الجزائريين عبر السفر إلى العراق ولبنان وإيران.
وفي أبريل، أطلق ناشطون ومدونون جزائريون حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى «طرد الملحق الثقافي بالسفارة الإيرانية أمير موسوي»، وهو ما حدث بخروج موسوي في سبتمبر الماضي.
واعتبر النشطاء أن «موسوي»، يُشكل خطرًا حقيقيًّا على الأمن الجزائري؛ بسبب علاقاته المتشعبة وسط المجتمع المدني، ونشاطه المشبوه في نشر الفكر الشيعي.
للمزيد.. الجزائر في بيت الثعبان.. تَوَغُّلٌ إيراني في بلد المليون شهيد
لماذا تستهدف إيران الجزائر؟
قال قاسمي سعيد، أستاذ العلاقات الدولية بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر: إن النظام الإيراني تسيطر عليه النزعة المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية؛ ما يشكل تهديدًا على الأمن القومي الجزائري.
وأضاف «قاسمي»، في دراسة له بعنوان «النزعة المذهبية في السياسة الخارجية الإيرانية وتداعياتها على الأمن القومي الجزائري»، نشرها المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، أن الجزائر منذ تأسيس النظام الإيراني الجديد، كان هدفًا لسياسة تصدير المذهب «تصدير الثورة الخمينية».
وأوضح أن إيران سعت إلى «تأسيس مذهبي» في الجزائر، عبر السعي لخلق نخب وأقليات مذهبية في الجزائر، تكون وسيلتها لتعميق نفوذها واتخاذها مبررًا للتدخل إذا استدعت الضرورة.
ولفت الأكاديمي الجزائري، إلى العلاقات المبكرة التي نسجها «آيات الله»، مع إسلاميي الجزائر ودعمهم لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، واستقبال طهران الحافل لزعيم الجبهة «عباس مدني» في تسعينيات القرن الماضي، ودعم الجبهة حتى بعد إلغاء السلطات الجزائرية للانتخابات التي فازت بها الجبهة في 1992.
واحتج نظام «الخميني» على إلغاء الانتخابات الجزائرية التي فازت بها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، واصفة ذلك بـ«المسلكية الطاغوتية» كما سمتها طهران، ولم تتوان إيران في وصف اغتيال الرئيس الجزائري «محمد بوضياف» بأنّه «اغتيال طاغية»، كما صرح بذلك رجل الدين «أحمد جنتي» في إحدى خطبه بجامعة طهران.
وما زاد مخاوف السلطات الجزائرية من السياسة الإيرانية، أن طهران وعدت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» بدعمهم بـ5 ملايين دولار في حال وصوله إلى السـلطة، ومن دون أن تكشـف أسـباب هـذا الدعـم، ورغـم الاختلاف المذهبي بيـن الجبهة التي تتخذ من السـلفية منهجًا، وهو ما تعده إيران «مذهبًا» معاديًا لمذهبها الرسمي الإثني عشـري، الذي تسـميه «مذهـب آل البيت»، وقد أسـفر هـذا التدخل الإيراني عن اتخاد الجزائر قرارًا بإبعاد 7 دبلوماسيين إيرانيين، من بينهم الملحق العسكري والثقافي ومساعد السفير، في إطار قرار تخفيض مستوى التمثيـل الدبلوماسـي، قبل أن تقـدم الجزائر على سحب سفيرها وعدد من الدبلوماسيين في أوائل 1992 بعد قيام إيرانيين بمحاصرة السفارة الجزائرية.
ولفت إلى أن إيران سعت إلى نشر المذهب الشيعي في الجزائر لمد نفوذها، لافتًا إلى أن الوجود الشيعي الجزائري أصبح علنيًّا منذ 2011، وتعاظم خلال وجود أمير الموسوي كملحق ثقافي في السفارة الإيرانية.
ورأى الأكاديمي الجزائري، أن استمرار وتيرة التغلغل الإيراني بالصورة المذهبية يؤثر على وحدة المجتمع الجزائري وتماسكه.
الأمر الآخر من وجهة نظر «قاسمي»، هو أن هناك مخاوف على الأمن القومي الجزائري من تأسيس إيران «جماعات شيعية مسلحة» على غرار الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن، وحزب الله في لبنان.
وأبدى الباحث تخوفه من اللعبة على ورقة الهوية العرقية والصراع العربي الأمازيغي، في نشر التشيع بين الأمازيغ؛ ما يزيد الهوية والصراع المجتمعي بين العرب السنة، والأمازيغ الشيعة؛ حيث إن هناك صراعًا متكررًا بين الأمازيغ والعرب في الجزائر.
وطالب «قاسمي»، في ختام دراسته، السلطات الجزائرية، بالحسم في التعامل مع الاختراق الإيراني للمجتمع الجزائري، والتسريع في تطويق المد الشيعي الذي تشرف عليه السفارة الإيرانية في الجزائر، بقيادة «موسوي».
وأكد أنه إذا لم تسارع الجزائر في مواجهة الاختراق الإيراني، فإن البلاد تتجه إلى سيناريو أسوأ مما حدث في «العشرية السوداء»؛ حيث كان هناك دعم إيراني للجماعات الإرهابية ضد الجيش والشرطة بالجزائر، في تسعينيات القرن الماضي.





