حادث المنيا يكشف التواصل الخفي بين «الإخوان وداعش»


لم يعد الاختباء والتخفي وراء نظرية «المؤامرة على الإخوان» مُجديًا، إذ كشف بيان «داعش»، الصادر مساء الجمعة الماضية، عن حضور التعاون بين الجماعة والتنظيم، لاسيَّما أن الأخير اعترف باستهداف حافلة تقل أقباطًا، عقب عودتهم من دير «الأنبا صموئيل» في المنيا؛ ردًا على ملاحقة عددٍ من نساء الإخوان، أبرزهم عائشة ابنة خيرت الشاطر، نائب المرشد.
رغم تأييد أفعال التنظيم، والتهليل للعمليات الموجهة ضد الجيش المصري، يتنكر الإخوان دائمًا لتنظيم «داعش»، في حين أن أفكار منظري الجماعة شكلت مسار «داعش» منذ ظهوره، واتخاذه كتابات سيد قطب، دستورًا للتنظيم؛ إذ تجلى ذلك في كتابة جداريات بمناطق سيطرته في سوريا والعراق، تحمل مقتطفات من مؤلفات «قطب».
بيان «داعش» الذي أعلن فيه الثأر للأخوات، لم تلتفت إليه الجماعة بالرد أو التبرؤ، لكنها -كعادتها- استغلت الحادث في الترويج لتقصير أمني، متجاهلة الصلة الوثيقة بين الفكر الإخواني والتنظيمات المتطرفة كافة، على رأسها «داعش».

بداية التعاون
ترجع جذور العلاقة بين الإخوان وتنظيم «أنصار بيت المقدس» الذي ظهر على سطح الأحداث، إلى ما بعد ثورة 25 يناير 2011، من خلال تنفيذ هجوم مسلح وقع على الحدود بين مصر وفلسطين، في سبتمبر 2012، وأدى لمقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخر ومقتل 3 من منفذي الهجوم.
وفي مطلع عام 2013، بث التنظيم إصدارًا مرئيًّا، بعنوان «غزوة التأديب لمن تطاول على النبي الحبيب»، كشفت انضمام كل من أحمد وجيه، وبهاء زقزوق، اللذان كانا ضمن شباب جماعة الإخوان، وتورطا في تنفيذ العملية وقُتلا بعد أن فجرا نفسيهما في الدورية الإسرائيلية.
واعترف «وجيه» في الإصدار المرئي بأنه كان أخًا في الجماعة، قائلًا: «كنت فردًا في جماعة الإخوان، وكنت أثق في قياداتها تمام الثقة، لم أكن أتخيل يومًا أن تضللني هذه القيادة»، موجهًا رسالة إلى شباب الجماعة أن يتوجهوا إلى «الجهاد» باعتباره هو الحل، بحسب «وجيه»، أما «زقزوق» فقد انضم إلى الجماعة في مرحلة من عمره وتركها قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2012.

لطالما تبرهن الجماعة على أنه لا صلة لها بالتنظيم، باعتبار «أنصار بيت المقدس» تبنت عملية تفجير خط الغاز المؤدي إلى إسرائيل مرات عدة خلال حكم الإخوان، بيد أن العمليات توجهت نحو الداخل المصري لأول مرة بعد إزاحة «مرسي» من سدة الرئاسة، وتزايدت العمليات ضد قوات الأمن والجيش المصري، إن كان عبر السيارات المفخخة، أو تفجيرات، أو هجمات مسلحة.
ثمة قرائن أخرى جاءت على لسان نبيل نعيم، القيادي الجهادي الأسبق؛ إذ كشف تدفق تمويل مالي من الإخوان لـ«أنصار بيت المقدس»، خلال عام حكم الجماعة في مصر؛ أملًا في أن يكون التنظيم عونًا للإخوان قبل ثورة 30 يونيو 2013.
وقال «نعيم»، في تصريح صحفي بتاريخ 9 سبتمبر 2013: إن هناك اتفاقية عقدها خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة، بوساطة من محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة «أيمن الظواهري»، مع «أنصار بيت المقدس» تمت بمشاركة من حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، في إطار التهدئة التي أجراها محمد مرسي أثناء حكمه.
يُشار إلى أن أبا بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش»، بعث رسائل تحريضية لـ«أنصار بيت المقدس»؛ لنقل عملياته إلى الوادي والدلتا، واستهداف أهداف رخوة؛ من أجل إنهاك الجيش الذي خاض حملة ضد التنظيم في سيناء، وترتب على ذلك مبايعة «أنصار بيت المقدس» لـ«البغدادي» في نوفمبر 2014.

تنسيق مشترك
في مساء العشرين من يناير عام 2016، توجهت دورية من قوات الشرطة المصرية لمداهمة منزل بمنطقة الهرم، بعد توارد أنباء عن اختباء عناصر اللجان النوعية التابعة للإخوان، في أحد الأوكار للتخطيط للقيام بأعمال عدائية باستخدام المتفجرات والعبوات الناسفة لاستهداف المرافق العامة والمنشآت الحيوية.
وخلال تعامل قوات الأمن مع العبوات الناسفة، انفجر المنزل وأسفر عن استشهاد ثلاثة مدنيين وضابطين وثلاثة من أمناء الشرطة، فيما جُرح 12 شخصًا، وبعد يومين من الحادث، أصدر تنظيم «داعش» وجماعة «العقاب الثوري» التي خرجت من رحم جماعة الإخوان، بيانين متضاربين أعلنا فيهما تبني تفجير داخل شقة في حي الهرم.
وتبنى «داعش» مسؤولية التفجير في بيان قال إن «مفرزة أمنية» تمكنت من «استدراج» مجموعة من الشرطة المصرية إلى «منزل مفخخ»، ولدى وصول عناصر الأمن «تم تفجير المنزل المفخخ عليهم».
في حين أصدرت جماعة «العقاب الثوري» المنبثقة عن الجماعة، بيانًا بالتزامن مع إعلان «داعش»، ما يعكس التنسيق المشترك بين الطرفين؛ إذ قالت إنها «أول عملية فدائية من نوعها ضمن عمليات فدائيون قادمون»، مشيرة إلى أن عناصرها استدرجوا قوات الأمن «إلى مكمن في الهرم، وشارك فيه آخرون بالتمويه والخداع»، معلنة مقتل المنفذين وسكان في العقار الذي ضم الشقة، متوعدة بـ«مرحلة جديدة» من العمليات.
واشترك التنظيمان في تأكيد أن الهجوم «كان مخططًا له عبر استدراج قوات الشرطة إلى الشقة التي تم تفخيخها مسبقًا».

«إخوان» في صفوف «داعش»
لم يكف الإخوان عن الصراخ والعويل، وبث رسائل للخارج تفيد بحالات اختفاء قسري لشباب الجماعة، مؤكدين أن نجل القيادي الهارب إبراهيم الديب، المدعو «عمر» أُلقي القبض عليه، وأخفته قوات الأمن ولا يعلمون أين هو، ومنهم من ذهب إلى رواية أكثر دراماتيكية، مجزمًا بأن الأمن المصرية عمل على تصفية الشاب أثناء زيارته لأسرته.
في فبراير 2018، بث تنظيم «داعش» إصدارًا مرئيًّا بعنوان «حماة الشريعة»، تزامنًا مع العملية العسكرية الشاملة التي تشنها القوات المسلحة والشرطة المصرية في شمال ووسط سيناء والظهير الصحراوي، والمعروفة بـ«سيناء 2018»، ظهر «عمر»، مرتديًا بذلة عسكرية؛ ليعلن أنه أحد جنود التنظيم، وشارك معهم لفترة من الزمن، ومن بعدها تم إرساله إلى القاهرة لتشكيل خلية إرهابية، أو كما يطلق عليها التنظيم (خلية أمنية).

وكانت صور نجل القيادي «الديب» يتداولها الإخوان التقطت من داخل مقر مكتب الإرشاد السابق للجماعة في المقطم، وظهر إلى جوار شعار الجماعة وصور مرشديها الثمانية، إضافة إلى صورة مع يوسف القرضاوي، أحد أبرز مرجعيات الجماعة.
«الديب» لم يكن أول الإخوان النازحين نحو أصحاب الرايات السوداء؛ إذ سبقه عبدالرحمن الغرابلي، الذي شارك في اعتصامات رابعة العدوية والنهضة، ومن بعدها توجه صوب «أنصار بيت المقدس» وتلقى عددًا من الدورات الشرعية والعسكرية على يد أعضاء التنظيم، وشارك في الهجمات التي شنها التنظيم على قوات الجيش والشرطة في سيناء.
في أغسطس 2016، ظهر «الغرابلي» فى إصدار «لهيب الصحراء» الذي بثه التنظيم أثناء مشاركته بإحدى الهجمات على قوات الجيش قبل أن يُقتل، ويُعدُّ من أبرز أعضاء الجهاز الإعلامي لـ«داعش»، لاسيما أنه شارك في إعداد الإصدارات المرئية التي تُبث على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن قبله، انضم «يحيى سعد الزواوي» لداعش في 2014، وهو نجل قيادي إخواني بارز، واتهم بتكوّين خلية للتنظيم في مدينة المنصورة، نفذت عمليات سرقة وسطو مسلح على مكتب البريد، وسرقة نصف مليون جنيه، فضلًا عن تنفيذ عمليات إرهابية.
ونشرت قناة «الشرطة المصرية» على موقع «يوتيوب» اعترافات المتهم خلال التحقيقات التي أجريت معه، وأكد تورطه في تفجير مديرية أمن الدقهلية، وانتماءه لـ«أنصار بيت المقدس»، مشيرًا إلى أنه تدرب في سيناء لمدة أسبوعين، واشترك عند عودته في العديد من الجرائم والعمليات الإرهابية.

الثالوث.. «أنصار بيت المقدس وحماس والإخوان»

قطيعة «حماس» و«أنصار بيت المقدس»

مراحل انضمام الإخوان لـ«داعش»
قال هشام النجار، الباحث في شؤون الحركات الإسلاموية: إن هناك تنافسًا حادًا في الوقت الحالي بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة» على استقطاب أعضاء جماعة الإخوان، بمعنى أنهما يستغلان تفكك الجماعة وتشتتها وانقسام القيادات لاستقطاب أكبر عدد من أعضائها؛ لينخرطوا في نشاطات التنظيمين، مشيرًا إلى أن هذا الأمر وضح من بيانات وإصدارات عدة للقاعدة، منها «حسام عبد الرؤوف» (مساعد أيمن الظواهري زعيم التنظيم)، وكذلك وضح من ردات فعل الجماعة عقب القبض على «هشام عشماوي»، ومن فيديو «الكمين القاتل» الخاص بعملية الواحات.
وبيّن «النجار»، في تصريح لـ« المرجع»، أن داعش ينفذ عمليات ويزج في بياناته باسم الإخوان؛ بغرض الإيحاء بأنه يخدم أهدافها وليشعر شباب الجماعة المحبطين الذين فقدوا الأمل في قياداتهم وتنظيمهم بأن داعش هو الأقدر على أخذ ثأر الإخوان وإنقاذ نسائها وشبابها.
ويرى أن «داعش» بذلك يحاول سحب البساط من تحت قيادات الإخوان شيئًا فشيئًا؛ لتعويض النقص العددي لديه من جهة، عبر الحصول على خدمات منتمين للإخوان، ومن جهة أخرى مغازلة ممولي الجماعة ليوجهوا جزءًا من التمويل المادي لقادة داعش، بحسب قوله.

وعن المراحل التي يمر بها شباب الإخوان للانتقال لداعش، يقول «النجار»: إن انتقال شباب الإخوان لتنظيم أبو بكر البغدادي، يكون عبر الصفحات الداعشية بمواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك، وتويتر»، ومن خلال الاتصالات المشفرة وتطبيقات الهواتف الذكية، وهذه هي الوسيلة الرئيسية للانضام في الوقت الحالي، ومن خلالها يتم تجنيد شباب الإخوان ومنحه كنية جديدة وصفة داخل التنظيم حسب إمكانياته وفي أي جانب يبرع: إما في القتال، أو في الافتاء والجوانب الشرعية، أو في المجالات التي صارت يحتاجها داعش بشدة بعد فقدان خبراته فيها مثل الأطباء ومهندسي الاليكترونيات والممرضين وخبراء المتفجرات، وغيرها.
وأشار الباحث في شؤون الحركات الإسلاموية، إلى أن التعاون بين الإخوان وداعش بدأ قبل تولي الجماعة السلطة، حيث كان هناك اتفاق بين الإخوان والجماعات المسلحة والتكفيرية في «سيناء»، على أن تكون تلك المحافظة الحيوية تحت سلطتهم لدعم حكم الجماعة في مواجهة الجيش والأجهزة الأمنية المصرية، وعلى ضوء تلك الاتفاقية أفرج الرئيس المعزول عن سجناء تلك الجماعات، ومنحهم عفوًا رئاسيًا أثناء فترة حكمه.

وأردف: «تواصل التعاون بين الجماعة وداعش بعد عزل الإخوان عن السلطة بالتنسيق وتبادل الدعم والمعلومات لتنفيذ عمليات إرهابية لإسقاط النظام، وإعادة حكم الإخوان، ومجمل العمليات الإرهابية التي وقعت طوال السنوات الماضية، سواء كانت نوعية كبيرة، أو متوسطة، أو محدودة، كان للإخوان دور فيها، عبر التمويل وتوفير المعلومات، أو التنسيق وتوفير الخبرات التدريبية، من خلال عناصر أجنبية من «غزة» وغيرها، إضافة لذلك كان هناك تعاونًا بين خلايا الإخوان المسلحة والجماعات التكفيرية المسلحة في سيناء وباقي المحافظات».
ولفت «النجار»، إلى دور محمد كمال، عضو مجلس شورى الجماعة، الذي أسس ما عرف باللجان النوعية المسلحة، بزعم أن هؤلاء الشباب يقومون بـ«حِراك ثوري» وكان هو المشرف المباشر على النشاط المسلح للجماعة منذ انطلاقه للمرة الأولى بعد العام 2013، على هيئة العديد من الخلايا المسلحة الصغيرة بمسميات مختلفة، والتي ساهمت في ترسيخ العنف عند الشباب وانتقالهم إلى «داعش» بعد مقتل «كمال» عام 2016.

على صعيد متصل، قال اللواء حسام سويلم، الخبير الأمني: إن العناصر الإرهابية التي هاجمت المسيحيين في المنيا أمس الجمعة، أرادت إفشال مؤتمر الشباب المنعقد برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي في «شرم الشيخ».
وأوضح «سويلم»، في تصريح لـ«المرجع»، أنه بعد فضح علاقة الإخوان بـ«داعش» واستهداف الأقباط، ستتبع الدولة استراتيجية محكمة لحماية دور العبادة والمسيحيين؛ مبينًا أنها ستعتمد على التنسيق مع كافة الأديرة والكنائس بالتحديد في محافظات الصعيد المختلفة، لإرسال تعزيزات أمنية مكثفة في أوقات الطقوس الدينية من أعياد ومناسبات وصلوات، إضافة إلى دوريات الشرطة والكمائن.

فيما اعتبر خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الإسلاموية والقيادي السابق في جماعة الإخوان، تبني « داعش» لحادث المنيا، أنه رسالة للأمن المصري مفادها أن التنظيم موجود ولم يمت، لاسيَّما أن «داعش» فشلت في تنفيذ عمليات إرهابية منذ مطلع العام الحالي؛ ما دفع التنظيم لإثبات وجوده مرة أخرى.