«الحركة الصوفية الدولية».. موالد الأولياء بصبغة مهرجانات الغرب
في خضم المعارك الطاحنة والأزمات الدولية التي فرضتها علينا المصالح والسلطات الزائلة، أرادت الحياة أن تمنح سكينتها لهؤلاء ممن كرهوا أوزار النزاعات، لينهلوا من الزهد مجموعين في الملاذات الروحانية التي وفرتها لهم «الحركة الصوفية الدولية» في ربوع النصف الغربي من الكرة الأرضية.
والحركة الصوفية الدولية أو «the Sufi Order International» هي إحدى طرق الدراويش التي تنضوي على مجموعة إرشادات وتعاليم كتبها المتصوف الهندي «عنايت خان» منذ تأسيسه لتلك الحركة في أوروبا والولايات المتحدة عام 1910، وحاليًّا تم تغيير اسم الطريقة لتصبح «تعاليم عنايت» أو « The Inayati Order» نسبة إلى مؤسسها.
نشأة ممتدة
سافر عنايت خان (1882- 1927) من بلده الهند إلى أوروبا مدفوعًا بنصيحة من معلمه الصوفي ««محمد أبو هاشمي المدني»، الذي طلب منه نشر التصوف في القارة العجوز، عن طريق الموسيقى والألحان التي اتقنها خان.
للمزيد.. «عنايت خان».. موسيقي نقل التصوف من الهند إلى الغرب
ورغم تلقيه لتعاليم «الجشتية، والنقشبندية، والقادرية» فإنه آثر لنفسه طريقة جديدة يجمع فيها التعاليم الممزوجة بالتراث الشرقي؛ ليطوعها بما يمكن لمواطني المجتمعات المنفتحة تقبله.
كما أن هناك بعض الأبحاث والأطروحات مثل التي قدمها أستاذ الدراسات الدينية بجامعة «Derby» البريطانية، «جون هينيلز» في كتابه «الصوفية في الغرب»، والتي تشير إلى أن أوائل معتنقي هذه الطريقة كانوا من مهاجري الشرق المسلمين الذين اشتاقوا لهوية ينغمسوا بها تمنحهم وصلًا لماضيهم، ولكن بعدها انتشرت الطريقة سريعًا بين مختلف الأطياف.
وكانت فرنسا هي الدولة الأوروبية الأولى التي احتضنت مركزًا للطريقة، ولا يزال يمارس أنشطته إلى الآن، وأعقبه إنشاء مركز آخر في لندن عام 1916، ثم في جنيف بسويسرا عام 1922، وبعدها توالت الإنشاءات وتعددت المراكز لتتضمن أكثر من مقرٍّ داخل البلد الواحد.
منهج مختلف عليه
تعتمد الطريقة في منهجها الروحاني على تغذية النفس البشرية بمعاني الزهد والتأمل الكوني؛ لإيقاظ معالم الإنسانية بالداخل، والتحرر من سطوة الآلة والمادة، إضافة إلى احتواء جميع العرقيات، واستئصال كل الكراهية الناتجة عن التمييز والاختلاف.
فالتصوف بالنسبة لـ«عنايت»، هو دين القلب الذي يدفع المرء إلى البحث عن الله في قلب الإنسانية، إلى جانب التخلص من تعقيدات الحياة، والانصهار في بوتقة الحب والخير والحق والجمال.
وتترسخ العقيدة الأساسية للطريقة عند المفهوم الرامي إلى أن الصوفية ليست ديانة يمكن فصلها عن الأديان الأخرى، ولكنها مدرسة خاصة تركِّز على القلب وتعميق الوعي؛ من خلال ممارسة الصلاة والتأمل والتحقيق الروحي.
ورغم أن هناك العديد من المدارس والأنساب الصوفية، فإن الصوفية في نظام «Inayati» عالمية في قبولها لجميع الناس والمسارات، وتقديرها للكائن البشري.
علاوة على ذلك، يرتكز المنهج الخاص بـ«طريقة عنايت» على ممارسة خمس خطوات محددة، تهدف بالأساس إلى مساعدة المرء على استكشاف الحياة الداخلية، وكيف ترتبط هذه الحياة بالعالم الخارجي.
تعتمد أول خطوة في المنهج على ارتياد مدرسة التعاليم الباطنية أو ما يُعرف بـ«ESOTERIC SCHOOL» وهي الوسيلة الرئيسية لتدريب وتعليم مريدي الطريقة، إذ يتم توفير دروس عبر الإنترنت للراغبين، كما توجد أيضًا فصول تعليمية.
أما الخطوات الأخرى فترتكز أغلبها على تشجيع الانسجام بين التقاليد الدينية الرئيسية في العالم، وتنظيم المؤتمرات الثقافية والندوات وجلسات التأمل على ضوء الشموع.
وتُعرف الطريقة بكثرة مريديها، لكنها على الجانب الآخر لديها أيضًا فيضٌ غزيرٌ من النقاد الذين يعتبرون أن منهجها يتعارض مع التعاليم الفعلية للصوفية، ويخالف معتقدات وممارسات الشخصيات الصوفية التاريخية مثل جلال الدين الرومي، ومنصور الحلاج، وغيرهم.
ومن أبرز النقاد لها هو الفيلسوف الأمريكي وباحث الفلسفة الدينية، «ويليام سي تشيتيك»؛ إذ يرى أن هذه الحركة ليست صوفية شرعية، ويعتقد أن تعاليمها وفلسفتها تتعارض مع الصوفية الحقيقية التي من المفترض أن تستند على الإسلام بتعاليمه الخالصة، وليس عولمة الدين.
مراكز ومهرجانات
تتعدد مراكز الطريقة ومواقعها في الدول الغربية، لكن أهمها التي تقبع داخل الولايات المتحدة الأمريكية، التي يوجد بها 73 فرعًا، من نيويورك إلى إلينوي مرورًا ببنسلفانيا وغيرها من الولايات.
ويدير حفيد «عنايت خان» المعروف باسم «pir zia inayet khan»، زمام تلك المراكز المتعددة بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب الفروع الأخرى التي يرتادها لإلقاء الخطب والدروس والتعاليم.
إضافة إلى ذلك، تنتشر مراكز الطريقة بالدولة الكندية، فهناك مقرات لها بمدينة «فانكوفر»، وولايتي تورنتو وأونتاريو، وذلك إلى جانب مراكز أخرى بأوروبا، والتي تُعلن دائمًا أن مصدر تمويلها الأساسي أموال التبرعات.
وفي الوقت الذي تشتهر الطرق الصوفية في دول الشرق بإقامة الموالد المرتبطة بذكرى ميلاد مؤسس الطريقة، فإن طرق الغرب تعوض ذلك بعقد اجتماعات دورية تُعرف باسم «المهرجانات» ويمارس فيها نفس الطقوس التي اعتادها الناس بالموالد.
ومن أبرز الاحتفالات الخاصة بالطريقة هو المهرجان الذي يُعقد سنويًّا يوم 5 يوليو، ويوافق ذكرى ميلاد المؤسس «عنايت خان»، إضافة إلى مهرجان يوم 13 سبتمبر، والذي يوافق الموعد الذي ارتحل فيه «عنايت» من الهند ليؤسس التصوف بالغرب.





