«الإسلام السياسي وأوروبا».. احتواء التنظيمات الحركية في القارة العجوز
الخميس 11/أكتوبر/2018 - 08:06 م
صورة تعبيرية
أحمد سامي عبدالفتاح
تدور دراسة «الإسلام السياسي وأوروبا»، التي أصدرها الكاتب روبرت سبرينبورج، عن مركز دراسات السياسة الأوروبية، حول إشكالية رئيسية تتعلق بآليات دمج التنظيمات الإسلامية- التي تؤمن بالديمقراطية وتقبل الآخر- في المجتمعات العربية والأوروبية، على خلاف الأخرى التي تتبنى العنف وسيلة لتحقيق هدفها. ولأن قضية الإسلام والديمقراطية قضية جدلية بالأساس، تتضارب فيها وحولها فتاوى التنظيمات الإسلامية، فنجد أن بعض هذه التنظيمات يتعامل مع الديمقراطية كنظام سياسي دخيل بلا سند شرعي، الأمر الذي يدفع هذه التنظيمات لتحريم الديمقراطية من باب درء مسببات الفرقة.
على جانب آخر، يرى مفكرون إسلاميون أن الديمقراطية مجرد نظام سياسي لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، خاصة أنه يتبنى سياسة الفصل بين السلطات؛ من أجل ضمان عدم استبداد الحاكم، الأمر الذي يجعل من إقامة العدل أمرًا أكثر يسرًا بالمقارنة بالأنظمة الشمولية التي تعتمد سياسة تركيز السلطات، وفقًا لاعتبارات أخرى، مثل سرعة اتخاذ القرار.
وعليه، تتعين الإشارة، إلى أن الرأي الثاني واكب التغيرات التي طرأت على التركيبة الاجتماعية في البلدان المسلمة، فضلًا عن وضع حالة الانفتاح الثقافي على البلدان الغربية في الاعتبار، باعتبارها أحد المؤثرات الخارجية التي أسهمت في توجيه العقلية المسلمة بعيدًا عن حالة الجمود الفكري، خاصة بعدما أثبتت الحداثة ضرورة إجراء تعديلات على هيكلة الأنظمة الحاكمة في البلدان المسلمة؛ لتتمكن من مواكبة التقدم العالمي.
الدراسة والتعريف طريق لمفهوم أشمل
بدأ «سبرينبورج» دراسته بتعريف الديمقراطيين الإسلاميين على أنهم الحركات أو الأحزاب السياسية الإسلامية، التي ترفض أي استخدام للعنف، مع استثناء اللجوء إليه في حالات التحرر القومي فقط، وقد دفع هذا الاستثناء الكاتب للتطرق نحو مفهوم الإسلاميين القوميين الذين يعملون من خلال الدولة القومية وبالتنسيق مع أجهزتها الأمنية.
لم يكتفِ الكاتب بفكره نبذ الإسلاميين للعنف فقط لكي يتم تصنيفهم على أنهم ديمقراطيون، بل وضع عددًا من المعايير الأخرى، ولعل أهمها ضرورة أن يكون التنظيم أو الحزب المندرج تحت غطاء تنظيم معين مندمج في الممارسات الديمقراطية داخل الدولة، وتحديدًا الانتخابات.
كما وضع الكاتب سياسات الأسلمة المجتمعية كمعيار ثالث لتحديد الديمقراطيين الإسلاميين، وقد قصد الكاتب من ذلك أنه كلما ابتعد الحزب عن تبني خطط تنظيمية تهدف إلى أسلمة المجتمع كلما كان ديمقراطيًّا، وقد عقد الكاتب مقارنة بين كل من تنظيم طالبان في أفغانستان وحزب العدالة والتنمية في تركيا، فوفقًا للكاتب فإن سياسة أسلمة المجتمع التي تتبناها طالبان تتفوق على الأخرى التي يتبناها حزب العدالة والتنمية؛ ما يجعل الأولى أقل ديمقراطية من الثانية وفقًا لمعايير الكاتب البحثية.
وتعد فكرة التعامل مع «فاعلين غير مسلمين» بشكل مباشر- على الأقل من الزاوية النخبوية، هي المعيار الرابع الذي أقره الكاتب، وقد قصد الكاتب من «الفاعلين غير المسلمين» الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، غير متجاهل (أي الكاتب) تلك الفجوة الفكرية بين كل من النخبة القيادية وتابعيهم من العامة، باعتبار التنظيمات الإسلاموية هي تنظيمات شعبوية تهدف لاستقطاب أكبر قدر ممكنٍ من التابعين، على عكس الأحزاب العلمانية التي اعتبرها الكاتب نخبوية بالأساس، مع فارق أن العلاقة بين النخبة وتابعيهم تكون مبنية بشكل أساسي على الولاء في التنظيمات الإسلامية.
رؤية الإسلاميين الديمقراطيين للاتحاد الأوروبي
أوضح «سبرينبورج» تلك الرؤية مستثنيًّا الأتراك أولًا باعتبارهم الجزء الجغرافي ذا الأغلبية المسلمة والأكثر معرفة بطبيعة السياسات الأوروبية، واعتبر الكاتب أن أكثر المسلمين ليست لديهم معرفه بطبيعة العلاقات بين الدول المسلمة والاتحاد الأوروبي فالدول المسلمة تتخذ إطارًا جماعيًّا يُعرف باسم الشراكة الأوروبية المتوسطية، فضلًا عن إطار ثنائي يُعرف باسم سياسة الجوار الأوروبية.
وقد رأى الكاتب، أن عدم معرفة الديمقراطيين المسلمين بسياسات الاتحاد الأوروبي قد أضر بقدرتهم على تقييم سياسات الاتحاد تجاه المسلمين، مؤكدًا أن المسلمين الديمقراطيين ليس لديهم أي تحفظات على تقوية العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، على الأقل في الأمور الاقتصادية والتقنية.
وفي السياق نفسه، أشار سبرينبورج إلى وجود اختلافات فلسفية في الإدراك المفاهيمي للديمقراطية وحقوق الإنسان بين الأوروبيين والمسلمين الديمقراطيين، خاصة أن المجتمعات الأوروبية تؤمن بحالة الحرية غير المقيدة، بينما الديمقراطيون الإسلاميون يتحفظون على هذا الأمر، ويرون الديمقراطية كحالة سياسة فقط، بينما الأمور الشخصية لا بد أن تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية.
كلفة العلاقات مع الإسلاميين الديمقراطيين
يرى سبرينبورج أن اندماج الاتحاد الأوروبي في علاقات مع الإسلاميين الديمقراطيين لا يجب أن يتم قبل تحديد أطر التعاون وأبعاده، فضلًا عن النسق الحاكمة له؛ مشيرًا إلى أن تقوية العلاقة مع الإسلاميين الديمقراطيين سوف تسهم في الحد من قدرة التنظيمات المتطرفة على نشر فكرها العنيف في أوروبا، خاصة أن هذه العلاقة سوف تثبت لعامة المسلمين أن أوروبا ليست ضد الإسلام كما تروج التنظيمات المتطرفة، بل سوف يمنح تعامل أوروبا مع الإسلاميين الديمقراطيين نوعًا من الشرعية لهذه التنظيمات، الأمر الذي قد يرجح كفتها في أي انتخابات في دول شمال أفريقيا. ولم يغفل الكاتب أن العلاقة المباشرة بين الاتحاد الأوروبي والديمقراطيين الإسلاميين سوف تؤدي إلى بعض التوترات في بعض النقاط نتيجة الخلافات الفكرية بين الطرفين.
ولذلك، أوصى الكاتب في نهاية الدراسة بضرورة إجراء حوار بين الاتحاد الأوروبي والإسلاميين الديمقراطيين، الأمر الذي سوف يقرب وجهات النظر ويخلق أرضية مشتركة بين الطرفين.





