ad a b
ad ad ad

«البدوية».. طريقة غائبة لقطب أسطوري مريدوه بالملايين

الثلاثاء 09/أكتوبر/2018 - 08:37 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة

مولد السيد البدوي؛ ذلك الحشد البشري الذي تستضيفه مدينة طنطا، بدلتا مصر، كل عام في مثل هذا التوقيت، حشد اقترب -في نسخة المولد الماضية- من مليون شخص، يقصدون طنطا في النصف من أكتوبر من كلِّ عام؛ للاحتفاء بمولد أحد أقطاب الصوفية ومؤسس الطريقة الأحمدية (أحد أكبر الطرق الصوفية في مصر)، الشيخ المغربي أحمد البدوي.

«البدوية».. طريقة

مشهد احتفالي سنوي أصبح مَعلمًا ثابتًا من معالم المدينة البعيدة عن العاصمة المصرية بـ93 كيلومترًا شمالًا، لدرجة أنها توصف بـ«بلد السيد البدوي»؛ لقوة ارتباطها بالضيف الراقد تحت ثراها؛ ما يُفترض معه قوة الأثر الذي تركه «البدوي»، إلا أن الحقيقة الصادمة أن الأمر غير ذلك؛ إذ يقر مؤيدوه قبل معارضيه بقلة المنهج الذي خلًفه.


وعن ذلك يقول أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة قناة السويس، نائب رئيس جمعية إحياء التراث العلمي، الدكتور عامر النجار، في كتابه «الطرق الصوفية في مصر.. نشأتها ونظامها وروادها»: «لم يترك السيد البدوي مؤلفات أو كتبًا مدونة، فلم يذكر المناوي شيئًا من شعر البدوي، ولكنه قال: يُنسب إليه شعر، وهو على كثرته ملحون»، ويتابع: «حقيقة أنه لم يكن لسيدي أحمد البدوي تراثًا فكريًّا كبيرًا.. ولكن أجمل أثر تركه هو الهداية».


المنطق نفسه المعني بتغليب الهداية على المنهج الفكري المتروك، استخدمه شيخ الأزهر السابق، الإمام عبدالحليم محمود، صوفي المنهج، في كتابه «أقطاب التصوف السيد أحمد البدوي»، عندما تحدث عن قلة أثر «البدوي»، وفيه قال: إن أثر القطب الصوفي كبير لا يتأثر بقلة عدد مؤلفاته.


لهذا السبب يشهد للبدوي، بأنه كان صاحب مدرسة صوفية لا تعتمد على التنظير الفكري بقدر ما تعتمد على تربية تابعيه، ويستغل المنتقدون هذه النقطة فيأولونها، بأنه -أي البدوي- لم يكن صاحب منهج صوفيّ محكم، بل استندت مكانته عند الصوفية إلى كرامات نسجها حوله محبوه، ونسبوها له عقب وفاته.

«البدوية».. طريقة

مَن هو البدوي، وما هي «البدوية»؟

جاء الشيخ أحمد البدوي، مغربي الأصل، إلى مصر في 1239م، وهو في الأربعين تقريبًا، قادمًا من العراق التي ذهب إليها برؤية أُمر فيها بالسفر إلى هناك بعدما كان مقيمًا في مكة.


ويروي عنه أتباعه، أنه جاء إلى مصر، بعدما جاءته رؤية أوصته بالسفر والنزول في بلدة بعيدة عن العاصمة المصرية، كانت تُسمّى «طَنتُدا»، طنطا حاليًّا، وفي ذلك يقول شيخ الأزهر محمود عبدالحليم: إن أولياء الله لا يتحركون إلا بأمر.


قضى البدوي حياته في طنطا التي دُفن فيها، بعدما كان قد كوّن مجموعة من تلامذته الذين تولوا نقل طريقته إلى صعيد مصر حيث الجنوب، والشام والسودان، وترصد الروايات المنقولة عن «البدوي»، أنه كان صاحب كرامات مثل أنه كان ينجد المكروب، ويعتكف لأربعين يومًا في خلوة بلا طعام أو شراب، وينقذ الأسرى في خطفة عين، حتى إن بعض الروايات أفادت قيامه بهذا الدور حتى بعد وفاته.

«البدوية».. طريقة

الانتقادات

المبالغة التي تبدو في الكرامات المنسوبة للبدوي، تسببت في جلب انتقادات إليه؛ إذ ذهب ناقدوه إلى أحد الخيارين، إما أن القطب الصوفي هو من نسب هذه التصرفات الخارقة لنفسه، وإما أنه شخصية وهمية أصلًا، تكونت بفعل الموروث الشعبي، وهو ما أضفى عليها قدراتٍ وقصصًا غير منطقية.


واستند أصحاب الرؤية المشككة في البدوي إلى أن كتب التاريخ المكتوبة في القرن الـ7 الهجري، الـ13 الميلادي الذي عاش فيه القطب الصوفي، لم تُشر إليه، لا من قريب ولا من بعيد، على عكس باقي أولياء الصوفية الذين جرت العادة على توثيق حياتهم يومًا بيوم وموقفًا بموقف.


وبدأ التوثيق لـ«البدوي» في القرنين 9 و10 الهجري (بعد وفاة «البدوي» بقرنين)، وهو ما يعني أن كل ما كُتِبَ عن «البدوي» قد تم تدوينه من ألسنة الناس، وما توارثوه من السابقين؛ إذًا فسيرة البدوي عبارة عن «موروث شعبي»، لم يعاصرها مؤرخون.


وأمام هذا المأزق، وجد الصوفية المدافعون عن البدوي أن في نفي بعض الكرامات غير المنطقية إحباط لأسانيد الناقدين؛ ولهذا الأمر ظهر خطاب صوفيّ يحمل مسؤولية انتشار هذه الكرامات حول البدوي إلى الزمن الذي دُوّنت فيه سيرته، فيقولون إنه كان عصر جهل وخرافات سمح بانتشار روايات مبالغ فيها من صنع الخيال الشعبي.


وسواء كان البدوي يُسأل عما نسب له أم لم يُسأل، وبغض النظر عن كونه شخصية حقيقية من الأساس أو وهمية صنعها الموروث الشعبي، فالطريقة البدوية تبقى حقيقة قائمة تعتمد على بضع المؤلفات المنسوبة لشخصية «البدوي» وبعض الكرامات المثار حولها انتقادات.


و«البدوية» هي إحدى الطرق الصوفية الممتدة في المنطقة العربية؛ إذ كانت تُعرف في ليبيا باسم «المدرسة الماردانية»، كما حضرت في السودان في ظلِّ حكم الدولة العثمانية (آخر الدول ذات الحكم الجماعي للمسلمين، وسقطت في 1922).


وفي مصر انبثقت عنها طرق عدة، وتفيد كتب الطريقة بأن بعض تلاميذ البدوي ذهبوا عقب وفاة شيخهم إلى تأسيس طرق بأسمائهم، منها: المرازقة، والشعبية، والزاهدية، والجوهرية، والفرغلية، والإمبابية، والبيومية، والسطوحية، والحمودية، والتسقانية، والكناسية، والمنايفة، والجعفرية، والجريرية، والحلبية، والسلامية، والكتانية.


اختار البدوي الحلة الحمراء شعارًا لطريقته، ويُنقل عنه إنه أوصى تلميذه الكبير ويُدعى عبدالعال، فقال: «يا عبدالعال اعلم أني اخترت هذه الراية الحمراء لنفسي في حياتي وبعد مماتي، وهي علامة لمن يمشي على طريقتنا من بعدي.. قال: فقلت له: يا سيدي فما شروط حملها؟.. قال: من شروطه أن لا يكذب ولا يأتي بفاحشة، وأن يكون غاض البصر عن محارم الله تعالى، طاهر الذيل، عفوف النفس، خائفًا من الله تعالى، عاملًا بكتاب الله تعالى، ملازمًا للذكر، دائم الفكر»، ويُذكر في أدبيات الطريقة أن «البدوي» اختار الراية الحمراء اقتداءً بالرسول؛ إذ يُنقل عنه أنه كان يرتدي حلة حمراء في الأعياد.


وتوجد الطريقة بشكلٍ أساسي في  طنطا؛ حيث مكان مقام البدوي، لاسيما أنها تنتشر في أغلب المحافظات؛ لكثرة الطرق المنحدرة منها.


وتقيم الطريقة في العام مَوْلدين (طقس ديني شعبي) في العام، أحدهما يُسمى المولد البدوي الرجبي، ويكون في شهر أبريل يأتي أتباع الطريقة لحضور تبديل العمامة الموضوعة أعلى ضريح القطب الصوفية، أما الثاني وهو الأساسي فيقام في أكتوبر، ويجذب نحو مليون صوفيّ من أغلب الطرق الصوفية، وعلى رأسها مجموعة الطرق البدوية.

للمزيد:

خاص| «غرفة سر» القطب الصوفي السيد البدوي أمام الزوار للمرة الأولى

«البدوي».. أسطورة سياسية في أحضان الصوفية

"