ad a b
ad ad ad

صور ودوافع خصومة الجماعات المتطرفة مع «ذكرى أكتوبر»

الأحد 07/أكتوبر/2018 - 04:30 م
المرجع
محمد الدابولي
طباعة

في مثل هذه الأيام منذ 45 سنة امتزج دم المصريين بتراب الوطن، محققًا نصرًا مجيدًا خلدته الذاكرة الوطنية باعتباره أعظم انتصاراتها في العصر الحديث، ليضاف إلى سجلات الانتصارات الخالدة التي سطرها العرق والدم المصري في العديد من المواقع التاريخية، مثل «حطين، وعين جالوت، وقادش، ومجدو».



صور ودوافع خصومة
تلعب الانتصارات العسكرية الكبرى -مثلها مثل الثورات- دورًا كبيرًا في ترسيخ الهوية الوطنية للشعوب وإعلاء قيم المواطنة في المجتمعات الحديثة، فإلى اليوم يتغنى الشعب الفرنسي بذكرى ثورة «الباستيل»، رغم مرور ما يتعدى قرنين من الزمان على حدوثها (14 يوليو 1789) ويتغني الشعب الأمريكي بالذكرى السنوية لاستقلاله رغم مرور أكثر من قرنين على ذلك (4 يوليو 1776).

لذا نجد كل شعوب العالم تخصص يوم استقلالها أو انتصارها عيدًا قوميًّا لها، يتم من خلال تلك الذكرى تعميق أواصر الوحدة الوطنية، وغرس بذور الوطنية وحب البلاد في نفوس أطفالها حتى يشبو حب الوطن والتضحية من أجله.


لعل ما يميز انتصار أكتوبر المجيد هو حالة التضافر العربي التي نجحت الإدارة السياسية المصرية في تحقيقها آنذاك، فمعظم الدول العربية شاركت بشكل أو بآخر في هذا الانتصار العظيم ليصبح «السادس من أكتوبر» يومًا خالدًا ليس في ذاكرة الشعب المصري فحسب، بل أيضًا في ذاكرة الأمة العربية.

وفي الوقت الذي وطأت فيه أقدام الجنود المصريين الضفة الشرقية لقناة السويس، كانت جحافل الجيش العربي السوري تدك معاقل العدو في هضبة الجولان واحدة تلو الأخرى، واضعة نصب أعينها هدفًا واحدًا هو تخليص الأمة العربية من عار لزمها طيلة ست سنوات منذ هزيمة يونيو (حزيران) 1967.

وفي هذا الإطار أيضًا انبرت جل الدول العربية لتقديم إسهاماتها في النصر العظيم كدول: المغرب والجزائر والعراق، ودول الخليج مثل: السعودية والإمارات، حيث حملوا لواء الحرب الاقتصادية على الدول الغربية بقطع إمدادات النفط لها، بسبب دعمها لإسرائيل في تلك الحرب.

جماعة الإخوان المسلمين
جماعة الإخوان المسلمين في سوريا
رغم كون السادس من أكتوبر يومًا خالدًا في الذاكرة العربية، كيوم للعزة والانتصار لكن قوى التطرف والإرهاب رفضت الاحتفال بذلك اليوم، وعملت على تعكير صفو احتفالات المصريين والعرب بذكرى نصرهم المجيد وتحرير أراضيهم من الذل والاستعمار، سواء من خلال الاستهانة بحجم النصر أو تصيد تلك الذكرى لارتكاب المزيد من العمليات الإرهابية لترويع الآمنين، ومحو ذلك النصر العظيم من ذاكرة الأمة العربية وقتل فرحة الشعب بذكرى انتصاره.

رغم ادعاءات الجماعات الإسلاموية مثل الإخوان والسلفيين وغيرهم اعتزازهم بنصر أكتوبر، فإن واقع أفعالهم وممارساتهم كشف عن حقيقة نواياهم إزاء تلك الذكرى، ورغبتهم الدفينة في إخفائها من ذاكرة الوطن العربي، لذا سيحاول هذا التحليل الكشف عن صور وأسباب خصومة الجماعات الإسلاموية مع ذكرى نصر أكتوبر.

أولًا: صور عداء الجماعات الإسلاموية لنصر أكتوبر

اتخذت الجماعات الإسلاموية صورًا شتى في عدائها مع ذكرى انتصار أكتوبر بعضها مال ناحية التقليل من أهمية الانتصار والإنجاز، والبعض الآخر حاول التنكيد على الشعوب العربية بارتكاب المزيد من العمليات الإرهابية بالتزامن مع تلك الذكرى السنوية، وهو ما يتضح في النقاط التالية:

أ‌. الاستهداف المبكر

عكست حالة الاستهداف المبكر لنصر أكتوبر كمية البغض والكره الذي تكنه الجماعات الإسلاموية تجاه هذا النصر والجيوش التي ظفرت به، فلم يكد يمر بضعة شهور على نصر أكتوبر حتى أقدمت إحدى الجماعات المتطرفة على ارتكاب حادث الفنية العسكرية «أبريل 1974» الذي يعد أول حادث إرهابي يستهدف الجيش المصري بعد 6 شهور فقط من نصره في أكتوبر 1973.


ولم تتوقف حالات الاستهداف للجيشين المصري والسوري طوال الفترة التي أعقبت نصر أكتوبر، ففي 16 يونيو 1979 تعرضت مدرسة المدفعية في مدينة حلب شمال سوريا لحادث إرهابي نفذه عناصر من «الطليعة المقاتلة» الذراع العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وبلغت ذروة الاستهداف في الذكرى السنوية الثامنة لنصر أكتوبر (6 أكتوبر 1981) حين تسللت بعض العناصر المتطرفة إلى صفوف الجيش، واغتالت الرئيس المصري بطل معركة العبور «محمد أنور السادات»، أثناء مشاهدته العرض العسكري الخاص بالاحتفال بتلك الذكري.

حرصت الجماعات المتطرفة من الاستهداف المبكر لنصر أكتوبر إلى محاولة قتله في نفوس العرب والمسلمين من ناحية، وجذب انتباه الجيوش العربية بعيدًا عن استكمال مسيرة الانتصار وتحرير الأرض من ناحية أخرى، وهو ما يفسر الاستهداف المبكر للجيشين المصري والسوري فور الانتصار.

موكب رئيس مجلس الشعب
موكب رئيس مجلس الشعب المصري الراحل «رفعت المحجوب»
ب‌. تزامن العمليات الإرهابية
خلال العقود الثلاثة الماضية دأبت الجماعات المتطرفة في شنّ عملياتها الإرهابية النوعية والكبرى خلال شهر أكتوبر؛ للتأثير على معنويات المصريين، فالبداية كانت في 12 أكتوبر 1990 أثناء تحرك موكب رئيس مجلس الشعب المصري الراحل «رفعت المحجوب» فوق كوبري قصر النيل فتحت مجموعة إرهابية تتبع تنظيم الجهاد النار على الموكب مما أدي لوفاة المحجوب ومرافقه.

وتكررت الحوادث الإرهابية في شهر أكتوبر بالتزامن مع الاحتفالات في الألفية الجديدة، ففي أكتوبر 2004 وفي غمرة احتفالات المصريين بالنصر شنت الجماعات المتطرفة هجمات إرهابية على فندق «هيلتون طابا»، موقعة عشرات القتلى والجرحى من المصريين والسياح الأجانب، وتم تكرار تلك الهجمات في مناسبات وطنية أخرى مثل تفجيرات شرم الشيخ 2005 التي تزامنت مع احتفالات مصر بذكرى ثورة يوليو، وفي عام 2006 تعرضت مدينة دهب لتفجيرات أخرى في ذكرى تحرير سيناء (25 أبريل).

وفي مرحلة ما بعد ثورة يناير، وصعود جماعة الإخوان، نشطت الجماعات الإرهابية في شن عمليات إرهابية أكثر ضراوة مستهدفة المصريين وجيشهم من ناحية وذاكرتهم الوطنية من ناحية أخرى، ففي أكتوبر 2013 وبعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وفض اعتصام رابعة المسلح، حاول أنصار الإخوان افتعال أزمة سياسية في البلاد في الذكرى السنوية الأربعين لنصر أكتوبر، عبر إشعال المظاهرات العنيفة في منطقتي المهندسين والدقي، ما أدى إلى وفاة نحو 27 شخصًا وإصابة 90 آخرين.

وتكرر الأمر بصورة أكثر دموية في الأعوام التالية ففي 24 أكتوبر 2014 (بالتزامن مع ذكرى المقاومة الشعبية بمدينة السويس) شنت جماعة «أنصار بيت المقدس» هجومًا على كمين «كرم القواديس» في شمال سيناء، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات من الجنود، ويعد هجوم كرم القواديس من أبرز العمليات الإرهابية التي تمت في شمال سيناء؛ نظرًا لارتباطه بإعلان «أنصار بيت المقدس» مبايعته لتنظيم «داعش» وإعلان قيام ما يسمى بـ«ولاية سيناء».

وفي 31 أكتوبر 2015 تواصلت العمليات الإرهابية، حيث تبنى «داعش» مسؤولية تفجير طائرة متجهة من مطار شرم الشيخ الدولي (جنوبي سيناء)، إلى «مطار  بولكوفو» بمدينة «سان بطرسبرج» الروسية، وعلى متنها 224 سائحًا أغلبهم روسيون، الأمر الذي كانت له عواقب وخيمة على الاقتصاد والسياحة المصرية.

في تطور نوعي آخر للعمليات الإرهابية في شهر أكتوبر، أقدمت جماعة تدعى «المرابطون» يتزعمها الإرهابي «هشام عشماوي» يوم 20 أكتوبر 2017 بنصب كمين لقوات الأمن المصرية في طريق الواحات، ما أدى لاستشهاد 16 من قوى الأمن المصرية، وإصابة آخرين.

لذا يتضح من تلك النقاط السابقة، تعمد الجماعات الإرهابية على تنفيذ عملياتها الإرهابية الكبرى والنوعية كعملية كرم القواديس والطائرة الروسية في شهر أكتوبر، بالتزامن مع الاحتفالات المصرية بذكرى معركة العبور.
الكاتب التونسي «باسل
الكاتب التونسي «باسل ترجمان»
ت‌.التقليل من أهمية الإنجاز
تلجأ الجماعات المتطرفة إلى تكتيكات أخرى مثل التقليل من حجم الإنجاز والمجد الذي تحقق في حرب أكتوبر، فوفقًا للكاتب التونسي «باسل ترجمان» في مقالته على صحيفة «إيلاف»، أوضح أن جماعة الإخوان تعتبر أن حرب أكتوبر رسخت ديكتاتوريات عسكرية هدفها محاربة الإسلام ومنع إقامة الخلافة الإسلامية.

ورغم أن جماعة الإخوان في مصر قد رفع عنها الحظر السياسي في بداية السبعينيات مع قدوم الرئيس السادات، فإنها لم تبارك الحرب، وشرعت في المواجهة العسكرية مع الجيش المصري في أحداث ما يسمى بالفنية العسكرية أبريل 1974، حيث توضح الكثير من الملابسات والأحداث على انتماء «صالح سرية» المسؤول عن أحداث الفنية العسكرية، وارتباطه الوثيق بالقيادية الإخوانية «زينب الغزالي»، وفي هذا الإطار، أوضح القيادي السابق في «الفنية العسكرية» الراحل «ياسر سعد» بأن «سرية» كان مبعوث الإخوان في التنظيم.
القيادي الإخواني
القيادي الإخواني «عصام العريان»
ث‌. القفز على النصر
لجأت جماعة الإخوان إلى تكتيك آخر لتمييع نصر أكتوبر بالقفز على الانتصار وإدعاء المشاركة في الحرب، فمثلًا القيادي الإخواني «عصام العريان» في العديد من المناسبات ادعي مشاركة عناصر جماعة الإخوان في المقاومة الشعبية في مدينة السويس يوم 24 أكتوبر 1973، وهو ما يستحيل من الناحية الواقعية، فمن المعروف أن مدن القناة خلال فترة الحرب كانت مناطق عسكرية ممنوع السفر إليها، لذا نجد أن رواية «العريان» هي محاولة لتلميع الجماعة، والسطو على بطولات أهل السويس ضد الجيش الإسرائيلي.
ثغرة «الدفرسوار»
ثغرة «الدفرسوار»
ج‌. التشكيك في النصر وإدعاء الهزيمة
تتبنى العديد من الجماعات المتطرفة الروايات الإسرائيلية بشأن هزيمة الجيشين المصري والسوري في حرب أكتوبر، وانتصار الجيش الإسرائيلي في تلك المعركة، فمثلًا موقع «تبيان.. نصنع الوعي» التابع للتيار الإسلاموي، سبق أن نشر مقالًا تحت عنوان «حرب أكتوبر نصر أم هزيمة»، يوضح فيه أن الجيش المصري تعرض لهزيمة كبرى في تلك الحرب، معللًا ذلك بثغرة «الدفرسوار» التي اعتبرها المقال نقطة تحول كبير في مسار المعركة الدائرة، وسببًا في تحقيق إسرائيل نصرًا كبيرًا على الجيش المصري.

من المؤكد أن روايات المتطرفين حول «الدفرسوار» تتقارب وتتطابق كثيرًا مع الروايات الإسرائيلية الدافعة إلى عدم الخجل من هزيمة «يوم الغفران»، معللة ذلك بنجاح بعض الوحدات من الجيش الإسرائيلي في اختراق الجيش المصري، وتكوين الثغرة، وتحاول تلك الروايات تعضيد وجهة نظرها من خلال نشر تضارب رؤى القيادات العسكرية المصرية حول تصفية الثغرة، مثل تضارب رؤية الرئيس السادات، مع رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي.

وفي هذا الإطار أيضًا، أصدر الصحفي المحسوب على جماعة الإخوان «صابر مشهور»، العديد من الفيديوهات يدعي فيها هزيمة الجيش في حرب أكتوبر، معتمدًا على بعض الروايات الإسرائيلية التي تعظم من دور ثغرة  الدفرسوار.
 الرئيس السادات والفريق
الرئيس السادات والفريق الشاذلي
ح‌. خلط الأوراق
قال الكاتب الصحفي، ناصر طلال، في مقالته بصحيفة الشروق المصرية بتاريخ 10 أكتوبر 2012، إبان حكم الإخوان، إنه في احتفالات أكتوبر 2012 تعمدت الجماعة إغفال ذكر دور عبدالناصر في إعداد الجيش المصري للمعركة المصيرية.

ولعل احتفالات أكتوبر 2012 كانت مثالًا صارخًا على محاولة الجماعة المستميتة لقتل فرحة النصر في نفوس المصريين، فخلال تلك الاحتفالات تم الاحتفاء بقتلة السادات (عبود الزمر ورفاقه) وتصدرهم المشهد الاحتفالي.

وللمزيد من سياسة خلط الأوراق التي تمارسها جماعة الإخوان في هذا الصدد، تم تكريم اسم الفريق الراحل سعدالدين الشاذلي خلال فترة حكم «مرسي»، ومنحه قلادة «النيل» عن دوره في حرب أكتوبر، وذلك استغلالًا لحالة الخلاف الشهيرة بين الرئيس السادات والفريق الشاذلي في محاولة من الجماعة ادعاء أنها أنصفت تاريخ الفريق الشاذلي.

ولعل احتفاء الإخوان بالفريق الشاذلي لم يكن وليد احتفالات 2012، حيث سبق أن استضاف المذيع في قناة الجزيرة، المحسوب على جماعة الإخوان «أحمد منصور» الفريق الشاذلي في برنامج «شاهد على العصر»، لمدة عشر حلقات متتالية؛ للحديث عن ما دار في الحرب.

ويتضح هنا أن الجماعة استخدمت تكتيك اللعب على وتر الخلافات بين قادة نصر أكتوبر؛ من أجل التقليل من أهميته في نفوس المصريين، وإظهار أن القيادة المصرية كانت مضطربة وعاجزة عن تحقيق النصر.

أسامة بن لادن
أسامة بن لادن
خ‌. مناعة إسرائيلية
ساهمت الجماعات الإسلاموية المتطرفة المتعددة في تحقيق مناعة إسرائيلية من الهجمات الإرهابية، رغم كون تلك الجماعات تدعي أنها نشأت لمحاربة إسرائيل، فمثلا «أسامة بن لادن» أسس «الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبين» تنظيم «القاعدة» فيما بعد، ولم يوجه أي عملية إرهابية ضد إسرائيل، في حين نجد أن التنظيم لم يتوان في توجيه ضرباته إلى الجيشين المصري والسوري، فتنظيم «المرابطون» الذي أعلن ولاءه للقاعدة، دائمًا يستهدف تجمعات وتمركزات الجيش المصري، وكذلك الأمر مع «جبهة النصرة»، التي استهدفت الجيش السوري.
صور ودوافع خصومة
د‌. غياب من الإصدارات المرئية
تتميز الإصدارات المرئية للجماعات الإسلامية بصورة نمطية خاصة، متمثلة في الاحتفاء بالانتصارات الإسلامية مثل «بدر وحطين»، وغيرهما من المعارك التي دارت رحاها في العصور الوسطى من التاريخ الإسلامي، لكن تتجاهل تلك الإصدارات الاحتفال بنصر أكتوبر، فالمتابع لفيديوهات الجماعات الإسلامية من أفلام وثائقية أو أفلام تاريخية أو أغانٍ حماسية، يجدها لم تحتفِ بنصر أكتوبر، وكأنه نصرٌ لم يسطره مسلمون ولم يرفعوا شعارات الله أكبر.
حركتا «حماس والجهاد»
حركتا «حماس والجهاد»
ذ‌. نكران البطولات
ركزت المواقع الإعلامية للجماعات الإسلاموية على اختزال التضحيات الخاصة بالقضية الفلسطينية في شهداء حركتي «حماس والجهاد» ونكران أي تضحيات أخرى قدمتها مصر وسوريا من أجل القضية الفلسطينية.
 الدم المسلم والمسيحي
الدم المسلم والمسيحي
ثانيًّا.. دوافع خصومة الجماعات الإسلاموية مع نصر أكتوبر
تتعدد الأسباب التي توضح أسباب خصومة الجماعات الإسلاموية مع نصر أكتوبر، بعض تلك الأسباب متسق مع المبادئ الفكرية التي نشأت عليها تلك الجماعات، والبعض الآخر مرتبط بالممارسات السياسية التي انتهجتها تلك الجماعات، ومن أبرز تلك الأسباب:

◄ القطيعة مع الوطنية
لعل السبب الأبرز في عدم انفعال واحتفال الجماعات الإسلاموية بتلك الذكرى، هي قطيعتهم مع الوطنية والمواطنة، فتلك الجماعات تنظر إلى الوطنية على أنها ضد المبادئ الإسلامية، بل تسعى إلى إلغاء الهويات الوطنية، وإنشاء ما يسمى بالدولة الإسلامية (الخلافة الإسلامية).

ولما كانت حرب أكتوبر في مصر وسوريا سببًا في تعزيز الروح والهوية الوطنية في كلا البلدين، حيث امتزج الدم المسلم بالمسيحي تحت الراية المصرية، وامتزجت الدماء السورية بمختلف تشعباتها العرقية والدينية تحت الراية السورية، لم تحتفِ تلك الجماعات بهذا النصر، اتساقًا مع مبادئها الهادفة إلى تدمير الهويات الوطنية.
صور ودوافع خصومة
◄ تلويث سمعة الجيوش العربية
مثلما تم توضيحه في النقاط السابقة أن الجماعات الإسلامية ادعت أن النصر عزز من الديكتاتوريات في الدول العربية، سعت تلك الجماعات إلى تقزيم قدرات تلك الدول عبر ارتكاب العمليات الإرهابية بحق الجيوش الوطنية المنتصرة في الحرب؛ بغرض إظهارها ضعيفة أمام العالم؛ لتلويث السمعة الحسنة التي تميزت بها تلك الجيوش عقب نصر أكتوبر، ويتضح ذلك في حادثي الفنية العسكرية بالقاهرة ومدرسة المدفعية في حلب.
حرب يونيو 1967
حرب يونيو 1967
◄استئثار مفهوم الجهاد في الإسلام

من أهم الأسباب التي دفعت الجماعات الإسلاموية إلى نكران نصر أكتوبر هو رغبتها في استئثار مفهوم الجهاد والحض عليه، وإدعاء أن حكام الدول العربية والإسلامية أهملوا فريضة الجهاد وأن تلك الجماعات أحيت فريضة الجهاد في نفوس المسلمين.

لكن الواقع يشير عكس ذلك، فتلك الدول (مصر وسوريا) طبقت مفهوم الجهاد حين تعرضت أراضي تلك الدول للعدوان في حرب يونيو 1967 وأخذت بالأسباب التي حضت عليها الشريعة الإسلامية «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ» (الأنفال 60) من أجل تحقيق النصر.
نصر أكتوبر
نصر أكتوبر
◄الاستحواذ على السلطة
من الأسباب الأخرى التي دفعت الجماعات المتطرفة إلى إنكار نصر أكتوبر، هو رغبتهم في الاستحواذ على السلطة؛ حيث رأت أن النصر عزز شرعية النظامين المصري والسوري، لذا ناصبت النصر العداء، وبدأت في توجيه الضربات العسكرية للجيشين، أملًا في إغراق تلك الدول في الفوضى، والصعود إلى هرم السلطة والاستحواذ عليها، ولعل الحالة السورية هي الأبرز.
الاحتلال السوفييتي
الاحتلال السوفييتي لأفغانستان
◄التقارب الإسلاموي الأمريكي
ناصبت الولايات المتحدة الجيوش العربية العداء، ويتضح ذلك في الدعم الأمريكي غير المنتهي للجيش الإسرائيلي في معركة العبور وما بعدها، الأمر الذي دفع القيادة الأمريكية إلى حيلة اللجوء للجماعات المتطرفة؛ من أجل إنهاك قدرات الجيوش العربية.

وشهدت مرحلة ما بعد أكتوبر 1973 تقاربًا إسلامويًّا أمريكيًّا، وصل ذروته عام 1979 بعد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان؛ حيث سهلت واشنطن لعناصر الجماعات المتطرفة السفر والقتال ضد القوات السوفييتية في أفغانستان، وجرى استخدام عناصر ما يسمي الجهاد الأفغاني ضد الدول والجيوش العربية في مرحلة لاحقة، وهو ما يتضح في حالة جبهة النصرة في سوريا، والجماعات المتطرفة في شمال سيناء.
"