تُعدُّ دول القارة الأوروبية أحد أهم المنابع التي تمد تنظيم داعش بالموارد البشرية، وخلال السنوات الماضية هاجر آلاف الأوروبيين إلى أماكن سيطرة التنظيم الإرهابي بسوريا والعراق، وبدوره كان «داعش» يستخدم هؤلاء في مهمتين، الأولى: دعم صفوف عناصره الذين يقاتلون في الأراضي العراقية والسورية، والثانية: إعادة تصديرهم مرة أخرى إلى بلدانهم ليقوموا بعمليات إرهابية.
وتأتي الجماعات الإسلاموية، التي تبدأ طريقها المتشدد كجماعات دعوية ثم تبايع «داعش»، على رأس أهم مصادر تجنيد الأوروبيين لصالح التنظيم.
وتنتهج هذه «الجماعات الصغيرة»، عدة طرق لاستقطاب الشباب الأوروبي وإقناعهم بالقتال في صفوف «داعش»، وأهم هذه الطرق استمالتهم للإسلام بشكل مبدئي، ثم دمجهم فكريًّا مع قناعات التنظيم، ويسهل بعدها توجيه هذه القناعات إلى قتال على أرض الواقع، سواء داخل بلادهم أو في معاقل الدواعش.
جماعات التطرف في أوروبا
نشأت الجماعات الإسلاموية للمرة الأولى في العالم العربي، خاصة في مصر، وبعدها بدأت تتجه إلى الغرب، وتفتح قنوات لها في الدول الأوروبية، متخفية وراء ستار الدفاع عن الأقليات المسلمة.
واتخذت هذه الجماعات من اللعب بشكل أكثر على القواعد الشعبية في أوروبا نهجًا لها، وعملت على توسيع رقعة المسلمين ومحاولة «أسلمة» المجتمع الأوروبي، أو على الأقل إعادة الهوية الإسلامية (وفقًا لما يعتنقونه من رؤى وأيديولوجيات) إلى المسلمين المقيمين به.
ومع تنامي الأعمال الإرهابية، وتعاظم خطر تنظيمي «القاعدة» ومن بعده «داعش»، انتشرت العديد من الجماعات المسلحة (تبدأ كجماعات دعوية ثم تتحول إلى مسلحة) في الدول الأوروبية، والتي حظرتها حكومات تلك الدول وصنفتها بـ«جماعات إرهابية»، وهو ما ظهر في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا.
وفي ألمانيا كمثال، قررت الشرطة الألمانية في نوفمبر من عام 2016، حظر 3 جماعات بايعت تنظيم داعش، أبرزهم: جماعة «دين الحق».
واتهمت الشرطة الألمانية، جماعة «دين الحق»، بالترويج للتطرف، والعمل على استقطاب الشباب المسلم وتجنيدهم للانضمام إلى صفوف تنظيم داعش، ومن ثم إرسالهم إلى سوريا والعراق، للقتال في صفوف التنظيم.
وفي تصريح لوزير الداخلية الألماني السابق، توماس دي مازيري، أكد أن التحقيقات كشفت أن ما يقرب من 140 شابًّا ألمانيًّا سافروا إلى سوريا للمشاركة في القتال هناك تحت قيادة جماعة «دين الحق».
وعلى الرغم من حظر ألمانيا لأنشطة جماعة «دين الحق»؛ فإن الجماعة تمارس أنشطتها بشكل طبيعي في بريطانيا.
وفي تقرير بعنوان: «جماعة دين الحق الألمانية المحظورة تنشط في بريطانيا»، نشره «موقع 24»، في نوفمبر 2016، قال متحدث باسم شرطة لندن: «إن الشرطة البريطانية لا يمكنها القبض على أنصار جماعة دين الحق، أو مطالبتهم بالتوقف عن أنشطتهم في لندن؛ فهي ليست منظمة محظورة، وليس جريمة أن تكون عضوًا بهذه المجموعة في بريطانيا».
الدعاة السلفيون
يسعى السلفيون الموجودون في أوروبا (مع تزايد أعدادهم، خاصة في ألمانيا) إلى التأثير في المجتمع الأوروبي، سواء من خلال المسلمين المقيمين به، أو دعوة غير المسلمين لاعتناق الإسلام.
ووفقًا لتقرير نشره «دويتش فيله»، في فبراير 2012، بعنوان: «السلفيون قلة تعيق اندماج المسلمين في ألمانيا»؛ فإن عدد الشباب الألماني الذي اعتنق الإسلام على يد شيوخ السلفية وأتباعهم في ألمانيا، تزايد مؤخرًا.
وأوضح التقرير، أنه بالرغم من أن غالبية المسلمين في ألمانيا ينتمون إلى مذاهب معتدلة؛ فإن المتشددين منهم حاضرون بشكل أكبر في الإعلام الألماني.
ويُعد «بيير فوجل» (لاعب ملاكمة اعتنق الإسلام، وتبنى المذهب السلفي)، من أبرز حالات ظهور المتشددين بشكل أكبر في الإعلام الألماني.
يعرف «فوجل»، باسم «الفاتح الإسلامي لألمانيا»، وذلك بعدما ذاع صيته على وسائل الإعلام المرئية من لاعب ملاكمة إلى داعية سلفي، يدعو لاعتناق الإسلام ويرشد المسلمين الجدد إلى طرق الإيمان والعقيدة.
وتعتقد الشرطة الألمانية، أن لـ«فوجل» تأثيرًا على إقناع الشباب الألماني بالتحول إلى التطرف، والسبب في هذا هي المبادئ السلفية التي يعتنقها الداعية السلفي.
أسباب رواج المتطرفين في أوروبا
تنتشر الجماعات المتطرفة في أوروبا بكثرة، وتتخذ من الترويج لأكذوبة الدفاع عن حقوق المسلمين الأوروبيين بحجة أنهم «أقلية في أوروبا») ذريعة لاستقطاب المسلمين هناك إلى صفوفها، خاصة الشباب منهم.
وتجد الجماعات المتشددة الموجودة على الأراضي الأوروبية، فرصة لتوسيع قاعدتها وجذب مزيد من العناصر إلى صفوفها، ليس فقط ليتبنوا أفكارًا عقائدية، لكن لتحويلهم إلى معتنقي أفكار «جهادية».
ووفقًا لتقرير أعده مركز أبحاث «بيو» Pew Research Center، في نوفمبر 2017، بعنوان: «5 حقائق عن السكان المسلمين في أوروبا»؛ فإن فرنسا وألمانيا، تُعدان أكبر دولتين أوروبيتين يعيش على أراضيهما مسلمون، حيث بلغ عدد المسلمين المقيمين على الأراضي الفرنسية 5.7 مليون مسلم، في منتصف العام 2016، بينما وصل عدد المسلمين بألمانيا في العام ذاته 5 ملايين.
وذكر التقرير، أن 50٪ من جميع المسلمين الأوروبيين دون سن الثلاثين، متوقعًا أن يكون لدى المرأة المسلمة العادية في أوروبا عدد أطفال أكثر من غير المسلمات بواقع «طفل زيادة».
ويقول الكاتب والأكاديمي الفرنسي «أوليفر روي» "OLIVIER ROY"، في مقال له بعنوان: «الإسلام في أوروبا» Islam in Europe، نُشر في مايو 2017: «إنه في بلدان المنشأ يتجسد الدين دائمًا في ثقافة تجعل من الصعب التمييز بين ما ينتمي إلى التقاليد الثقافية والاجتماعية، وما ينتمي إلى العقيدة، وهو أمر مختلف عن الإسلام في أوروبا».
ويضيف «روي»، «فجأة، اعتاد المسلم الذي يعيش في أوروبا أن يعيد اكتشافه، أو أن يكون أكثر دقة، ليحدد (بالنسبة إلى تفكيره) ما ينتمي إلى العالم الديني، لذلك؛ فالمسلمون يجبرونه على التفكير في الطبيعة الأساسية للإسلام، كما أنه مجبر على تجسيد الإسلام، ومحاولة تحديد جوهر الإسلام بموضوعية قدر الإمكان».
ويشير الكاتب والأكاديمي الفرنسي، إلى أنه «رأينا في وقت سابق أسئلة لم تظهر في السابق في الأدبيات الدينية، مثل: ما هو الإسلام؟ ماذا يعني أن تكون مسلمًا؟ ولذلك فإن هناك ثروة من الأدب في الوقت الحاضر تحاول أن تقدم تعريفًا موضوعيًّا لما هو عليه الإسلام، لأن هناك حاجة إلى هذا التعريف الموضوعي، لأنه لم يعد هناك أي دليل على المعتقد الديني، وأي وساطة للمعرفة».
ومع بداية تعرف المسلم في أوروبا على الدين الإسلامي، فإنه يبحث عمن يشبهه، حيث يقول رؤوف جيلان، أستاذ علوم التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، في تقرير حمل عنوان: «السلفيون في ألمانيا.. من الجهاد الإلكتروني إلى الشوارع»، نشره «دويتش فيله»، في مايو 2012: «إنه عندما ينضم عضو جديد إلى إحدى الجماعات السلفية، فهو يندمج في هذا النسق التنظيمي للجماعة في المقابل يأخذ مسافة كبيرة بينه وبين المجتمع».
ويؤكد «جيلان»، أن الجماعات السلفية ليست متجمعة تحت مظلة منظمة رئيسية واحدة، بل توجد جماعات محلية مرتبطة مع بعضها البعض.