متشددو الجزائر يحتلون المساجد وينكلون بأئمتها المعتدلين


في مايو الماضي 2018، ذُبح إمامان في مسجد «خالد بن الوليد» في بلدة وادي السبع جنوب محافظة سيدي بلعباس التي تبعد 430 كيلومترًا من غرب العاصمة الجزائر، أحدهما يبلغ من العمر 64 سنة، والآخر عمره 67؛ حيث أثبتت التحريات أنهما فارقا الحياة قبيل صلاة الفجر، وتشير التحقيقات للعديد من الملابسات حول الواقعة وتحديد المتورطين في القضية، إلا أن الشكوك تحوم حول عناصر من تنظيم القاعدة الموجودين بالمنطقة في عملية القتل، أو السلفيين، وفقًا لوكالة الأنباء الجزائرية.
كما تعرض العديد من الأئمة للضرب والإهانة أثناء إلقاء الخطب، وقد وصل الأمر إلى التعدي عليهم خلال تأدية فريضة الصلاة؛ وفي 2017 تعرض الشيخ محمد عبدالسلام من أم البواقي للإهانة؛ حيث وصفه أحد المتشددين بـ(الشيخ الضال)، كما قام بالتعدي عليه بالضرب بعد ذلك، ومن خلال ملابسات الحادث يتبين أن الإمام قتل على يد الشخص ذاته الذي سبق وقام بإهانته في محراب المسجد، كما تم الاعتداء على إمام مسجد «الرحمة» بباش جراح.
وفي المسيلة طعن إمام بالسكين من أحد الأشخاص بينت التحقيقات أنه متهم بتعاطي «المهلوسات»، وكذلك أحرق منزل إمام فجرًا، أثبت أنه المتهم ينتمي إلى تيار متشدد دينيًّا.
أما في مدينة بوهران ضرب إمام بحجر التيمم، وإمام آخر تعرض للضرب أثناء الصلاة ولـ3 مرات متوالية على يد الشخص نفسه، وفي ولاية المدية شخص يشق رأس إمام خيط بـ15 غرزة، وهذه الاعتداءات وكثير غيرها، تعيشها يوميًّا مساجد الجزائر.
وكشف الشيخ نورالدين بوخيط، إمام مدرس بولاية البليدة، أنه تعرض للعديد من الاعتداءات بالضرب والسب والشتم المباشر وغير المباشر، كما أكد المنسق الولائي للأئمة بولاية البليدة، عبدالنور توتسي أن ظاهرة الاعتداء على الأئمة سواء بالسب أو الشتم، أو عن طريق الضرب موجودة بالولاية، وحسب تأكيده «تعرض إمام بمنطقة مفتاح للضرب داخل المسجد، وشكواه لمصالح الدرك الوطني لم تأتِ بنتيجة، فاضطر لطلب تحويل من الولاية، وإمام من بلدية العفرون اعتدي عليه داخل مقصورة المسجد، وكذلك أكد أحمد عرابي، مدرس وإمام مسجد بالبويرة بوجود اعتداءات متكررة على الائمة، ويكشف أنه تعرض للإهانة والإنزال من المنبر أثناء خطبته، بحسب بوابة الشروق الجزائرية».
ويرجع تعرض الأئمة للقتل والضرب إلى خلافات شكلية واختلاف في القناعات والمرجعية الدينية بين الأئمة والمصلين؛ ما دعا شيوخ المنابر الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وحكومة رئيس الوزراء أحمد أويحيى، لتحسين أوضاعهم الاجتماعية التي وصفوها بـ«المزرية»، في حركة احتجاجية خرج فيها مئات الأئمة وموظفو القطاع الديني بالجزائر، للفت انتباه السلطات العليا في البلاد إلى مطالبهم.

السلفيون في قفص الاتهام
تشير أصابع الاتهام في كل هذا الكم من الوقائع الممنهجة إلى الجماعات السلفية المتشددة، وفق رؤية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف؛ حيث يقول الدكتور إدريس عطية، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجزائر: إن «هناك عناصر متطرفة خلال التسعينيات جعلوا من المساجد مسرحًا لصراعاتهم الأيديولوجية والفكرية والعقائدية، بل ذهب بعض عناصر الغلو والتشدد في الدين إلى محاولات تسييس المسجد، وإخراجه من وظيفته الأساسية، والابتعاد به عن دوره الرسمي».
وتابع، أن استهداف الآئمة واغتيالهم واختطافهم من صلب عمل هذه الجماعات، خاصة الأئمة الذين التزموا بالوسطية كمنهج، والاعتدال كعقيدة، ورفضوا العناصر الدخيلة في المجتمع الجزائري، والفكر البعيد عن القيمة السمحة للدين الإسلامي، والأفكار الغريبة عن المجتمع والأمة الجزائرية.