السلفية وبذور التطرف.. تقديس «النقل» وإهمال «العقل»
ترجع نشأة المنهج السلفي إلى القرن السابع الهجري على يد الإمام «أحمد بن تيمية» المولود في حوران عام 661 هـ، حين رأى ضرورة تنقية الدين الإسلامي من البدع والخرافات التي لحقت به بسبب انتشار الطرق الصوفية التي اعتمدت على فكرة تأويل النصوص الدينية.
ويقوم منهج ابن تيمية على افتراض أساسي هو الاعتماد على النص في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها، ويرى أن القرآن الكريم والسنة النبوية لم يتركا شيئًا من أمور المسلمين إلا وتناولاه، كما يدعو إلى فهم القرآن والسنة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين.
وفي العصر الحديث أعاد عدد من الفقهاء وعلماء الدين مقولات ابن تيمية في فهم الدين الإسلامي للواجهة مرة أخرى، في محاولة منهم لمعالجة فشل وإحباط الأمة الإسلامية بادعاء أن سبب الانهيار والانحدار هو ابتعاد المسلمين عن الدين وهجر الشريعة الإسلامية.
وما يُميز صحوة المنهج السلفي في العصر الحديث هو ارتباطه بالعوامل التاريخية السياسية التي مرت بها الدول الإسلامية، والمتمثلة في نشأة الدول القومية وتبني الأنظمة السياسية أيديولوجيات فكرية غير إسلامية كالليبرالية والاشتراكية.
وخلال العقود الأربعة الأخيرة نشأت العديد من الحركات الجهادية في الدول العربية والإسلامية، في محاولة منها لتغيير الوضع السياسي والاجتماعي القائم في تلك الدولة، زاعمةً أنها تريد تطبيق الشريعة الإسلامية وفقًا للمنهج السلفي، بعد أن أصاب الأمة انحراف فكري وديني بالابتعاد عن تطبيق الشريعة الإسلامية.
ولتحقيق أهدافها، لجأت تلك الجماعات الجهادية (السلفية) إلى تكفير المجتمعات والأنظمة المسلمة ومحاولة فرض التغيير بالقوة المسلحة، ما يُشبه حالة حرب فرضتها تلك الحركات على المجتمعات المسلمة.
وفي سياق آخر، ترفض بعض الجماعات السلفية إعلان حالة الجهاد على المجتمع والنظام السياسي وفرض تغييره بالقوة، لكنها تحتفظ بالعديد من المقولات المتطرفة التي تصل بعضها إلى حد تكفيير المجتمع.
ولعل ما يُثير دهشة الأمور أن -تقريبًا- معظم الحركات والتنظيمات المسلحة الناشطة في الدول العربية والإسلامية سلفية التوجه، وهو ما يطرح تساؤلًا رئيسيًّا حول دور المنهج السلفي، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات المهمة، مثل: ما أثر المنهج السلفي في نشأة الجماعات المتطرفة؟
المحاور الرئيسية للدراسة:
1. المنهج السلفي تعريفه ودلالاته.
2. دوافع التطرف في المنهج السلفي.
3. تنوع المدارس السلفية.. قصور في المنهج أم إثراء فكري؟
أولًا . المنهج السلفي تعريفه ودلالاته:
قبل الخوض في غمار تعريف المنهج السلفي ومقولاته الفكرية وتحليلها ينبغي أولًا التعرف على البيئة التاريخية والسياسية التي نشأ فيها، سواء في عصر«ابن تيمية» أو في العصر الحديث؛ حيث نشأة الجماعات الجهادية المعاصرة.
للوهلة الأولى نستنتج أن هناك تشابهًا كبيرًا في الظروف التاريخية والمجتمعية التي عانى منها المجتمع المسلم خلال تلك الفترتين من التاريخ الإسلامي، فالفترة الأولى (1263 - 1328) التي لمع فيها المنهج السلفي كانت المجتمع الإسلامي يعاني فيها من اضمحلال فكري وإحباط اجتماعي متزايد، نتيجة العديد من العوامل السياسية والدينية منها على سبيل المثال:
1. الوهن والاضمحلال السياسي الذي بدأ يدب في أوصال الحضارة الإسلامية، فابن تيمية أتى في فترة عانت فيها الممالك الإسلامية من هجمات المغول المتكررة وتدميرها للحواضر الإسلامية كبغداد وغيرها من المدن الإسلامية.
2. بداية الاكتفاء المعرفي الإسلامي، فالمتتبع للتاريخ الإسلامي يستنتج أنه مع نهاية القرن السادس هجريًّا بدأت الحضارة الإسلامية في الانزواء والاكتفاء بما قدمه العلماء المسلمون في العلوم الدينية والطبيعية في القرنين الثالث والرابع الهجري، وغلق باب الاجتهاد تقريبًا.
3. انتشار الشطحات الفكرية الصوفية وتأويلاتها المثيرة للجدل.
أما حديثًا فيعود انتشار المنهج السلفي إلى كتابات الشيخ «محمد بن عبدالوهاب» الذي عاصر هو الآخر مرحلة التشتت والتشرذم في المجتمع الإسلامي؛ حيث وقوع معظم الأقطار الإسلامية تحت الاستعمار الأوروبي وتمدد وتفشي الجماعات الصوفية، فضلًا عن تمدد التيارات الفكرية الليبرالية الغربية في الأقطار الإسلامية.
ما يدفعنا للاستنتاج أن الفكر أو المنهج السلفي رد فعل اعتراضي لعملية اضمحلال حضاري تمر به الأمة الإسلامية من حين لآخر؛ حيث يلجأ الفكر السلفي لافتراض رئيسي، وهو ضرورة عودة المسلمين إلى اتباع المنهج الصحيح في فهم الدين الإسلامي من أجل عودة الحضارة الإسلامية كما كانت، ويكون الفهم الصحيح عبر تطبيق القرآن الكريم والسنة النبوية بفهم الصحابة والسلف الصالح، والابتعاد عن التأويلات الفلسفية والفكرية المتعددة.([1])
أي أنه طبقًا للعرض السابق، نستنتج أن الفكر السلفي منهج أصولي يستهدف تحقيق العودة إلى فهم الدين الإسلامي بالطريقة التي فسرها وطبقها الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون وتابعو التابعين.
تعريف السلفية:
تتعد تعريفات السلفية عند العلماء، وإن كانت جميعها متقاربة في أنهم يتبعون السلف الصالح في فهم القرآن والسنة النبوية، فمثلًا أوضح شيــخُ الإســلام «ابن تيمية» أنه «لا عــيبَ على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه؛ بل يجب قَبول ذلك منه اتفاقًا؛ فــإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا»([2])، أما المفتي السعودي الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز فيعرفها على أنها: (السَّــلفية: نسبة إلى السلف، والسلف: هم صحابة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّمْ- وأئمة الهدى من أهل القرون الثلاثة الأولى رضي الله عنهم الذين شهد لهم رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلّمْ- بالخير في قوله خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته).([3])
أما الشيخ «محمد بن الصالح بن عثيمين»[4] فله تعريف آخر للسلفية حاول من خلاله معالجة بعض الأخطاء السياسية والمنهجية التي وقع فيها أتباع ذلك المنهج؛ حيث يعرف السلفية على أنها: «اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم سلفنا تقدموا علينا، فاتِّباعهم هو السلفيَّة، وأما اتِّخاذ السلفيَّة كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حقٍّ: فلا شكَّ في أن هذا خلاف السلفيَّة، فالسلف كلهم يدْعون إلى الإسلام والالتئام حول سنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يضلِّلون مَن خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون من خالفهم فيها فهو ضال»،( [5] )فيما يرى الدكتور محمد عمارة أن السلفية هي «نقاء الفهم والتطبيق للمرجعية الدينية والفكرية قبل ظهور الخلاف والمذاهب والتصورات التي وفدت على الحياة الفكرية الإسلامية[6]».
ومن هنا، فمن الممكن استنتاج تعريف خاص بالمنهج السلفي على أنه «اقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة والسلف الصالح من التابعين وتابعي التابعين في تطبيق الشريعة الإسلامية، أي التمسك بالكتاب والسنة علمًا وعملًا وفهمًا وتطبيقًا بطريقة السلف الصالح».
ومن التعريفات السابقة لمفهوم السلفية تبرز الملاحظات الآتية:
1. المنهج السلفي قائم على فكرة النقل التام من تراث الصحابة والتابعين ورفض فكرة الاجتهاد في الدين؛ حيث يجب على المسلمين تطبيق الإسلام كما طبقه الصحابة والتابعون.
2. مفهوم السلف الصالح يقتصر على الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وعليه فإن هذا المفهوم مقصور على الإنتاج الفكري الديني الذي تم في القرون الثلاثة الأولى من الإسلام.
3. رفض أي مذاهب فكرية لا تعتمد بشكل رئيسي على فكر ومنهج سلف الأمة، ومنها نجد أن السلفية على خصومة فكرية حادة مع معظم التيارات المذهبية الإسلامية، كالصوفية والخوارج والشيعة وغيرها.
4. السلفية جاءت لمعالجة فجوة حضارية عانت منها الأمة الإسلامية.
5. حاول بعض علماء وفقهاء السلفية تقديم مفاهيم أكثر انفتاحية للسلفية في محاولة منهم للهروب من التهم التي لاحقت السلفية بالتطرف،
فكان تعريف «ابن عثيمين» الذي قصر تطبيق السلفية على المسائل العقائدية فقط، ورفض فكرة اتخاذ السلفية كمنهج فكري لمعاداة التيارات الفكرية الأخرى.
6. المنهج السلفي ينطلق من قاعدتين رئيسيتين هما:
· تقديم الشرع على العقل: تقوم تلك القاعدة على أساس أن الصحابة كان الوحي ينزل بين أظهرهم، وبالتالي هم أقدر الناس على الفهم والاجتهاد، ويستشهدون بالآية القرآنية: «وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» (النساء: 115)، أي أنه يجب إخضاع العقل للنص وليس إخضاع النص لتفسير العقل([7]).
· رفض التأويل: حيث يرفضون إحكام العقل في تفسير النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وهو مذهب أهل المعتزلة؛ حيث كانوا يقدمون العقل على الاحتكام للنص، إلا أن الفكر السلفي يرفض فكرة التأويل ويتمسك الأخذ بالنص، فالدين تناول الفطرة الإنسانية وبالتالي نصوصه قادرة على التعامل مع المشكلات الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل.([8])
ثانيًا: دوافع التطرف في المنهج السلفي:
يدور هذا المحور حول تساؤل مهم: لماذا جُل الجماعات المتطرفة الإسلاموية، عدا الشيعية، تتبنى الفكر والمنهج السلفي، فالقاعدة و«داعش» على سبيل المثال يدعيان تبني هذا المنهج؟ لذا هل المنهج أساسًا يحض على التطرف والتعصب؟ أم أن المنهج السلفي بريء من تلك التنظيمات؟ وباستقراء الخطاب السلفي يتضح لنا أنه يحوي الكثير من مكامن التطرف والتعصب ومنها على سبيل المثال:
- شعبوية الخطاب السلفي: يتميز الخطاب السلفي بالطابع الشعبوي الشديد، الذي يقوم على دغدغة المشاعر الدينية لدى البسطاء، بتبسيط وتسطيح القضايا والأمور، وتصوير أن ما يتعرض له المسلمون هو نتيجة مؤامرة حيكت لضرب الدين الإسلامي، وأن ما يحدث من تأخر الأمة الإسلامية راجع إلى ابتعاد المسلمين عن دينهم، وعدم تطبيقهم للشريعة الإسلامية.
- احتكار الدين: يدعي الخطاب السلفي احتكار الدين الإسلامي الصحيح، وأنهم أي السلفية هم الفرقة الناجية من النار وغيرهم، إما أنهم كفار أو مضللون مبتدعون، وعادة ما يستند الخطاب السلفي في هذا الأمر إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» رواه مسلم.
- مفهوم الآخر: التيار الفكري السلفي دائمًا يعاني من مفهوم الآخر، فالآخر بالنسبة له إما أنه مضلل أو كافر، ونأخذ على سبيل المثال موقف السلفية من الحركات الصوفية في العالم الإسلامي، في البداية يجب التذكير بأن المنهج السلفي يتلخص في دعوة المسلمين إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله على منهاج وفهم السلف الصالح، وعدم الاعتداد بالمناهج الفكرية والروحية في العبادة التي أبدعها الفكر الصوفي مثل تأويل النصوص الدينية.
ترى السلفية أن الصوفية موطن الشرور والبدع، وأنها وسيلة للكفر والشرك لله؛ حيث يقدس الصوفيون موتاهم ويقيمون عليهم القباب والأضرحة ويذبحون لهم النذور، فضلًا عن الحج إلى الأضرحة والمقامات، وبالتالي انحرفت الصوفية تمامًا عن الدين الإسلامي، وأن السلفية جاءت لتصحيح المفاهيم الدينية ومحاربة الخزعبلات.
- تزكية الخطاب السلفي: يدعي الخطاب السلفي التزكية، وأنهم الأقرب لتحقيق التقوى وفهم الدين الصحيح؛ لأنه يعتمد فقط على فهم السلف الصالح للقرآن الكريم والسنة النبوية.
- ضعف المرجعيات العلمية السلفية: كما أوضحت في نقاط سابقة أن الفكر السلفي تيار شعبوي ديني، يقوم على اجتذاب البسطاء في المجتمع عبر تسطيح القضايا والمفاهيم، وما يلبث أن يتحول المنتسبون لهذا التيار إلى أئمة ودعاة في وقت زمني قصير، أي أن صناعة الداعية في الفكر السلفي بسيطة للغاية، فمبجرد أن يظهر الشخص بعض التدين الظاهري وحفظ بعض الآيات والأحاديث والحضور الشخصي القوي حتى يصبح داعية سلفيًّا.
- الجهاد في سبيل الله: أعاد الفكر السلفي مفهوم الجهاد في سبيل الله للدفاع عن المقدسات الإسلامية ومواجهة الحكام الطواغيت (السلفية الجهادية).
ثالثًا: تنوع المدارس السلفية قصور في المنهج أم إثراءٌ فكريٌ؟
على الرغم من أن المنهج السلفي يدعو إلى الوحدة والعودة إلى فهم الدين بطريقة الصحابة والسلف الصالح ونبذ الفرق والمذاهب الإسلامية المتعددة، فإن الممارسة الحركية أفادت بأن تيار السلفية يعاني من التشرذم الداخلي بحيث ينقسم إلى جماعات عديدة، معظمها يتلاقى في كثير من الأفكار، إلا أنها تختلف في كيفية تطبيقها، ومن هذه المدارس:
- جماعة أنصار السنة المحمدية (1926)[9]: تأسست على يد الشيخ محمد حامد الفقي في القاهرة، إلا أنها دمجت في الجمعية الشرعية عام 1969، وفي عام 1972 أعيد إشهارها مرة أخرى علي يد الشيخ رشاد الرافعي.
وترى هذه الجماعة ضرورة محاربة الشركيات والبدعيات في المجتمع المسلم؛ نتيجة تسلط الصوفية في المجتمع، ودعوة الناس إلى التوحيد الخالص المطهر من جميع أنواع الشرك والدعوة إلى صحيح السنة بفهم السلف الصالح.
أما فيما يخص آراءها السياسية، فترى أن النظام الديمقراطي نظام كافر، لأنه يعطي الإنسان حق التشريع الذي هو حق خالص لله، وفيما يخص سياسة التمكين فترى أنه لن يتحقق إلا بنشر صحيح الدين الإسلامي، أي أن الجماعة تغلب الجانب الدعوي، وترفض الجانب السياسي في الوقت الحالي.
- الجمعية الشرعية: أسسها الشيخ محمود خطاب السبكي عام 1912 تحت اسم «الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية»[10]؛ وذلك من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية ومحاربة التغريب في المجتمع المصري المسلم، إلا أنها اهتمت بمجالات الدعوة والإرشاد والتعليم والخدمات الاجتماعية.
وتنشط الجمعية عبر العديد من الفروع، وتقدم خدماتها الاجتماعية، وتهدف الجمعية إلى محاربة البدعة ونشر التعاليم الإسلامية الصحيحة.
- الدعوة السلفية (الإسكندرية): نشأت كحركة طلابية منشقة عن الإخوان في سبعينيات القرن العشرين على يد محمد إسماعيل المقدم، وتعتبر الدعوة السلفية من أبرز التنظيمات السلفية في مصر حاليًّا، وأوسعها انتشارًا، كما لها ذراع سياسي متمثل في حزب النور.
أما الموقف السياسي للدعوة السلفية فكان يرفض الولوج في العملية السياسية، باعتبار أن الديمقراطية كفر، إلا أنه بعد ثورة 25 يناير حدث تحول جذري في فكر الدعوة السلفية؛ حيث ارتأت ضرورة المشاركة في العملية السياسية وتأسيس حزب سياسي مناصر لها للمشاركة في الانتخابات البرلمانية[11].
- السلفية المدخلية (الجامية): نشأت في السعودية في أعقاب الغزو العراقي للكويت 1991؛ حيث ظهر كتيار ديني مضاد للتيارات الدينية المناهضة لاشتراك القوات الأمريكية والأجنبية ضد العراق في حرب الخليج الثانية 1991، وتنسب الجامية إلى الشيخ «محمد أمان الجامي» إثيوبي الأصل، وتُسمى أيضًا تيار «المدخلية» نسبة إلى أحد رموزها ربيع المدخلي، ويعتقد المداخلة، أو الجامية، بعدم جواز الخروج على الحاكم ومعارضته مطلقًا، أو توجيه النصح له على الملأ، ومن أبرز رموزه في مصر الشيخ محمد سعيد رسلان[12].
- السلفية الحركية: نشأت في القاهرة، ومن أبرز أعلامها الشيخ فوزي السعيد، وترى تلك الحركة ضرورة تكفير الحاكم، وتعد من أبرز الجماعات السلفية المؤيدة للإخوان والمشاركة في اعتصام رابعة العدوية، ومن أعلامها الشيخ محمد عبدالمقصود الموجود حاليًّا في تركيا.
- السلفية السرورية: تيار سلفي نشأ داخل السعودية خلال العقود الأخيرة أسسه السوري محمد بن سرور زين العابدين، ويخلط التيار السروري بين فكر وحركية جماعة الإخوان المسلمين والأفكار السلفية، ما دفع البعض إلى وصفها على أنها التيار الإخواني داخل المملكة.[13]
- السلفية الجهادية: السلفية الجهادية هي عبارة عن الجماعات السلفية التي أعلت مفهوم الجهاد، وأباحت الخروج على الحاكم الكافر من أجل تحقيق تحقيق حلمهم، ألا وهو إقامة الدولة الإسلامية، ومن أبرز الجماعات التي تعبر عنها تنظيما القاعدة وداعش.
نعود لتساؤلنا في هذا المحور: هل التنوع هنا قصور أم إثراء في المنهج السلفي؟، بالاستعراض السريع السابق يتضح لنا أن التنوع في المدارس السلفية لم يكن إثراءً بل قصورًا في أداء المنهج ذاته، وفي أداء المنتسبين إليه، وذلك للعوامل الآتية:
- فشل المدارس السلفية في التعامل مع مسألة الحاكم الظالم، فالجامية جرمت حتى توجيه النصح للحاكم، في حين أن المدرسة السلفية الجهادية أباحت الخروج على الحاكم.
- التناقض السلفي مع القضايا السياسية: فتيار الدعوة السلفية على سبيل المثال حرم المشاركة في الانتخابات، ورغم ذلك أسس أحزابًا سياسية تشارك في الانتخابات والبرلمان.
- الاختراق من قِبَل الجماعات الإسلاموية الأخرى: تعاني الجماعات السلفية من الاختراق، فمثلًا نجحت جماعة الإخوان المسلمين في اختراق تيار السلفية الحركية، واستخدامه ضد تيار الدعوة السلفية، كما جندت تيار السلفية السرورية ضد السلفية الجامية في السعودية.
[1] فكرة العودة للأصول (الأصولية) ليست مقتصرة فقط على الدين الإسلامي، فكل الحضارات الإنسانية التي تعاني من بعض التذبذب والانحدار يلجأ أتباعها سريعا إلى تبني رؤى وأطروحات أصولية من استعادة الحضارة المفقودة، فالمسيحيون على سبيل المثال في العصور الوسطى تبنوا رؤي أصولية متطرفة من أجل عودة الحضارة المسيحية وشنوا العديد من الحروب الدينية ضد المسلمين واليهود، كما أن الدول القومية كانت تلجأ هي الأخر لتبني صيغ أصولية متشددة من إحياء ميراثها الحضاري المفقود، فإيطاليا في عهد موسيليني تبنت الفاشية التي تقوم على ضرورة استعادة الحضارة الرومانية القديمة وسيطرتها على منطقة البحر المتوسط.
[2] ـ أقوال العلماء في تعريف السلفية وحكم التسمي بها، شبكة الإمام الآجري، متاح على الرابط التالي :
http://www.ajurry.com/vb/showthread.php?t=43001
[3] ـ نفسه.
[4] ـ تعريف السلفيه للشيخ العلامه محمد بن صالح العثمين، متاح على الرابط :
[5] ـ ما هي السلفية ؟ ، موقع طريق الإسلام، 9/1/2012، متاح على الرابط التالي:
https://ar.islamway.net/spotlight/810/ما-هي-السلفية
[6] ـ محمد عمارة، السلفية (تونس : دار المعارف للطباعة والنشر)، متاح على
https://docs.google.com/file/d/0B4tdKbWs3AxXakJLMjdYeTRpV2c/edit
[7] ـ مصطفى حلمي، قواعد المنهج السلفي في الفكر الإسلامي : بحوث في العقيدة الإسلامية (بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولي، 2005) ص ص 159 ـ 163.
[8] ـ المرجع السابق، ص ص 165 ـ 168.
[9] ـ موقع الجماعة متاح على الرابط التالي: http://www.ansaralsonna.com/web/pageother-659.html
[10] . موقع الجمعية، متاح على الرابط : http://alshareyah.com/من-نحن
[11] . الدعوة السلفية بالإسكندرية.. النشأة التاريخية وأهم الملامح(1)، متاح على الرابط :
http://www.maganin.com/content.asp?contentid=18566
[12] . المَداخِلة.. ولاء للسلطة وحرب على التيارات الإسلامية، الجزيرة نت، متاح على الرابط :
www.aljazeera.net/encyclopedia/.../المداخلة-ولاء-للسلطة-وحرب-على-التيارات-الإسلامي...
[13] . الشيخ سرور زين العابدين والسلفية الحركية، عين المدينة، متاح على الرابط :





