ad a b
ad ad ad

كيف دشَّن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين لقدسية عودة نظام «الخلافة»؟

الخميس 30/أغسطس/2018 - 01:55 م
عماد علي
عماد علي
«عماد علي»
طباعة
أحد الشباب المنشقين عن التنظيم «عماد علي» يكتب:
                  كيف دشَّن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين لقدسية عودة نظام «الخلافة»؟


الإخوان
الإخوان
ظهرت جماعة الإخوان المسلمين بمصر في فترة حساسة من عمر الأمة الإسلامية، والتي كان سقوط الخلافة العثمانية أحد أهم ملامحها، وكان ذلك في العام 1924، الأمر الذي مثل للعديد من أبناء الأمة صدمة كبيرة حينها؛ إذ إن الخلافة تحمل في نظرهم بعدًا دينيًّا وليست مجرد شكل أو نظام للحكم.

وبين مؤيدين لسقوطها وحالمين برجوعها كان ذلك الشاب «حسن البنا» البالغ من العمر حينها ثمانية عشر عامًا، والذي ظلَّ يتردد كثيرًا على المجالس التي تجمع علماء الأزهر ومشايخه ليستنهض هممهم نحو بذل الجهد لعودة الخلافة، وظلَّ على مدار أربع سنوات يفكر ويعمل حتى أنشأ جماعة الإخوان في العام 1928 كخطوة أولى لتحقيق هدفه عبر سبع مراحل وضعها تبدأ بإعداد الفرد المسلم ثم الأسرة المسلمة ثم المجتمع المسلم ثم الحكومة المسلمة ثم خطوة تحرير الأوطان الإسلامية ثم إقامة الخلافة ثم الوصول للمرحلة الأخيرة والتي وصفها بأستاذية العالم.


البنا
البنا
ويتحدث «البنا» كثيرًا عن الخلافة والحكم في العديد من المواضع في رسائله الموجهة لعموم الإخوان باعتبارهما واجبًا دينيًّا لابد من القيام به، فيقول إن «الحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول لا من الفقهيات والفروع»، مخالفًا بذلك رأي أهل السنة في نظرتهم للحكم، ويرى أن استعادة نموذج الحكم بشكله الذي كان عليه في صدر الإسلام أمر واجب؛ حيث يقول في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان «الإخوان المسلمون والخلافة» ما يلي: «الإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم»، ويؤكد أن هذا بناء على نصوص دينية فيقول: «والأحاديث التي وردت في وجوب نصب الإمام، وبيان أحكام الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها، لا تدع مجالًا للشكِّ في أن من واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن منهاجها ثم ألغيت بتاتًا إلى الآن». 

كما يرى أن الخليفة يتوقف على وجوده تنفيذ الكثير من أحكام الشريعة فيقول: «والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله»، بل يرى أنه ظِلُّ الله في الأرض، حيث يقول: «حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنه الاجتماع على الإمام الذي هو واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظِلُّ الله في الأرض».

وذلك السعي من الإخوان لاستعادة الخلافة دافعه الأول والرئيس هو نص ديني متمثلًا في حديث نبوي يُقَسِّم فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم عمر الأمة الإسلامية، منذ بعثته إلى خمس مراحل؛ تبدأ بالنبوة، ثم خلافة راشدة، ثم ملكًا عضوضًا، ثم ملكًا جبريًّا، ثم خلافة على منهاج النبوة، وعلى ذلك تسير الجماعة بيقين نحو هذا الهدف متخيلين أنه سوف يعود المسلمون على ذلك الشكل الذي كان أيام الخلافة الراشدة، حيث حاكم واحد يُسَمَّى الخليفة تنضوي تحته كل الدول الإسلامية.

وهكذا فقد احتلت الخلافة في نفوس الإخوان مساحة كبيرة، ومَثَّل لهم حلم الخلافة طوق النجاة الذي يرون فيه المخرج من كلِّ الأزمات والمشكلات التي تقع فيها الأمة الإسلامية، فوفق رؤيتهم أن تقدم المسلمين وعلو شأنهم متوقف على استعادة شكل معين للحكم كان موجودًا في زمن ماضٍ، ونسوا أنه وفقًا للحديث الذي يستندون إليه أن فترتي الملك العضوض والملك الجبري كان شكل الحكم فيهما هو ذات شكل الحكم أيام الخلافة الراشدة، فالعبرة إذن ليست بشكل معين للحكم ولكن بقيامه على أُسُس قيمية وأخلاقية من خلالهما يتحقق العدل ومصلحة الشعوب.

وبسبب الجمود الفكري الذي أصاب الإخوان، والذي نتج عن نظرتهم لتراث «البنا» وآرائه نظرة تقديس منعتهم من مجرد إعادة النظر فيما قاله؛ فإنهم لم ينتبهوا لما جرى في بحر الفكر الإسلامي الراكد من اجتهادات قدمت أطروحات مختلفة للعديد من القضايا، ومن ضمنها موضوع الخلافة؛ إذ يرى البعض من العلماء أن السياسة من أمور العادات وليس العبادات، وأن الإسلام لم يأت بنظام معين للحكم، وأن شكل الحكم في زمن الخلافة الراشدة كان اجتهادًا لعصره، وأننا لسنا ملزمين به، وأن هذا النموذج المراد استعادته لم يتحقق تاريخيًّا إلا في عهد أبي بكر وعمر، بل أكثر من ذلك هناك من يرى في الحديث النبوي السابق الذي تستند إليه الجماعات الإسلامية أنه حديث ضعيف، ومن شرحه من الأقدمين اعتبر أن موضوعه انتهى بخلافة عمر بن عبدالعزيز، ومنهم من قال إنه صيغ للتقرب من الخليفة عمر بن عبدالعزيز وهذا ما ذكره د. جاسم سلطان في كتابه «أزمة التنظيمات الإسلامية» نقلًا عن د. خالد الحايك.

إن الواقع اليوم أشد تعقيدًا في كل شيء، ولابد أن تُدرك تلك الجماعات أن هذا النموذج الذي تسعى إليه والذي لم يدم سوى نحو ثلاثين عامًا من تاريخ الأمة الإسلامية هو مجرد «يوتوبيا» (المدينة الفاضلة) لن يتحقق في الواقع، وليس مطلوبًا كهدف في حدِّ ذاته، وعليها أن تدرك أيضًا أن من الأسباب الرئيسية للصدامات المتكررة التي تدخل فيها تلك الجماعات على طول تاريخها هو أن هدفها الرئيسي ومشروعها الذي تقوم عليه هو هدف غير منطقي؛ ولذا لا تجني ثمار ما تقوم به، فلم تحقق جماعة الإخوان التي تعد أكبر وأقدم جماعة إسلامية هدفها رغم نشاطها منذ تسعين عامًا.

إن الحُلم الذي به حشدت جماعة الإخوان وباقي الجماعات الشباب لابد أن يأتي يوم تمتلك فيه من الشجاعة ما يمكنها من مراجعته والنظر فيه مرة أخرى؛ اتقاء لمزيد من الأزمات والصدامات.

للمزيد:

"