ad a b
ad ad ad

إيران.. تسخير «التشيع» في سبيل «التوسع» (3-3)

الثلاثاء 14/أغسطس/2018 - 08:37 م
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة

تدعي إيران دعمها المستضعفين في العالم، وقد ضمنت ذلك صراحة في المادة 154 من الدستور، التي تشير إلى أن جمهورية إيران الإسلامية تعتبر «سعادة الإنسان في المجتمع البشري كله، قضيةً مقدسة لها، وتعتبر الاستقلال والحرية وإقامة حكومة الحق والعدل، حقَّا لجميع الناس في أرجاء العالم كافة، وعليه فإن جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي نقطةٍ من العالم، وفي الوقت نفسه، لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».

إيران.. تسخير «التشيع»

ورغم ذلك، لم تضع إيران آليات محددة لتعريف المستضعفين، ما يعني أنها تركت الباب مفتوحًا لتبرير تدخلاتها الخارجية في شؤون الدول المحيطة، وقد هدفت إيران من ذلك لإضفاء الأخلاقية على سياساتها الخارجية، دون أن تتمكن من تحقيق ذلك فعليًّا على الأرض بسبب تضارب مصالحها السياسية مع الصورة المثالية التي تحاول إبرازها في خطابها السياسي، وبدا ذلك جليًّا في الخطاب الإيراني الداعم لثورات الربيع العربي انطلاقًا من رغبتها في تكوين علاقات مع الأنظمة السياسية في مرحلة ما بعد الربيع العربي.


وفي ذات الوقت، حتمت المصالح الإيرانية تقديم الدعم للنظام السوري ضد المعارضة المسلحة وحركتها الإحتجاجية انطلاقًا من رغبتها في الحفاظ علي ما يُطلق عليه "محور الممانعة" الذي تُشكل فيه سوريا الحلقة الوسطي بين ايران وحزب الله اللبناني، ما يعني أن ايران قدمت مصالحها الجيوستراتيجية على التطلعات الشعبية السورية.


وكانت إيران دعمت ما عرف بالربيع العربي أملًا في اتخاذ حكوماته لاحقًا مسارًا مناوئًا للغرب، ما يضعهما معًا في جانب واحد قد يسهم في زيادة أفق التعاون بينهما لاحقًا، وسعت لاستثمار الحركة الشعبية العربية من أجل تحسين صورة ثورتها؛ حيث ادعت أن الربيع العربي جاء استكمالًا لمسيرة الثورة الإيرانية التي مثلت البداية نحو تحقيق ما سمَّته بـ«الصحوة الإسلامية»، تكشف هذه الرؤية تجاهل إيران المتعمد للتوجه الشعبي الطاغي للحركة الاحتجاجية العربية لتحسين الأوضاع المعيشية وليس لتحقيق غايات دينية مثلى.


وتبرهن أفعال ايران الحقيقية في سوريا تناقض خطابها الإسلامي الشمولي مع طائفية فعلها على أرض الواقع؛ حيث تدعي إيران دعم المستضعفين، وفي الوقت نفسه تقوم بجرائم إبادة وتغيير ديموجرافي للبنية السكانية في سوريا، من خلال عمليات تهجير قسرية للسكان تحت تهديد السلاح، قبل أن تقوم بإحلال الشيعة محلهم، وقد تحقق ذلك في حلب الشرقية في 2016 وفي الغوطة الشرقية في 2018.

إيران.. تسخير «التشيع»

الدفاع عن القدس

تستخدم إيران دومًا قضية «القدس» كوسيلة لتعميق فاعلية قوتها الناعمة في المنطقة الهادفة إلى استمالة الميول السياسية العربية التي تضع نفسها على الجانب الآخر من إسرائيل، إضافة إلى إحكام سيطرتها على الشيعة العرب، مع تعبئة النزعة الجهادية في نفوس الإسلامويين، بما يضمن لها إقامة أنماط تعاونية ذات بعد استغلالي؛ حيث تمد التنظيمات المتطرفة بالسلاح لتستخدم ذلك كورقة تفاوض مع الغرب.


وفي هذا السياق، تعمل إيران على استغلال أي تطورات خاصة بالقضية الفلسطينية لترسيخ مكانتها في المنطقة، وهو ما ظهر عقب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس كعاصمة لإسرائيل في ديسمبر 2017؛ حيث خرج المسؤولون الإيرانيون بتصريحات شديدة النقد لإسرائيل، واعتبروا ذلك بداية لانتفاضة جديدة قد تؤدي إلى زوال إسرائيل.


كما تعمّد الحرس الثوري الإيراني بعد انتهاء الحرب مع العراق، في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، لإنشاء فيلق باسم «القدس» في عام 1991، ليتمكن به من ممارسة أنشطة عدوانية ضد دول الجوار تحت شعار تحرير القدس، وقد تبعته في ذلك الميليشيات الشيعية الموالية له في المنطقة؛ حيث أعلن حزب الله في 2015 على لسان أمينه العام حسن نصرالله بأن القتال في سوريا يصب في صالح تحرير القدس، ورغم قيام الحزب بقتل السوريين في مناطق عدة أبرزها الزبداني الواقعة في ريف العاصمة السورية دمشق، إلا أنه لم يحاول القيام بشن أي هجوم على إسرائيل لتحرير القدس كما يدعي، ما يكشف استخدام الحزب لشعارات دينية لتبرير تدخله العسكري في سوريا.


ويلاحظ أن مستوى الدعم الذى تقدمه إيران للقضية الفلسطينية يتسم بالمحدودية أمام ما تقدمه لميليشياتها في المنطقة من أجل إسقاط الأنظمة الخليجية، التي تعتبرها العقبة الأهم أمام تمددها الطائفي في المنطقة، وتعتمد إيران الدعم الإعلامي كوسيلة لفرض نفسها على الساحة الإقليمية بالتوازى مع دعمها للمليشيات في غزة.


ونستدل على ذلك بمقارنة حجم العمليات الإرهابية التي تقف وراءها إيران في كل من الخليج وإسرائيل؛ حيت نجد أن العمليات في الخليج عديدة وتستهدف تحديدًا السعودية والبحرين والكويت، في حين أن التهديدات الإيرانية على إسرائيل لا تكاد تذكر، باستثناء بعض الحالات، التي تستخدمها إيران وسيلة لإضفاء المصداقية على خطابها السياسي.


ومن هذه الحالات المحدودة، قيام إيران بتجنيد خلية تابعة لها في الضفة الغربية، قبل أن تقوم إسرائيل بالقبض عليها في يناير 2018، إضافة إلى محاولة إيران ممارسة نشاطًا تجسسيًّا على إسرائيل في الجولان المحتل، في فبراير من العام الحالي، من خلال طائرة بدون طيار أسقطتها إسرائيل لاحقًا.

إيران.. تسخير «التشيع»

وختامًا، يمكننا أن نقول إنه رغم بعض الانتصارات التي حققتها إيران في المنطقة من خلال تكثيف وجودها العسكري في سوريا والعراق إلا أنها فقدت قدرتها على إضفاء الأخلاقية على خطابها السياسي، ما يعني أن فعالية قوتها الناعمة آخذةً في التقلص التدريجي، ولم يعد لها إلا قضية القدس لتحاول من خلالها استعادة ما فقدته بسبب حروبها العدوانية على شعوب المنطقة.


وفي هذا الشأن، يجب على الدول العربية أن تتبنى خطابًا أكثر دعمًا للقضية الفلسطينية، وأشد رفضًا لعملية الاستيطان الهادفة إلى إحداث تغيير ديموغرافي في التركيبة السكانية لمدينة القدس -بهدف إفراغها من سكانها الأصليين وتهويدها- لتتمكن من استعادة الأصوات التي استقطبتها إيران بخطابها النقدي لإسرائيل، فإيران دومًا تُحاول أن تظهر الدول العربية بمظهر المتهاون عن دعم القدس والمتعاون مع إسرائيل.


وفي الإطار نفسه، تستغل إيران القواسم المشتركة التي تجمع الدول العربية بإسرائيل، مثل الموقف من أنشطتها العدوانية في المنطقة، وبرنامجها النووي والموقف من الميليشيات المسلحة في قطاع غزة، لترسخ لفكرة التعاون العربي - الإسرائيلي، ما يمنح مبررًا لعدد من المواطنين العرب بتبني وجهات النظر الإيرانية المصبوغة بعبارات مناوئة للغرب خاصة فيما يتعلق بالقدس.


وليس سرًّا أن إيران تتغذى على الانقسام الفلسطيني، وتستغل حاجة الفصائل المسلحة -التي تتبني فكرة تحرير الأرض بالقوة- لمختلف أنواع الدعم لتظهر نفسها كداعم أول ورئيسي للقضية الفلسطينية، ما يساهم في تحسين صورتها وتفعيل آلياتها الاستقطابية بين الأوساط العربية.


ولهذا، يجب على الدول العربية أن تدفع في تحقيق المصالحة الفلسطينية بأسرع وقت، وتعمل على تمكين كامل للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، لتسلب بذلك أهم مصادر القوة الناعمة لإيران.


ولا يمكننا أن نتجاهل الإصرار الإيراني على تمثيل خطر جدي لدول الخليج، ما يسهم في دفع الأخيرة نحو الغرب لتأمين احتياجاتها الأمنية، وفى أعقاب ذلك، تعمد الأداة الإعلامية لإيران على اظهار دول الخليج خاصة والنظام العربي عامة، بمظهر الضعيف الذي لا يتمتع بأي استقلالية ذاتية في عملية اتخاذ قراره الداخلي، ومن ثم يجد خطابها السياسي الطريق سهلًا أمام استقطابه للكثيرين ممن يدعمون فكرة «ذاتية القرار العربي» للحد من النفوذ الغربي في المنطقة، حيث عملت إيران على استغلال «فجوة الرؤى» في توجهات السياسة الخارجية بين الأنظمة العربية وشعوبها في المنطقة.


كما تمكنت إيران من تطويع علاقاتها المتدهورة مع الغرب لخدمة خطابها السياسي، واستخدمت ذلك كنقطة تهاجم بها الدول العربية، ويفسر ذلك التمدد الإيراني في المنطقة، على حساب دول الخليج المدعومة دوليًا، رغم العزلة الدولية التي فُرضت عليها منذ 2006 نتيجة لبرنامجها النووي.


ولكي تتمكن الدول العربية من تجاوز هذه الرؤية السلبية عليها أن تعمل على تطوير الصناعات الدفاعية بشكل ذاتي، وأن تقلل من اعتماديتها العسكرية على الغرب، إضافة إلى تبنيها خطاب قيادي يعيد للنظام العربي فعاليته المستقلة في مواجهة أي تهديد خارجي.


ويتضمن مواجهة الخطاب الدعائي لإيران ضرورة إنشاء قنوات فضائية هادفة إلي إظهار التناقضات بين ما تروجه إيران وبين ما تفعله على أرض الواقع، حيث تتبني إيران خطاب إسلاميا يبدو ظاهره جامعا لكل الفئات في حين أن أفعالها على الأرض تتسم بطائفية مطلقة، وقد ظهر ذلك بوضوع في سياساتها الطائفية في اليمن حينما حرضت تنظيم الحوثي للقيام بانقلاب عسكري على السلطة اليمنية الشرعية في أغسطس 2014، انطلاقًا من رغبة طائفية بتركيز تهديدها للسعودية.


وفي النهاية، لابد للدول العربية أن تعمل على إنشاء برامج وطنية تهدف لاستثارة النزعة القومية لدى الشيعة العرب بهدف احتوائهم وإبعادهم عن إيران، ويواجه تحقيق هذا التوجه عددًا من العقبات، ومن ثم فقد يستغرق وقتًا طويلًا من أجل إعادة بناء روابط الثقة مرة أخرى بين الطرفين.

 

هوامش

ابراهيم النحاس، الدستور الايراني وتشريع التدخلات الخارجية، https:www.alarabiya.netarsaudi-today20140901%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9.html

 

الجزيرة نت، تناقض إيراني حيال الربيع العربي، http:www.aljazeera.netnewspresstour2013110%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%B6-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A

 

رويترز، إيران: قرار ترامب بشأن القدس سيعجل بدمار إسرائيل، https:ara.reuters.comarticleME_TOPNEWS_MOREidARAKBN1E51AW

 

الخليج العربي أونلاين، المغردون لنصر الله: القدس لا تمر بالزبداني.. وإليك الخريطة، http:alkhaleejonline.netarticles1436559660154720900%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%A5%D9%84%D9%8A%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A9

 

النهار، إسرائيل تعلن اعتقال خلية فلسطينية تعمل لمصلحة إيران، https:www.annahar.comarticle724879-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D9%82%D8%A7%D9%84-%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%84%D9%85%D8%B5%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86

 

زياد الحلبي، اشتباك إيراني إسرائيلي فوق سوريا،..وإسقاط F 16 إسرائيلية، https:www.alarabiya.netararab-and-world20180210%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D8%B3%D9%82%D8%B7-%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84.html

"