يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

أدوات تصدير الثورة الإيرانية في الشرق الأوسط (1-3)

الجمعة 10/أغسطس/2018 - 07:37 م
المرجع
أحمد سامي عبدالفتاح
طباعة
منذ سيطرة رجال الدين على مقاليد الحكم في إيران عقب ثورة 1979، اتبعت طهران سياسة مناوئة تجاه النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب الرفض الغربي للثورة، ولكن أيضا بسبب إدراك نظام ولاية الفقيه أن الدعم الغربي كان سببا رئيسيا في صمود الشاه أمام حركة المعارضة الداخلية التي اندلعت ضده في 1963 ردا على عدد من القوانين التي أصدرتها حكومة الشاه تحت اسم «الثورة البيضاء»، حيث اعتبرتها المعارضة التي قادها رجال الدين أنذاك أنها محاولة لتغريب المجتمع الإيراني وترسيخ العلمانية.


أدوات تصدير الثورة
كما أدرك نظام ولاية الفقيه قيمة الخطاب المناوئ للغرب في تكريس الوحدة الداخلية، ما مكنه لاحقًا من إقصاء الفئات المطالبة بالديمقراطية بدعوى مواجهة المحاولة الغربية لاختراق البنية المجتمعية الإيرانيَّة، وفي سبيل ترسيخ وجوده، انتهج نظام ولاية الفقيه سياسة توسعية فارسية تحت غطاء مذهبي بهدف نقل معاركه إلى الدول المحيطة، ليمثل بذلك أكبر الأضرار لدول المحيط الإقليمي.

وبهدف تحقيق أهدافها التوسعية، اتبعت إيران سياسة متعددة الأبعاد في تصديرها للثورة؛ حيث ركزت على الجانب العسكري الهادف إلى عسكرة الصراعات الداخلية في دول الجوار، مستغلة بذلك تضارب الأولويات بين التوجهات الشعبية والسياسات الحكومية. 

وفي السياق نفسه، اعتمدت إيران خطابًا خارجيًّا مناهضًا للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط، بما يتوافق مع الرغبات الشعبية العربية بهدف استمالة الميول السياسية للعرب السنة، قبل أن يأتي دور الأداة الثقافية أو المذهبية بهدف التأثير علي توجهاتهم الدينية، ما يمهد الطريق لاحقًا لنشر التشييع.

في ضوء ما سبق، تسعى الدراسة إلى التطرق إلى ملامح مشروع إيران السياسي للشرق الأوسط، علاوة على الأدوات المختلفة التي تستخدمها طهران في تحقيقه، فضلًا عن مدى التقدم الذي حققته أدوات إيران في المنطقة. 


أدوات تصدير الثورة
ملامح مشروع إيران السياسي للشرق الأوسط

تعامل نظام ولاية الفقيه منذ تأسيسه في نهاية السبعينيات من القرن الماضي مع الشرق الأوسط بصفته عمق استراتيجي له، بل إنه اعتبر وجوده في المنطقة أمرًا حتميًّا وغير قابل للتفاوض لارتباطه الوثيق بالأمن القومي الإيراني. وكأي قوة إمبريالية تسعى إلى اختراق المنظمة العربي، فقد وضعت إيران لنفسها مشروعًا سياسيًّا يعبر عن هويتها الخارجية. وقد تضمن هذا المشروع رؤيتها لأهم قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها يأتي الصراع العربي الإسرائيلي. 

لم تستغرق إيران إلا عامين قبل أن تعترف بدولة إسرائيل في عام 1950؛ إلا أن الظروف تغيرت تمامًا في أعقاب ثورة الملالي في عام 1979، حيث اقتحم المحتجون السفارة الإسرائيلية، واستبدلوا العلم الإسرائيلي بعلم دولة فلسطين.

ومنذ ذلك الحين، لا تعترف إيران بدولة إسرائيل، بل تعتبرها سرطانًا يجري في جسد الأمة، ولابد من استئصاله. ولهذا، تهدد إيران بين الحين والآخر بشن حرب على إسرائيل دون أن تتطور هذه التهديدات إلى أفعال على أرض الواقع.

واتساقًا مع الدعم الإيراني للفلسطينيين، أطلق روح الله الخميني مؤسس نظام ولاية الفقيه دعوة للاحتفاء بالقدس في آخر كل جمعة من شهر رمضان تحت اسم «يوم القدس العالمي» كوسيلة لتعبئة النفوس الإسلامية ضد إسرائيل. ورغم أن مثل هذه الدعوة تحمل في طياتها أبعادًا أخرى مثل محاولة إيران ترسيخ قيادتها للعالم الإسلامي، فإن النظام الإيراني سعى إلى استخدام الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس وتطويعه بما يخدم صالحه الخاص من خلال تعظيمه للمهددات الخارجية، واستغلالها في قمع الأصوات التحررية في الداخل بهدف ترسيخ وجوده. 


أدوات تصدير الثورة
وعلى صعيد آخر، أنشأت إيران ما يُعرف بـ«فيلق القدس» في بداية التسعينيات من القرن الماضي ليكون أداةً لممارسة النشاط العسكري في دول الجوار تحت غطاء ديني وقومي متمثل في تحرير القدس. 

واتساقًا مع سياستها التمددية التوسعيَّة، تسعى إيران إلى فرض فكرة نظام الولي الفقيه على الدول المجاورة، ما يؤكد أن طهران لا تؤمن بفكرة الحدود الفصلية بين القوميات العرقية المختلفة. وفي هذا الإطار، تعتقد إيران بقدرتها على تشييع السنة في الدول المجاورة وخلق أنظمة حكم شيعية تدين بالولاء للولي الفقيه الحاكم في إيران.

وبعبارة أخرى، تعمل إيران على خلق أنظمة حكم موالية لها وفق رؤية مذهبية شيعية تضمن لها السيادة على مقدرات هذه الدول بغض النظر عن التباعد الجغرافي أو القيود الحدودية المصطنعة. ويمكننا تدعيم ذلك بتصريح الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، حينما صرح بأن طاعة الولي الفقيه بالنسبة له أهم من الدستور اللبناني نفسه، بل ذهب «نصر الله» إلى الاعتراف بأن طاعة الولي الفقيه بالنسبة للحزب بمثابة طاعة الولي المعصوم. ويكشف هذا التصريح فوائد التشييع، فهو يوفر لإيران غطاءً آمنًا للتمدد بسبب فكرة الطاعة العمياء التي يعمل على ترسيخها في أذهان أتباعه. 

ولا يخلو المشروع الإيراني للمنطقة من مواجهة النفوذ الغربي الذي تعتبره عقبة في طريق تمددها في المنطقة، وخصوصًا منطقة شبه الجزيرة العربية. وفي هذا، نجد أن دستور نظام ولاية الفقيه الإيراني، سمح لطهران بالتدخل في شؤون الدول المجاورة تحت بند دعم المستضعفين ومواجهة المستكبرين، وفقًا لنص المادة 154، التي جاء فيها «تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع الإنساني قضية مقدسة بالنسبة لها، وكذلك تعتبر الاستقلال والحرية وقيام حكومة الحق والعدل حقًا لجميع الشعوب في العالم، وعلى هذا فإن الجمهورية الإسلامية في إيران لن تتوانى عن دعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في كل بقعة من بقاع العالم، ومع تمسك الجمهورية الإسلامية، في الوقت نفسعه، بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى بشكل كامل».

ورغم أن المادة قد تحمل في معناها العام تناقضًا بين فكرتي التدخل لدعم المستضعفين، مع احترام الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى، فإن التدقيق اللفظي يؤكد تقنين المادة للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول المجاورة؛ حيث من الملاحظ أن المشرعين قد استخدموا لفظ الشؤون الداخلية للشعوب بدلًا من الشؤون الداخلية للدول، ما يعني أن إيران وضعت خطًا فاصلًا بين الأنظمة الحاكمة لدول المنطقة وبين شعوبها. ويثبت نشاط إيران الخارجي عدم التزامها بهذه المادة، حيث إن الواقع يؤكد تدخل إيران في الشؤون الداخلية لشعوب المنطقة، واعتمادها سياسة تعميق الفرقة بين المكونات المجتمعية للشعوب كوسيلة لإيجاد موطئ قدم لها داخل هذه البلدان، ما يؤكد أن إيران تتغذى على الصراعات الداخلية لدول المنطقة. 

ويمثل مشروع ايران النووي ركيزة أساسية ضمن أبعاد مشروعها السياسي للمنطقة؛ حيث تعتقد إيران أن تمددها العسكري والمذهبي في المنطقة يرتبط بشكل جذري بقدرتها على ردع التهديدات العسكرية الخارجية المتمثلة في دول الجوار الإقليمي، علاوة على القوى الغربية الموجودة عسكريًّا في المنطقة. كما تعتبر إيران أن حصولها على السلاح النووي أمرٌ ضروريٌ في مواجهة السلاح النووي الإسرائيلي. ويتضح ذلك من خلال تصريحات نقلتها جريدة الواشنطن بوست لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في 2015، والتي جاء فيها أن إسرائيل تمتلك 400 قنبلة نووية بما يخالف معاهدة منع الانتشار النووي.

أدوات تصدير الثورة
.....................................
هوامش
....................................
1- نبيل عودة، ايران والقضية الفلسطينية: زمن الشاه محمد رضا بلهوي، https:www.noonpost.orgcontent11455
2- العربية نت، نصرالله: مكانة الولي الفقيه فوق الدستور اللبناني، https:www.alarabiya.netararab-and-world20180313%D9%86%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%8A%D9%87-%D9%81%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A.html
3- Glen Kessler، Iran’s claim that Israel has 400 nuclear weapons، The Washington Post، https:www.washingtonpost.comnewsfact-checkerwp20150501irans-claim-that-israel-has-400-nuclear-weapons?utm_term=.58b6dcb9efc4
"