يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

مسارات معقدة.. كيف يعيق التدخل الإيراني الانتقال السياسي في لبنان؟

الخميس 02/أغسطس/2018 - 05:45 م
المرجع
مرﭬت زكريا
طباعة
ظهر في الآونة الأخيرة العديد من المؤشرات الدالة على تنامي النفوذ الإيراني داخل لبنان؛ ما أدى إلى إعاقة العملية السياسية في بيروت، وتأخير الانتخابات البرلمانية لمدة 9 سنوات، وذلك بالتزامن مع انتشار حالة الفوضى، وعدم الاستقرار داخل معظم الدول العربية، خاصة منذ أحداث 2011.

وتمثلت أنماط التدخل الإيراني في الشأن اللبناني حول الدعم السياسي والعسكري، الذي تقدمه طهران لحزب الله والجماعات الشيعية الأخرى، من خلال التأكيد على أن الحزب أداة رئيسية لتحرير الدولة الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.

لكن في الواقع، ينطلق التدخل الإيراني في بيروت من جوانب سياسية، واقتصادية، وثقافية، بجانب الدينية؛ حيث ترغب من خلالها في تشكيل دولة خاضعة للهيمنة الشيعية، تُلبي مصالح طهران، وتكون بمثابة أداة رئيسية لتعزيز وضع الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط.
مسارات معقدة.. كيف
تعزيز الهيمنة السياسية

برزت حدود التدخل الإيراني في لبنان خلال الانتخابات البرلمانية التي تم انعقادها في السادس من مايو لعام 2018، لاسيما بعد دعم الجمهورية الإسلامية للائتلاف بين (حركة أمل وحزب الله) بالتحالف مع بعض الأحزاب الأخرى بالفوز من خلال الحصول على ما لا يقل عن 67 مقعدًا، أي ما يزيد عن نصف عدد أصوات المجلس الـ 128(1).

حيث انعقدت الانتخابات في عام 2018 بعد مضي 9 سنوات على انتخابات عام 2009 التي أفرزت انقسامات سياسية حادة على الساحة اللبنانية، فكان يفترض أن تستمر ولاية برلمان 2009 لأربعة أعوام ولكن تم تمديدها مرتين، لاعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في: الأزمة السورية وآثارها على الداخل اللبناني، حيث انقسم اللبنانيون إلى فريقين، أحدهما داعم لنظام الأسد يتشكل من تحالف 14 آذار بقيادة تيار المستقبل، والآخر مؤيد يتشكل من تحالف 8 آذار بقيادة «حزب الله» المدعوم إيرانيًّا.

بينما يتعلق الاعتبار الثاني بأزمة الرئاسة اللبنانية، ورفض حزب الله لشخصيات كثيرة كانت مطروحة على الساحة السياسية قبل الرئيس «ميشال عون»، وذلك من خلال آلية الثلث المعطل، وقدرته على تأجيل جلسات المجلس لعدم حضور ممثلي كتلته 43 نائبًا؛ ما أفقد المجلس النصاب القانوني للانعقاد.

في حين يتمحور الاعتبار الثالث حول ضغوط بعض القوى السياسية داخل لبنان، لاسيما تحالف 8 آذار وحزب الله؛ لتعديل القانون الانتخابي الذي جرى العمل به منذ تأسيس الجمهورية اللبنانية عام 1920؛ ما أدى لإصدار قانون جديد في يونيو 2017، وانعكس على الدور القوي لحزب داخل المعادلة اللبنانية(2).

كما أقر بعض الخبراء السياسيين بأن دعم إيران للتكتل الشيعي داخل لبنان، لاسيما حزب الله ينطلق من رغبتها في السيطرة على العواصم العربية ومن بينها بيروت، من أجل تكريس هيمنتها على رأس السلطة، بحيث يكون الداخل اللبناني متوافقًا مع سياسة طهران الإقليمية(3).
مسارات معقدة.. كيف
لبنان في الاستراتيجية الإيرانية

يشهد الدور الإيراني في الشرق الأوسط تحولًا ملحوظًا منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، فسعت طهران لتصدير نموذج الثورة للدول المجاورة، من خلال الأقليات الشيعية في الدول العربية، ولعل أبرز الأمثلة في هذا الصدد يتمثل في «حزب الله» اللبناني، الذي يعد بمثابة أحد أهم أذرع إيران العسكرية في المنطقة.

ومن ناحية أخرى، تحاول طهران تقوية الجبهة الداخلية، وإضفاء مزيد من الشرعية على نظام الجمهورية الإسلامية، خاصةً في ظل الأزمات الأخيرة التي تعانى منها الدولة الإيرانية بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي، عن طريق دعمها للجماعات الشيعية المضطهدة على حد تعبيرهم في المنطقة(4). 

في السياق ذاته، يمثل «حزب الله» أداة إيران الرئيسية داخل الحرب الدائرة في سوريا؛ حيث أعلن بعد اندلاع أحداث الربيع العربي عام 2011 مشاركته في النزاع بجانب قوات الرئيس السوري «بشار الأسد»، ضد الجيش السوري الحر؛ ما أدى لمقتل الملايين، بالإضافة إلى الجرحى والمصابين، ويتضح من ذلك، محاولة إيران من خلال توجيه «حزب الله» للحيلولة دون سقوط نظام الأسد في سوريا. 

نتيجة لما سبق، ارتبط تطور النفوذ الإيراني في لبنان بحالة من عدم الاستقرار التي أصبحت تعانى منها الدول العربية بعد أحداث الربيع العربي وانتشار الجماعات الإرهابية؛ ما ساعدها على إنجاح ترتيباتها في المنطقة، فيما استغلت طهران «حزب الله» من خلال أدواته السياسية، العسكرية والثقافية لدعم الطوائف الشيعية في العالم العربي مثل الحوثيين في اليمن، والشيعة في الكويت، والسعودية، والبحرين.

ومن أجل تحقيق الأهداف الإيرانية في لبنان؛ قام «حزب الله» منذ نشأته بدعم من طهران بمجموعة من الاغتيالات السياسية، وكان أبرزها ما كشف عنه رئيس الوزراء اللبناني السابق «سعد الحريري»، في إطار خطاب استقالته من العاصمة السعودية الرياض عن أكثر من محاولة حكيت لاغتياله.

في السياق ذاته، أشار «الحريري» لما تعرض له والده «رفيق الحريري»، من اغتيال قبل 13 عامًا بالتحديد في فبراير عام 2005، وهو ما يوضح مدى التدخل السافر لـ«ملالي طهران» في شؤون دول الجوار عبر أذرعها وميليشياتها الطائفية(5).
مسارات معقدة.. كيف
أنماط وآليات الدعم الإيراني لـ«حزب الله»

اعتمدت طهران على مجموعة من الآليات السياسية، المالية والعسكرية، الثقافية والإعلامية لدعم «حزب الله»، والتي يمكن تفسيرها على النحو التالي:

سياسيا: تحاول طهران دائمًا دعم «حزب الله» من خلال التأكيد على أنه حركة مقاومة معنية في المقام الأول بتحرير الدولة الفلسطينية ومواجهة الصهيونية. 

لكن تحول الأمر فيما بعد من مجرد حركة مقاومة عسكرية إلى السعي نحو أن يكون بمثابة فاعل رئيسي في الحياة السياسية اللبنانية، عن طريق المشاركة في الانتخابات، وهو ما ظهر خلال الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان والفترة التي سبقتها، من عرقلة حزب الله لعملية الانتقال السياسي، وعندما انعقدت الانتخابات، فاز بالنسبة الأكبر من الأصوات، عن طريق التحالف مع «حركة أمل» الشيعية وبعض التيارات الأخرى، كما ساندت طهران حزب الله ضد القرارات الأمريكية التي دائمًا ما تصفه بكونه جماعة إرهابية (6). 

ماليًّا وعسكريًّا: أفادت عدة تقارير بأن إيران ضاعفت حجم الدعم المالي المقدم لحزب الله ليبلغ حوالي 800 مليون دولار أمريكي، لكن تأرجح هذا المبلغ على مدى فترات زمنية متباعدة، ويرجع ذلك لنظام العقوبات الذي فرضته واشنطن والأمم المتحدة عليها، على خلفية برنامجها النووي، ومن المتحمل أن ينخفض هذا الدعم خلال الفترة الحالية؛ نتيجة الاحتجاجات الإيرانية المتكررة، والمطالبة بتكثيف الدعم المالي للداخل، والكف عن التدخل في المنطقة. 

في حين تسهم طهران على المستوى العسكري في تدريب ميليشيات حزب الله، وإمدادها بالسلاح، من خلال التنسيق بين الجانب السوري والحرس الثوري، التي يستخدمها فيما بعد لتحقيق أهداف الجمهورية الإسلامية في المنطقة، ظهر ذلك في فبراير 2016 عندما اتهمت الحكومة اليمنية حزب الله بتدريب الذراع الإيرانية في اليمن «ميليشيا الحوثي»؛ ما أدى لقيام حرب هي الأوسع في تاريخ اليمن عن طريق الانقلاب على السلطة الشرعية بالتحالف مع الرئيس السابق «علي عبدالله صالح» (7). 

إعلاميًا وثقافيًا: تقدم طهران دعمًا ماليًّا كبيرًا للقنوات والصحف اللبنانية؛ من أجل السعي لنشر الثقافة الإيرانية، ومبادئ الإمام الخُميني، والترويج للمذهب الشيعي في لبنان، ومساندة سياسات حزب الله، فهناك العديد من القنوات اللبنانية التابعة لإيران مثل؛ قناة العالم، والمنار (لسان حال حزب الله)، وقناة الميادين، فضلًا عن مجموعة من الصحف أهمها؛ السفير والأخبار.

استغلت إيران الفضاء الإعلامي المفتوح في لبنان وغياب الرقابة الفعلية على محتوى المادة المقدمة لتنشئ شبكة إعلامية واسعة تضم محطات فضائية وأخرى أرضية، بالإضافة لصحف مطبوعة وإلكترونية، ومن الجدير بالذكر أن هذا التوغل الإعلامي الإيراني في لبنان حدث بعد حرب يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وازداد الوضع سوءًا بعد الأزمة السورية(8).

ختامًا: سوف تستمر إيران في زيادة توغلها داخل العواصم العربية، لاسيما بعد خروج الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» من الاتفاق النووي، ورغبتها في إظهار مدى قوة نفوذها وقدرتها على الإضرار بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصةً بعد التوافق الروسي الإسرائيلي حول ضرورة إخراجها من سوريا، ومن هنا تعد لبنان هي البديل الآمن.
مسارات معقدة.. كيف
الهوامش: 
1. نتائج أولية: حزب الله وحلفاؤه يحصدون أكثر من نصف مقاعد البرلمان اللبناني، أورويو نيوز، 752018، الرابط. 
2. الانتخابات النيابية اللبنانية 2018: الدلالات والنتائج، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 952018، الرابط.
3. الانتخابات التشريعية اللبنانية: حزب الله أكبر الفائزين وتراجع كبير لكتلة الحريري، فرانس 24، 852018، الرابط. 
4. إبراهيم منشاوي، الأبعاد والتداعيات: النفوذ الإيراني في لبنان، المركز العربي للبحوث والدراسات، 1532016، الرابط. 
5. الدور الإيراني في المعادلة اللبنانية: المؤشرات والدلالات، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 1622016، الرابط. 
6. سامح جاد، حزب الله ذراع إيران... تاريخ من الاغتيالات في لبنان، العين الإخبارية، 4112017، الرابط.
7. محمد عبدالعاطي، حزب الله: النشأة والتطور، الجزيرة. نت، 3102017، الرابط. 
8. حزب الله والحوثيون: دعم وإسناد متعدد الأوجه والمجالات، الخليج أونلاين، 2352017، الرابط.
"