يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

مصير غامض ينتظر «القاعدة».. صراعات داخلية وانشقاقات خارجية

الثلاثاء 24/يوليو/2018 - 03:14 م
المرجع
• د - فريد خان
طباعة
في ظل عدم وجود القيادة والتلميح بتولي «بن لادن» الابن زعامة تنظيم القاعدة الإرهابي، فالمتوقع أن يشهد تنظيم القاعدة، سواء في أفغانستان أو الجبهات الأخرى، وتحديدًا في سوريا واليمن والمغرب العربي، انقسامات في حال تطورت الخلافات على منصب قائد التنظيم؛ لأن الخلافات قد تصل إلى توليد تنظيمات أخرى منشقة عنه.

مؤخرًا تزايد الحديث عن انزواء وتلاشي تنظيم «داعش» وانحسار نفوذه وخسارته لجغرافيا كان يدعي أنها دولته وخلافته المزعومة، وبذلك فقد تحطم نموذجه المتوحش، وقد تكون هذه الفرضية الأكثر رواجًا، لكن «داعش» ليس تنظيمًا واضحًا يمكن القضاء عليه، إضافة إلى أنه ليس دولة ذات معالم حقيقية حتى يمكن إلزامها بضرورة احترام القوانين الدولية، وإنما هو أيديولوجية هجينة تغذيها أفكار عدائية متطرفة إرهابية.
 
لذلك فإن المراهنة على أن أفول «داعش» ستؤدي بالضرورة إلى إنهاء الحرب على الإرهاب، يبدو مبالغًا فيه كثيرًا، ولا يمكن التسليم بهذا، لأنه قد يفرخ جماعات ارهابية جديدة، ربما نراها أو لا نراها، لكننا بالتأكيد سنعاني من إجرامها وإرهابها بسبب أفكارها، وبسبب تآمر الدول الداعمة لها (1).

التنافس والصراع بين الجماعات الإرهابية- وعلى رأسها «داعش» و«القاعدة»- أصبح على المكشوف، وبتمويل غير محدود وغير إنسانى من دول وأجهزة استخبارات، تسعى إلى الفوضى ولا تستقيم مصالحها إلَّا من خلالها. 

والنزاع حول من يقود من بين الكيانات المتطرفة، ليس بعيدًا كما يظن البعض؛ لأن نتائجه تظل عابرة للحدود والبحار والمحيطات، وحتمًا ستصلنا إن آجلًا أو عاجلًا، فالوطن العربي يعيش الأمرين بسبب الإرهاب منذ سنوات، خاصة في أعقاب انهيار مشروع الحكم الإخوانى المتطرف على ضفاف النيل، ورغم كل النجاحات الأمنية والعسكرية فى شد لجام قوى العنف الدينى، فإن فقه الدم قد صار ذا صبغة عالمية.
مصير غامض ينتظر «القاعدة»..
تباين الاستراتيجيات وخلافات أيديولوجية 
عندما ظهر «داعش»، الوجه الجديد للتطرف، بدأت الملامح تُشكل انقسامات وخلافات في تنظيم القاعدة، الذي وَلَّد هذه الجماعات، والتي باتت تستقطب المزيد من الإرهابيين والمرتزقة والمجرمين ومن يبحث عن الجهاد، إضافة إلى اعتماد هذه الجماعة الإرهابية بشكل متنامٍ على مصادر تمويل ودعم منفصلة وفرتها لها دول سعت لإشعال المنطقة بالحروب والفوضى كقطر وتركيا وايران، ما سهَّل انفصالها وقيامها بالعمل لوحدها دون أخذ الأوامر أو المشورة من التنظيم الأم(2).

وتأثر المتطرفون من أتباع الحركات الإسلامية بالكيان الجديد، والذي ينتهج عملًا أكثر عنفًا ودموية، بعد أن فقد الجيل القديم من «القاعدة»، السيطرة على إدارة التنظيمات الجهادية المتطرفة في العالم، بسبب فقدان أيمن الظواهرى، زعيم التنظيم الحالي الكاريزما، التي كان يمتلكها الزعيم السابق أسامة بن لادن.

نتج عن الصراع والخلاف بين «داعش» و«القاعدة»، تباين في استراتيجية العمل، وخلافات في أيديولوجية التعاطي في كثير من القضايا، ما أحدث هزة كبيرة في العالم الجهادي، والذي ما لبث أن توالت فيه الانشقاقات عن التنظيم الأم باتجاه «داعش» ومبايعة «أبوبكر البغدادي»، فسيطر «داعش» على «الموصل» في التاسع من يوليو 2013، كبرهان عملي على جدارة التمرد على التنظيم الأم، وليكون أيضًا بمثابة ميلاد جديد لتنظيم يوازي «القاعدة» في المنطقة العربية.

والسقوط المفاجئ لثاني كبريات مدن العراق أحال الذاكرة إلى ضرب برجي التجارة العالميين في نيويورك عام 2001، فالحدث العراقي تجاوزت أصداؤه النطاق الإقليمي إلى العالمي كأحداث سبتمبر(3).

حيث كان الظهور الفعلي للخلاف الدائر بين أشد تنظيمين إرهابيين في أبريل 2013 عندما أعلن التنظيم اسمه الجديد الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، وضم جبهة النصرة في سوريا، وهو ما رفضه زعيم القاعدة أيمن الظواهري، ليبدأ صراع عنيف بين الجانبين، فقد اتهم البغدادي الظواهري بارتكاب مخالفات شرعية، وتفاقم الخلاف ليتحول إلى قطيعة حادة بين الطرفين، كال فيها التنظيم الانتقادات الحادة للظواهري ووصفه بـ«الانحراف عن نهج الصواب»، فيما كان الإعجاب بما حققه «داعش» على الأرض في أوساط الحركات الإسلامية.

خاصة عندما اختاروا التوسع والتمدد فقد أحرجوا وهمشوا القاعدة؛ خاصة بعد تطلعهم لتكوين دولة واختيارهم استراتيجية المواجهة وكأنهم يشيرون إلى أن أولوية المبايعة والتبعية تكون لهم وليس لأيمن الظواهري"، وهنا تكونت قناعة لدى قيادات تنظيم «داعش» وهي وصولهم بالجهاد إلى غايته التي تنتهي بتكوين دولة الخلافة المزعومة.

ذاع صيت «داعش» من خلال انتصارات متوحشة على الأرض تعدت كل خطوط الجرائم الإنسانية، ما سحب البساط بشدة من القاعدة كتنظيم مركزي، ولم يعد له صدى إلَّا في بعض فروعه المهمة في اليمن وبلاد المغرب والصحراء الأفريقية جنوبها، بيد أن جيوش الذئاب المنفردة، وإن كانت أصلها قاعدي فولاءاتها، ومن ثم ضرباتها الموجهة التي أدمت العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، انحازت لـ«أبوبكر البغدادي».

تعددت الأحداث التي أحالت القاعدة على شبه التقاعد والابتعاد عن المشهد العالمي بسبب الوجود والانتشار الداعشي، بيد أن «القاعدة» اعتمد على مبدأ الراصد للأمور من خلال انتظار أي زلة أو خلل في مسيرة «داعش» كما استغل انشغال المجتمع الدولي بمحاربة منافسه بدأ بإعادة بناء قدراته في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية (4).

• عودة «القاعدة» وتجديد سرديته الإعلامية
مع كل التغيرات والأحداث لم يعد الحديث عن كيف نشأ «داعش» أو كيف تمدد نفوذه مهمًّا بقدر أهمية مستقبل التنظيم بعد الضربات الموجعة التي تلقاها دوليًّا فلقد مهّد أفول القاعدة في نهاية العقد الأول من القرن الجاري إلى وصول «داعش»، الذي استطاع السيطرة على أراضٍ شاسعة من العراق وسوريا، ومن ثم فقد اجتاز مرحلة القاعدة في استهداف العدو البعيد بعمليات كر وفر وضرب المصالح الأمريكية هنا وهناك إلى مرحلة بناء التنظيم العالمي، ما تطلب تحالفًا عالميًّا لإنهائه بشكله الحالي، لكن يبدو أن مجريات الأحداث تتجه إلى تبادل أدوار محتملة بين التنظيمين.

مشاكل وانشقاقات كبيرة وهزائم وخسائر متكررة؛ تلك التي لحقت بتنظيم القاعدة، الذي فقد الكثير من قادته وزعمائه في الفترة السابقة، ومنهم زعيم التنظيم أسامة بن لادن والذي أسهم اغتياله في إضعاف قدرة التنظيم القتالية بعد أن أصبح يفتقر إلى وجود قيادة موحدة، يضاف إلى ذلك التعرف على بعض أهم أسرار وخطط هذا التنظيم وقادته بعد الاستيلاء على العديد من الوثائق المهمة التي كانت بحوزة ابن لادن(5).
مصير غامض ينتظر «القاعدة»..
مبدأ الراصد الذي انتهجه تنظيم القاعدة سمح للتنظيم أن يستغل تركيز التحالف الدولي على مواجهة «داعش» ليقوي صفوفه في ليبيا وسوريا واليمن والصومال وباكستان وأفغانستان خلال عام 2016 وقدَّم نفسه باعتباره «البديل المعتدل» لداعش، ومن المرجح أن يستمر في هذا النهج ما يستوجب التنبه لذلك ومواجهته قبل أن يتزايد خطره.

قد تختلف إستراتيجية القاعدة عن غيره من التنظيمات، فهو يركز على تقوية وتسليح الفروع المحلية والشركاء بدلًا من تنفيذ هجمات كبيرة في الخارج، وهذا يعني أنه لم يعد يصلح الحكم على واقع تنظيم القاعدة وفعاليته بالنظر فقط إلى الهجمات الناجحة، بل من خلال رصد التقدم في إعداد الحركات الإرهابية الإقليمية المنضوية تحت مظلته لخوض حرب طويلة ضد عدوه البعيد، وهو الغرب، وعدوه القريب المتمثل في الحكومات المتحالفة مع الغرب، حسب زعمه.

ولم يعد تنظيم القاعدة ينفذ هجمات مباشرة تهدف إلى إغراء الغرب بمزيد من الانخراط في حرب مباشرة، فهذه الهجمات لم تعد ملحة؛ لأن القوات الأمريكية، وقوات التحالف الدولي ضد الإرهاب أصبحت بالفعل موجودة في أماكن يتمركز بها التنظيم، فالحديث عن قوة القاعدة من خلال دراسة إمكانياته وقدراته على إعداد وتجهيز وتسليح تنظيمات تتبنى أيديولوجيته يكشف أن تأثير تنظيم القاعدة ازداد شراسة على الرغم من الضغط الشديد الذي تعرض له طيلة الخمس عشرة سنة الماضية (6).

«القاعدة» تحت قيادة أيمن الظواهري يستفيد من الأحداث والثغرات الدولية فينتهج استراتيجية ماكرة ومرنة وانتهازية، حيث يحاول الاستفادة من ثغرات السياسات الدولية – التي تركز على مواجهة تنظيم داعش وإجهاض تهديداته، فضلًا عن الغموض الذي يكتنف مناطق الصراع الملتهبة في سوريا والعراق واليمن وليبيا – لترسيخ أقدامه في تلك المناطق وخلق قواعد قوية يمكن استخدامها لتنفيذ هجمات مستقبلية.

الاشكالية التي أثبتت خطورتها هى التركيز على تنظيم داعش فقط وتجاهل التنظيمات والجماعات المتطرفة الأخرى في المنطقة، ففي حين تستهدف الحملات الدولية تنظيم داعش، يتوارى تنظيم القاعدة عن الأنظار تمهيدًا لظهوره من جديد، حيث يحاول التنظيم إعادة لمِّ شتاته على عدة جبهات، اجتماعيَّة وسياسيَّة وعسكريَّة، وهو أمر ليس بالمُفاجئ، فتنظيم القاعدة والجماعات التابعة له كالحرباء يتسم بسهولة التخفي والتكيف مع الظروف المحيطة به(7).

إن هزيمة تنظيم «داعش» وانسحابه من العراق وبالذات خروجه المذل من «الموصل» على وقع ضربات التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والحصار المفروض عليه من التحالف الدولي، وتناقص قدراته القتالية والمادية والإعلامية وقدرته على الحشد والتجنيد، كل ذلك يحمل في طياته نهاية مشروع «الخلافة الداعشية» كمشروع عنيف استهدف الدول والحكومات العربية والإسلامية وسعى إلى هدم الدول وإقامة الكيان الداعشي على أنقاضها.

إن فشل «داعش» وانحساره، وانهيار مشروعه «الأيديولوجي» لدى أوساط التيارات المتطرفة والعنيفة قد يدفع العديد من العناصر المتطرفة والتكفيرية إلى تغيير الوجهة نحو تنظيم «القاعدة» كمشروع بديل استطاع أن يصمد لسنوات عديدة أمام الملاحقات الدولية التي استهدفته، ورغم تراجع قوته وقدرته في السنوات القليلة الماضية لصالح التنظيمات المتطرفة الأخرى، فإنه تمكَّن من البقاء والحفاظ على العديد من الروابط والصلات القوية مع التنظيمات المتطرفة الأخرى كحركة طالبان في باكستان وحركة الشباب الصومالي، ومن المتوقع أن يستفيد «القاعدة» من هزيمة المشروع الداعشي في المنطقة.

وبتأكيد فرضية انهيار وتراجع مشروع «داعش» لصالح مشروع «القاعدة» فهذا يعني ضمنيًّا تفضيل استراتيجية «العدو البعيد» التي يتبناها القاعدة، والتي تعني معاداة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الخارج، واستهداف مصالحهم ورعاياهم، عن استراتيجية «العدو القريب» التي يؤمن بها «داعش» والتي تعني استهداف الدول العربية والإسلامية في المنطقة باعتبارها العدو القريب(8).
مصير غامض ينتظر «القاعدة»..
• «القاعدة».. أزمة القيادة الكاريزمية 
افتقار «القاعدة» للقيادات الكاريزمية كان سببًا في إشعال الصراعات الداخلية، وزاد من حدة الانشقاقات، وكان سببًا في صراع بين التنظيمات الإرهابية، فلقد كان لموت بن لادن تأثير سلبي على وحدة الصف والسيطرة على القيادات فى مختلف الدول؛ حتى ظهرت تنظيمات جديدة طرحت خطابًا دينيًّا أكثر راديكالية؛ نجحت من خلاله في جذب قواعد عريضة من الجهاديين على مستوى العالم.

فقد شهد العالم أحداثًا وتغيرات، لم تساعد أيمن الظواهري على مواصلة نهج بن لادن في القيادة، ولعل أبرزها زلزال الربيع العربي، وما تلاه من تفجر موجات من العنف، في العديد من البلدان، وعلى رأسها ليبيا وسوريا واليمن، وما واكب ذلك من صعود غير مسبوق لتنظيمات وخلايا عنف لا أول ولا آخر لها، منها ما هو قاعدي الهوى، ومنها ما هو أكثر تطرفًا، وبخاصة في مساحات تضخيم وتوسيع آليات التكفير تجاه صنوف البشر من المسلمين وغير المسلمين، وكذا شرعية استهداف المدنيين الأبرياء، وأولويات مواجهة العدو القريب أو البعيد (9). 

في فترة تولي الظواهري القيادة انفصلت عشرات التنظيمات التابعة للقاعدة عن التنظيم، وبايعت الدواعش.الدواعش بدورهم لم يترددوا يومًا في الهجوم على الظواهرى، بل ووصل الأمر إلى تكفيره من جانب بعضهم، وإن كانت أصوات في «داعش» عادت عن ذلك ونفته، كذلك من أسباب عدم تمتع الظواهري بالزعامة المطلوبة، هو أنه أقرب للمنظر الفقهي منه إلى القائد العسكري، فقرراته وتوجهاته وخططه واستراتيجياته ذات طبيعة غير حاسمة وغير مؤثرة، والأخطر أنها تظهره في ثوب الضعيف.في المحصلة، يبدو الرجل في أوج خريفه، كاريزما المؤسس والقائد الأول للقاعدة، بن لادن، لم تجد أي امتداد لها مع الظواهري، وبات من فترة لأخرى يعلن وبصور شتى أغلبها غير مباشر، أنه ينسحب تدريجيًا وربما نهائيًا من حلبة الزعامة المطلقة.

فحين يصبح طوق النجاة لبقاء الظواهري فوق كرسي رمزي لقيادة جهاد العالم، كان يعرف يومًا بعرش قاعدة الجهاد بمفهومها العابر للحدود أو العولمي الواسع، هو التمسح فقط فى كل خطى بن لادن القديمة، فلا يعني ذلك إلا أن رصيد تأثيره قد نضب، وتلك واحدة، أما الثانية، فترتبط بغياب الأدوات الفاعلة لديه للإيحاء حتى بزعامة ورقية، فحين يقبل على نفسه أن يخرج حمزة، نجل بن لادن الشاب، وفي حضرته شخصيًا، ليدعو القاعديين للتوحد تحت رايته هو لا غيره، فذلك إنما يمثل دليلًا قطعيًّا على أن الرجل وقبل غيره لم يعد يرى في نفسه مصدرًا لإلهام، حتى أن شابًا مندفعًا أو موهومًا بسيرة والده، تجرأ عليه وأعلن استعداده لخلعه من كرسيه العالي، ليرتقيه بدوره (10).

ومنذ متى صار لزامًا على زعيم القاعدة تقديم رجاءات تحمل كثيرًا من المذلة لأى فصيل منضوٍ تحت رايته، حتى لا ينفصل عنه؟ الظواهري فعلها.. ناشد بمهانة غير مسبوقة جبهة النصرة السورية (تحول اسمها إلى جبهة فتح الشام حاليًا)، ألا تترك بيعته أو تعلن انفصالها عن التنظيم الأم، بحثًا عن دور سياسي بعيدًا عن حمل السلاح في معادلات المشهد السوري التي يتم الإعداد لها.

هذا من جهة القيادة الحالية التي بات القريبون منها يؤكدون قرب نهايتها الحتمية والبدء في تهيئة البديل فمنذ فترة يتداول اسم حمزة بن لادن نجل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وريثًا «للحركة السلفية الجهادية» بعد الهزائم المتتالية لتنظيم داعش. ورغم أرجحية هذا الاحتمال، تبقى علامات استفهام في الروايات المنسوجة حول حمزة وتاريخه، ولاسيما إقامته في إيران (تحتاج لمصدر)، وإلى حدٍّ ما، حول تعويمه إعلاميًّا في هذه المرحلة بالذات. 

فقد أعلن زعيم القاعدة أيمن الظواهري في أغسطس العام 2015 عبر رسالةٍ مسجلةٍ «ولادة أسد من عرين القاعدة،» في إشارة إلى حمزة بن لادن. وفي ذاك الحين قدمه الظواهري بشكل رسمي، وقد تم الإعلان بطريقةٍ توحي بأنه يُعده لخلافته، حيث قال الظواهري حينها: «أترككم مع الأسد ابن الأسد، المجاهد ابن المجاهد، المرابط ابن المرابط، الحبيب ابن الحبيب، ابن الشهيد وأخو الشهداء كما نحسبهم ولا نزكيهم على الله، ولدنا الحبيب حمزة بن أسامة بن لادن».هذا كله إطراء كان من ورائه سر (11).

وبعد سنة من ذلك، وفي تسجيل بعنوان «كلنا أسامة» دعا حمزة إلى الثأر وقال محذرًا الأمريكان: «سنمضي على هذا الطريق، وسنستهدفكم داخل بلادكم وخارجها ردًا على ظلمكم في فلسطين والشام والعراق والصومال وغيرها». وعن قتل والده قال: «لا تظنوا أن جريمتكم في أبوت أباد مرت دون حساب، حسابكم عسير، نحن أمة لا تنام على الضيم».

هنا تيقن العالم وعلى رأسهم وزارة الخارجية الأمريكية بعد العديد من الرسائل التي أرسلها حمزة أنه يسعى إلى تعزيز مكانته في أوساط الجهاديين وأدرجته على لائحة «الإرهابيين الدوليين».

وما لا شك فيه أن «داعش» بعد الضربات الموجعة التي تلقاها قد شارف على نهايته، لكنها نهاية قد يولد من رحمها مسلسل ومرحلة جديدة لتنظيم القاعدة بعباءة جديدة قديمة في نفس الوقت بقيادة حمزة بن لادن. لذلك قد تسمى هذه المرحلة الجديدة بـ«الولادة الخامسة لتنظيم القاعدة»، وقد يتحقق هذا بعد أن يتولى من يمتلك الكاريزما الرمزية المستمدة من مؤسس التنظيم زعامة التنظيم، ونقصد بذلك ابن بن لادن. ولعل من مقدمات هذه المرحلة كان توجه حمزة بن لادن إلى سوريا لتشكيل الفرع الجديد للتنظيم العالمي في سوريا، الذي لم يقدم أي مشروع مختلف يتجاوز الإشكاليات والأزمات التي عانت منها غالبية الجماعات الاسلامية الموجودة التي تشكلت تحت مسميات مختلفة، بل اكتفى بيان التنظيم الجديد برفع شعارات عامة (مثل ولماذا انتقدت) كانت محل انتقاد المنخرطين في العمل الحركي، وكان الهدف منها هو حشد المقاتلين من التنظيمات الموجودة التي تتعرض للهزائم على الأرض السورية، وبالتالي فكان الهدف هو عملية استقطاب لكل العناصر الإرهابية التي منيت بهزائم وعلى رأسهم تنظيم داعش في الرقة وباقي المدن السورية (12).

وفي ظل عدم وجود القيادة والتلميح بتولي بن لادن الابن زعامة التنظيم فالمتوقع أيضًا أن تنظيم القاعدة سواء في أفغانستان أو في الجبهات الأخرى، وتحديدًا في سوريا واليمن والمغرب العربي، سيشهد انقسامات في حال تطورت الخلافات على منصب قائد التنظيم، لأن الخلافات قد تصل إلى حد الانقسامات وتوليد تنظيمات أخرى منشقة عن القاعدة. وحل المبايعات السابقة التي قدمها كل من زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) «أبو محمد الجولاني»، وزعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قاسم الريمي، والذي يتخذ من جنوب اليمن مقرًا له. ويعتبر الجولاني والريمي، من أبرز المتنافسين على منصب قائد تنظيم القاعدة بعد أيمن الظواهري، إلى جانب خالد الحبيب وسيف العدل وعبدالملك دوركدال (يحتاجون لتعريف) وهؤلاء جميعًا لهم باع طويل في القتال على مختلف الجبهات. (13) 

ورغم كل هذه المقدمات التي تشير إلى إمكانية تولي حمزة بن لادن زعامة التنظيم فإن هناك من عارض، وفي مقدمتهم تنظيم داعش، فكرة توريث العمل السلفي الجهادي لحمزة بن لادن خوفًا من استغلال حالة التراجع والانحسار التي يعيشها «داعش»، بل أكد التنظيم في إصداراته الأخيرة (يرجي توثيق ذلك) أن وريث القاعدة الحقيقي هو دولتهم المزعومة داعش وليس القاعدة في محاولة منها قطع الطريق أمام حالة الاستقطاب التي فرضتها الأوضاع الراهنة، حيث وصف داعش أن الدعوة الى تقديم حمزة نجل أسامة للقيادة بالأمر العبثي، وأكد التنظيم إلى أن زعامة أسامة بن لادن لهذا العمل الذي وصفه بالجهادي على حد تعبيره لا يورث، وإن عدنا الى شخصية حمزة فقد يفوق أباه تطرفا وإجراما وإرهابًا حتى يعوض افتقاره للمعرفة والخبرة، لذلك من المتوقع أن يكسر حمزة ”الحدود“ في التطرف التي كان والده يدعيها بأنه يسعى للتقليل من الهجمات ضد الأبرياء في محاولةٍ لخداع الرأي العام العربي والإسلامي، فإن حمزة يبدو على استعداد بأن يخاطر بشكل أكبر لمجرد ظهوره بمظهر الشدة والصلابة ومن أجل تعزيز صورته.لأنه يرى أن قيمته في التنظيم هي أن يكون وقود لمحرقة الظواهري.
مصير غامض ينتظر «القاعدة»..
خاتمة 
النسخة الأم للتطرف والإرهاب - القاعدة - خرجت منها داعش وأخواتها من التنظيمات الارهابية عادت مرّة أخرى، وربما تكون اشرس مما مضى، فهذه التنظيمات تتأقلم مع الوضع الذي تجد نفسها فيه، ولكنها تسعى من أجل تجديد سرديتها الإعلامية لتكسب جاذبية تتيح لها ان تستقطب المزيد من الاتباع وخاصة في حالة الهزائم والانحسار الذي تعيشه بعض الجماعات الارهابية، ومن المفارقات ان تكون قدرة هذه التنظيمات على “التحول” والتكيف أكبر من قدرة الدول ليس فقط لأنها كسرت حدود الجغرافيا والديموغرافيا، وانما لأنها –ايضًا- تملك إمكانية “التحوصل” وربما الذوبان والتكون كما تفعل بعض الكائنات الحية كالحرباء مثلا.

ومهما اتفقنا أواختلفنا حول شكل “المصادر” التي خرجت منها الجماعات الإرهابية، وسواء أكان الإرهاب “صناعة” دول بعينها دربت ودعمت ومولت كقطر وإيران وتركيا او كان الإرهاب ولادة طبيعية لها ظروف محلية معروفة، او أكان “مزيجًا” بينهما، فإن هذه الظاهرة تشكل الخطرالأكبر على وجودنا.

قد يكون من المؤسف قول هذا.. لن يختفي الإرهاب الذي تمثله هذه الجماعات المتطرفة والتي تدعمه دول مارقة تسعى الى الفوضى، ولن يختفي بين ليلة وضحاها إن لم تجفف منابع وأسباب ظهوره، من التشدد الديني والإيديولوجيات العدائية والتطرف الفكري، فضلا عن سعى بعض الدول لتوظيف الإرهاب لمساع تخريبية من أجل المصالح الذاتية. 

واليوم إن تم إنهاء داعش نهائيا فهي بالمحصلة تعتبر شكل من أشكال الإرهاب فحتمًا سيظهر الإرهاب بشكل آخر او يعيد تموضعه ويتجدد كما هي القاعدة اليوم ؛ لأن الإرهاب هوآخر مراحل التطرف ومعركتنا مع التطرف لا تزال طويلة.

هل هناك تصور لدي الباحث لكيفية التعاطي مع التطرف كآليات قابلة للتنفيذ وفق الاستراتيجية الطويلة التى يري انها لازمة لمواجهته.

----------------
الهوامش:
(1) ندوة مدريد: قطر دفعت 125 مليون يورو لإخوان أوروبا وساعدت الإرهاب، العرب اللندنية،26 أكتوبر2017
(2) الدوحة تستخدم «داعش» لإثارة الفتنة في ليبيا، صحيفة الإتحاد الاماراتية،31 ديسمبر 2017
(3) عبدالفتاح عبدالكافي. الإرهاب ومحاربته في العالم المعاصر. دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 2016،ص 53

(4) ليندة عكروم، تأثير التهديدات الأمنية الجديدة على العلاقات بين دول الشمال وجنوب المتوسط، جامعة بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2010 ص 103
(5) 2016م.https:arabic.cnn.commiddleeast20151116me-161115-mohammed-alselmi-intv
(6) عبدالفتاح عبدالكافي اسماعيل. الإرهاب ومحاربته في العالم المعاصر. دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 2016،ص 82

(7) وثائق بن لادن السرية وعلاقة إيران بالقاعدة، العربية نت 21 سبتمبر 2015م. م https:goo.glP5o9gI
(8) كميل الطويل. القاعدة وأخواتها قصة الجهاديين العرب. بيروت دار الساقي.2007، ص 33
(9) بلهوم نسيم.التطرف الديني.أمواج للطباعة والنشر والتوزيع.الطبعة الاولى2014.ص 142
(10) كميل الطويل. مرجع سابق.ص 85
https:arabic.rt.commiddle_east898657-القاعدة-يستعد-لتتويج-الابن-15-بن-لادن-زعيما (11)
(12) علي صوفان العميل السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي. إعداد حمزة لتولي دور قيادي. تقرير مركز محاربة الإرهاب في وست بوينت.سبتمبر2017
http:alrai.comarticle10412324 حمزة-بن-لادن-يشعل-صراع-الأجنحة-في-القاعدة (13)
"