شبح «المكتب الأسود» يخيم على الإليزيه
السبت 21/يوليو/2018 - 04:06 م
باريس: أحمد يوسف
أعادت فضيحة الحارس الخاص للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي باتت تُعرف بفضيحة «بينالا جيت» التذكير بشبح الخلية السرية التي كانت تعمل خارج إطار القانون والنظام العام في فترات عديدة من تاريخ فرنسا، عبر مكتب خاص في بدروم قصر الإليزيه، كان يطلق عليه بالفرنسية: "Le cabinet noir" أو المكتب الأسود.
فقد جمع الحارس الشخصي للرئيس ماكرون ويُدعى «ألكساندر بينالا» 26 سنة، في صفاته الشخصية والمهنية كل ملامح الصفات المطلوبة للشرطة الموازية، بل إن هناك شائعات تدور الآن في أوساط النخبة الفرنسية حول علاقة الرجل بالمافيا في كلٍّ من فرنسا والمغرب، وخلال الثماني والأربعين ساعة الماضية تشكلت في فرنسا ثلاث لجان تحقيق لمعرفة طبيعة هذه الشخصية.
وكشف الستار عن طبيعة عمله، خاصة في معية الرئيس ماكرون، بعد أن ثبت أنه ذهب مع الشرطة المكلفة بالتصدى لمظاهرات الأول من مايو (يوم العمال)، دون أي سند من القانون، وارتدى زي الشرطة من خوذة وشارة دون أن يكون مخولًا لذلك، والأخطر من هذا أن القسوة الشديدة التي استخدمها في التعامل مع المتظاهرين تمت تحت أعين رجال شرطة حقيقيين، استسلموا لما يفعله الرجل ولم يمنعوه، حسبما تبين في أشرطة الفيديو المختلفة التي يتم الآن التحقيق فيها بعدما انتشرت كالنار في الهشيم في كل وسائل الإعلام الفرنسية والغربية.
ديجول والمكتب الأسود:
ولهذا شبح «المكتب الأسود»، يظل بقعة سوداء حالكة في ثوب الديمقراطية الفرنسية العريقة، وتعود قصته لعصر الجنرال «شارل ديجول» عندما شرع في تنظيم المقاومة السرية ضد الاحتلال النازي في فرنسا عام 1941، عندها حاول ديجول في ظروف صعبة، استقطاب كل أطياف الشعب الفرنسي بمن فيهم الشيوعيون واليمينيون المتطرفون، بل وأيضا عصابات المافيا، خاصة تلك المنتشرة وقتها في مارسيليا وكورسيكا ونيس.
وعندما نجحت المقاومة وتحررت فرنسا، أراد الزعيم الكبير مكافأة الجميع فأدخل الشيوعيين في الحكومة، وجعل من عصابات المافيا تشكيلًا سريًّا يعمل لصالح الرئاسة، فيما يُعرف باسم «Le sac» وهو اختصار لجملة «جهاز خدمة العمل المدني».
وكلف الزعيم الراحل هذا الجهاز الجديد بالقيام بالعمليات الخاصة، قبل أن تطلب أجهزة الدولة من «ديجول» حل تلك المنظمة بعد أن قام بعض أعضائها بعمليات خارج إطار القانون.
بومبيدو وحل الجهاز:
وكان أول قرار اتخذه الرئيس «جورج بومبيدو» الذي تولى الرئاسة في فرنسا عام 1970 بعد رحيل «ديجول» عن السلطة، هو حل هذا الجهاز، إلا أن بعض رجاله كانوا قد انخرطوا في العمل السياسي، وأصبحوا وزراء كبارًا، لعل أشهرهم وزير الداخلية الأشهر "شارل باسكوا"، الذي أصبح وزيرًا للداخلية عدة مرات، خاصة في وزارات مختلفة للرئيس "جاك شيراك" والرئيس ساركوزي.
ميتران وعودة المكتب الأسود:
نسى الفرنسيون مع الزمن هذه الخلايا السوداء التي تعمل لصالح الرؤساء بشكل غير مشروع، حتى جاء الرئيس «فرانوا ميتران» عام 1981 وأعاد «المكتب الأسود» إلى قصر الإليزيه لغرض واحد فقط هو حماية سمعته حتى لا يعرف الفرنسيون أن له عشيقة اسمها «آنبان جو»، وأن له منها ابنة اسمها «مازارين».
وانطلقت هذه الأجهزة السرية في التنصت على الصحفيين والشخصيات السياسية وخصوم الرئيس، بل وممثلات في السينما الفرنسية، كما أخذت في إطلاق الشائعات لتحطيم المستقبل السياسي والمهني لأي صحفي يحاول الاقتراب من نقطة عشيقة الرئيس، ولعل أهم الصحفيين الذين تجرعوا مرارة تلك الملاحقات من جراء تلك الخلية السرية، هو الصحفي الشهير «أدوى بلانل» الذي أقسم أن يؤسس موقعًا يلاحق الرؤساء والوزراء ورجال الأعمال والفاسدين في كل اتجاه، وهذا الموقع المعروف عالميا اليوم باسم «ميديا بارت».
والغريب أن كل هذه المهارات التي تتجمع في نقطة ما، بين المافيا والسياسة، حضرت في شخصية «بينالا» الحارس الشخصي للرئيس ماكرون الأمر الذي وصل إلى مطالبة زعيم المعارضة في الجمعية الوطنية الفرنسية «جان لوك ميلانشون» بالتحقيق في وجود «مكتب أسود» في قصر الإليزيه في عهد «ماكرون» الأمر الذي يعني أن تلك الفضيحة دفعت بالشبح القديم للظهور مرة أخرى؛ ما يتهدد الديمقراطية الفرنسية التي قامت على مبادئ الحرية والمساواة والإخاء.





