ad a b
ad ad ad

الإخوان والدعوة للخلافة بين الاستراتيجية والتكتيك

الجمعة 20/يوليو/2018 - 08:06 م
المرجع
أحمد بان
طباعة
المطالع لأدبيات جماعة الإخوان (أسست عام 1928)، يعرف أن الخلافة تُعَبِّر عن المرحلة السادسة في مشروعهم، الذي يبدأ وفق ركن العمل، من أركان بيعة الإخوان كما وردت في رسالة التعاليم «مانيفستو» الإخوان الأشهر، والنص الكاشف في التعريف بماهية الإخوان ومشروعهم.

يُفَصِّل حسن البنا (مؤسس الجماعة)، في التعريف بمهمة الإخوان في هذه الرسالة، فيقول: «وأريد بالعمل مراتب العمل المطلوبة من الأخ الصادق، وتكوين البيت المسلم، وإرشاد المجتمع، وتحرير الوطن، وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافاتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة». 

ثم ينهي «البنا» تلك الأدوار أو قُل الأهداف بما أسماه «أستاذية العالم» بنشر دعوة الإسلام في ربوعه، هذا الهدف الذي لا يعني سوى أن الإخوان يعتقدون في مهمة مقدسة نحو العالم ابتعثهم الله من أجلها، بدفعهم دفعًا نحو الإسلام الخاص الذي يعتقده حسن البنا وجماعته؛ لذا كان واضحًا في تعريف هذا الهدف وتفصيله، عندما سماه استعمار الأستاذية الإصلاح في رسالته إلى أي شيء ندعو الناس، يقول: «ولهذا المعنى أيها المسلمون نفر المسلمون بعد أن اختار نبيه صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى، في أقطار الأرض قرآنه في صدورهم ومساكنهم على سروجهم وسيوفهم بأيديهم، حجتهم واضحة على أطراف ألسنتهم يدعون الناس إلى إحدى ثلاث: الإسلام أو الجزية أو القتال، فمن أسلم فهو أخوهم، له ما لهم وعليه ما عليهم، ومن أدى الجزية فهو في ذمتهم وعهدهم يقومون بحقه ويرعون عهده ويوفون له شرطه، ومن أبى جالدوه حتى يظهرهم الله عليه (ويأبى الله إلا أن يتم نوره)». 

الإخوان والدعوة للخلافة
يبدو التصور في وعي الإخوان راسخًا في أن الفهم الصحيح للدين يجب أن تكون مسيرته بهذا التجريد، بناء فرد مشحون بأيديولوجية التنظيم يعتقد الإسلام رسالة يحملها ويحمل الناس عليها، بعد أن يخيرهم بين الدخول في الدين أو دفع الجزية أو القتال. 

لا يبدو وصف تنظيمي «داعش» و«القاعدة» الإرهابيين في بياناتهما لرسول الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- بـ«الضحوك القتال» شذوذًا عن هذا الفهم، الذي يجعل رسالة الدين هي الإكراه على الدخول فيه، أو الرضوخ لسلطته عبر دفع الجزية أو القتل.

يعتقد الإخوان في صورة واحدة للوطن لا علاقة لها بتنوع الدولة الوطنية التي تتسع أراضيها لكل الأديان والأعراف والأعراق، الوطن حدوده هي الكرة الأرضية التي يجب أن تخضع لسلطانهم، يقول «البنا» في الرسالة نفسها في الحديث عن مبدأ سيادة المسلمين على الأرض: «فكان المبدأ الإسلامي أخذ خير ما في هذه الناحية، وأراد أن يُطَبِّع بذلك أبناءه، ويجنبهم ما فيها من شر وطغيان، وقد وسع الإسلام حدود الوطن الإسلامي، وأوصى بالعمل لخيره، والتضحية في سبيل حريته وعزته، فالوطن في عرف الإسلام يشمل:

1- القطر الخاص أولًا.
2- ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى فكلها للمسلم وطن ودار. 
3- ثم يرقى إلى الإمبراطورية الإسلامية الأولى التي شيدها الأسلاف بدمائهم الغالية العزيزة فرفعوا عليها راية الله، ولاتزال آثارهم فيها تنطق بما كان لهم من فضل ومجد، فكل هذه الأقاليم يسأل المسلم بين يدى الله تبارك وتعالى لماذا لم يعمل على استعادتها؟

4- ثم يسمو وطن المسلم بعد ذلك كله حتى يشمل الدنيا جميعًا، ألست تسمع قول الله تبارك وتعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}؟».

تبدو تلك النصوص السابقة دالة في مركزية فكرة الخلافة، والسعي لتوسيع سلطان الدولة، والسيطرة على حكم العالم في وعي الجماعة، وهو ما تؤكده أدبياتها التي يقع في القلب منها أفكار حسن البنا المؤسس.

فلماذا غاب خطاب الخلافة والحديث عنها، واستبدلت الجماعة هذا الخطاب، بخطاب يستخدم مفردات الدولة الوطنية، ويبتعد عن الاستشهاد بتلك النصوص. 

الإخوان والدعوة للخلافة
الإجابة ببساطة أن الجماعة تؤمن بمبدأ «التقية السياسية»، التي تعني القدرة على إخفاء الأهداف الحقيقية، وعدم استفزاز الآخرين بخطاب قد يكشف مرامي الجماعة وأهدافها، ألم يقل البنا للإخوان: «لاتزال دعوتكم مجهولةً بين الناس ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم عداوة قاسية»؛ لذا كان حرص الجماعة على جعل تكتيكاتها، سواء في الحركة أو الخطاب مضللةً لمن يتابع سلوكها السياسي والحركي. 

دفعت الجماعة ثمنًا باهظًا بفعل الخطاب والسلوك السياسي المباشر، الذي بلغ ذروته بقتل حسن البنا في فبراير من عام 1949 بفعل ظهور أهداف الجماعة وجلاء خطواتها.

لذلك حرصت الجماعة في الصعود أو التأسيس الثاني لها بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واستخدام الرئيس الراحل أنور السادات لهم، كمخلب قط في مواجهة المعارضة المصرية، على البروز كحركة اجتماعية وسياسية منحازة للقيم الغربية في الحكم، تحاول العمل من خلال الدخول في بنية الدولة الوطنية، والسيطرة عليها، ثم تغيير هويتها وبوصلتها بالكامل.

فبدأت بالتسلل للجامعات المصرية، من خلال انتخابات اتحاد الطلاب، ثم مجالس النقابات المهنية ثم الانتخابات البرلمانية، ثم القفز على الحكم؛ بفعل التشوه الحاصل في البنيان السياسي المصري عشية ثورة 25 يناير، التي كانت حصان طروادة، اختبأت فيه الجماعة لتقدم نفسها باعتبارها حزبًا سياسيًّا يسعى بآليات الديمقراطية للوصول للحكم، يتحدث لغة العصر التي لم تخفِ أن كل ذلك كان مجرد تكتيك لا يُخفي الهدف الاستراتيجي، الذي يعتبر الخلافة فريضة المسلمين الضائعة التي لا ينبغي التفريط في استعادتها، وإن توسلت الجماعة بتكتيكات الدولة الوطنية والحديث المتكرر عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وغيرها من المفردات القادرة على استلاب ضمير الغرب، الذي حرصت الجماعة على أن تقدمَ نفسها له، باعتبارها حركة اجتماعية وسياسية تقبل بالتنوع، وتتحلى بالتسامح الذي لم تعرفه حقيقةً يومًا، لا في مواجهة المعارضة المصرية، ولا حتى المعارضة داخل التنظيم.
"