«زواج شرعي» أقره الإسلام وحرّمه الإخوان!
أثارت الخلافات العميقة بين الجماعات والاتجاهات الدينيَّة المختلفة، قدرًا
من الشقاق والتباغض فيما بينها، الأمر الذي انعكس في أحيان كثيرة بالسلب على العلاقات
الاجتماعية كالزواج والمصاهرة، بسبب الخلاف السياسي بالرغم من وحدة الدين والعقيدة.
وتذكرنا تلك الخلافات بالخلافات التي شهدتها القرون الوسطى بين أتباع المذاهب الفقهية المختلفة، وبالذات بين أتباع المذهبين الشافعي والحنفي، التي وصلت إلى درجة تحريم الفقهاء الأحناف على الشباب من أتباع المذهب، الزواج من فتيات تعتنق آراء الإمام الشافعي، إلى أن أصدر قاضي الدولة العثمانية، أبو السعود الحنفي والملقب بـ«مفتي الثقلين»، فتواه الشهيرة بجواز الزواج من المرأة الشافعية قياسًا على إباحة الزواج من الكتابية (المسيحية أو اليهودية).
وقد كشفت الأحداث المتواترة خلال السنوات
القليلة الماضية، عن قدر أعمق من تلك الخلافات، التي كان ينظر إليها باعتبارها شيئًا
من الماضي، ووقعت بعض تلك الوقائع داخل أبناء التيار الواحد، فالسلفيين مثلًا الذين
أيد فريق منهم عزل الإخوان عن الحكم في 3 يوليو 2013، وعلى رأسهم الدعوة السلفية وحزب
النور، واجه الكثير من أبنائهم عقبات عدة للزواج من بنات التيار نفسه اللاتي تعاطفن
مع جماعة الإخوان، وهو التعاطف الذي ترسخ بعد أحداث فض اعتصام الإخوان في ميدان رابعة
في أغسطس 2013.
وألقت الأزمات السياسية بظلالها على الحياة
الأسرية للآلاف من أعضاء تلك الجماعات، فقد تعددت شهادات العديد من الشباب السلفي عن
تأخر عدد منهم في الزواج لسنوات بسبب الحظر الذي فرضته الفتيات والآباء الرافضين لمد
علاقات النسب والمصاهرة مع من وقفوا موقفًا معارضًا لحكم جماعة الإخوان، بينما كان هؤلاء
الشباب حتى وقت قريب قبل تلك الأحداث موضع قبول وترحيب من الأسر ذاتها.
زواج السلفي
من إخوانية باطل
ورغم عدم وجود قناعة شرعية لدى جماعة الإخوان
مثلًا بتحريم الزواج من خارجها، ووجود أمثلة شهيرة لهذا الأمر داخل الجماعة، إلا أن
المسألة تواجه عقبات عدة تمنع من إتمام الزواج المفترض الذي ينتمي أحد طرفيه لجماعة
أخرى أو لا ينتمي لأي جماعات، لاسيما إن كانت الفتاة من الإخوان، فعندها قد تعترض الأسرة
على الشاب لأسباب غير دينية أو خلقيَّة، بل لمجرد عدم حصوله على عضوية الجماعة، وقد تشترط
بعض الفتيات من بنات أسر الجماعة هذا الشرط.
والعكس صحيح أيضًا، فعندما يتقدم شاب إخواني
لخطبة فتاة غير إخوانية يكون عرضة للتأنيب من مسؤولة في الجماعة، الذي يملك وصاية عليه
حتى في شؤونه الخاصة، وترفض الجماعة هذا الزواج باعتباره يحدث انقسامًا داخل البيت الإخواني،
وتوجِد وجهتا نظر داخل الأسرة الواحدة، وأحيانًا ما يحاول الشاب إقناع زوجته بالانضمام
للجماعة منذ البداية، وقد يلجأ بعض الشباب لإخفاء هويته الإخوانية لما بعد الزواج وهناك
حالات تسببت عدم الصراحة والشفافية فيها في الطلاق والانفصال فيما بعد، بسبب خوف الأسرة
من تبعات ارتباط ابنتهم بعضو جماعة إرهابية.
وتحرص الجماعة الإرهابية على تعزيز روح
الانتماء إليها والتوحد الوجداني بداخلها، عن طريق علاقات النسب والمصاهرة، وتنظر للأمر
من ناحية أمنية بحتة، فالزوجة الإخوانية ـــــــ من وجهة نظرهم ـــــــ ستكون أكثر
محافظة على أسرار الجماعة، وأكثر تفهمًا لحالة الملاحقة الأمنية وفترات الاعتقال التي
قد يمر بها زوجها، وأكثر اقتناعًا بمبدأ السمع والطاعة العمياء للأوامر، كما تساعد زوجها
في إخراج أبناء تابعين للتنظيم منذ نعومة أظفارهم، وزيادة الترابط بين أبناء التنظيم
بما يجعل من الصعب تفكيكه أو اختراقه أمنيًّا.
وقد دافع القيادي الإخواني، صبحي صالح، عن هذه النظرية في مؤتمر جماهيري في مايو 2011؛ حيث انتقد من يفكر في الارتباط بفتيات من خارج الجماعة، قائلا: «عندما يتزوج الأخ من أخت إخوانية يعمل ذلك على بناء مجتمع إخوان فرض نفسه على الدنيا».
وقد تحدثت تقارير إعلامية عن تعرض عضوات
من الجماعة للفصل، بسبب زواجهن من خارجها، زواجًا شرعيًّا أقره الدين، ورفضه الإخوان،
الذين لا تكاد تجد أحدًا من قياداتهم إلا وتربطه بزملائه آصرة قرابة أو مصاهرة، والأمثلة
أكثر من أن تحصر.





