يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

«سِرت».. المعركة القادمة للجيش الليبي وبوابة دخوله العاصمة

الخميس 05/يوليو/2018 - 10:44 م
المرجع
عبد الهادي ربيع
طباعة
يرى متابعون ومراقبون للوضع الليبي، أن منطقة الجنوب، ستكون وجهة الجيش الوطني في معركته القادمة في إطار جهوده الفعالة للقضاء على الجماعات التكفيرية، خاصة بعد نجاح عمليتي تحرير درنة (7 مايو – 28 يونيو 2018) والاجتياح المقدس للهلال النفطي 21 يونيو 2018، وذلك لعديد من الأسباب أهمها بقاء هذه المناطق لفترةٍ طويلةٍ دون سيطرة حكومة أو وجود عسكري من أي من الفرقاء الليبيين منذ بداية الأزمة الليبية 17 فبراير 2011، إضافة إلى أن منطقة الجنوب الليبي هي وكر إرهابي تمركزت فيه الجماعات التكفيرية المشاركة في العمليات الإرهابية في الشمال الليبي التي كان آخرها هجوم الكتائب الموالية لتنظيم القاعدة والمعارضة التشادية والميلشيات المسلحة بقيادة إبراهيم الجضران، آمر حماية المنشآت النفطية السابق. 

إلا أن هذه المنطقة التي تقع- وفقا لما صرحت مصادر عسكرية ليبية للمرجع- على رأس قائمة أولويات الجيش الليبي، لكنها لن تكون بادرة العمليات المسلحة في الفترة المقبلة، مع وجود احتمالية للتوجه غربًا لتحرير سرت وذلك بعد إتمام السيطرة على الشرق الليبي بتحرير مدينة درنة من الإرهابيين الموالين لتنظيم القاعدة، والهلال النفطي شمالًا. 
ويعود موقف الجيش الليبي تجاه الجنوب- الذي يضعه في المشاريع المؤجلة بالأساس- إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية بالمناطق الصحراوية، ما يجعلها تدعم الوجود العسكري بها، ولا تُحدث قلاقل، بل نادرًا ما تشهد اشتباكات؛ حيث تعتبر حاضنة للجماعات الإرهابية على أساس حصولها على التمويل والخدمات منها، وبمجرد أن يفقد الإرهابيون الدعم والتمويل نتيجة لخسارتهم للهلال النفطي، سيتخلى الجنوبيون عن الجماعات المتطرفة؛ ولذلك أجَّل الجيش الليبي مشروع الهجوم على الجنوب؛ حيث يحاول إحكام السيطرة على المناطق المحررةِ شمالًا وشرقًا، والقضاء على جيوب الإرهاب فيها، وحمايتها من هجماتٍ مرتدةٍ للإرهابيين ومباغتتهم قبل إعادة تنسيق أوراقهم وتنفيذ عمليات جديدة على الجيش الليبي.
 الجيش الليبي 
رصد بالفعل خلال الأيام الماضية تقدُّم بعض الكتائب التابعةِ للحرس الرئاسي لحكومة الوفاق والمنطقة الوسطى قرب مدينة «مصراتة» التي يتحصن بها الإرهابي الهارب إبراهيم الجضران، إضافة إلى تعبئة بعض الكتائب العسكرية في المنطقة الغربية وعناصر ما يعرف بـ «سرايا الدفاع عن بنغازي» متجهة إلى مدينة "سرت"، التي تُعد معقل التيارات التكفيرية خاصة تنظيم داعش، مع تردد أنباء حول هروب هشام عشماوي إليها، لتشن هجومًا على الهلالِ النفطي بعد تحريره من الميلشيات 21 يونيو 2018 ضمن عملية "الاجتياح المقدس". كما قام الجيش الليبي بتعزيز تواجده العسكري في الموانئ النفطية، وكلَّف غُرفةِ عمليات أجدابيا العسكرية بالتوجه إلى خليج السدرة فورا، خاصة بعد رصد وجود طلائع لهذه الميلشيات في مناطق "هراوة" و"جنوب السدرة" و"جبال الهروج".

برزت أهمية الهلال النفطي من خلال الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة التي يقودها إبراهيم الجضران بعد تسليم الجيش الليبي المؤسسات النفطية للهيئة الوطنية للنفط التابعة للحكومة المؤقتة، بعد سنوات من تبعيتها لحكومة الوفاق التابعة لجماعة الإخوان؛ إذ ثبت تورط حكومة الوفاق في دعم وتمويل الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية من خلال النفط. 
وفقا لهذه المؤشرات فإن مدينة سرت عادت إلى الواجهةِ من جديدِ في حرب الجيش الليبي على الإرهاب، وهي المدينة التي يتذكرها العالم بتنظيم داعش الذي ذبح 21 مصريا قبطيا 15 فبراير 2015، حيث كانت حتى عام 2016 مقرا للتنظيم الإرهابي إلى أن سيطرت عليها قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق عام 2016، إلا أن المدينة لا تزال تحتوي على عدد من الخلايا النائمة التي تُنَفِذ- بين الحين والآخر- عمليات إرهابية، كان آخرها الهجوم على بوابات مدينة أجدابيا الأسابيع الماضية.
 الجيش الليبي لا ينظر إلى سرت على أنها معقل للإرهابيين فحسب، بل لأهميتها الاقتصادية أيضًا؛ حيث تطل المدينة على البحر المتوسط شمالا، من ثم تسمح السيطرة عليها بتضييق الخناق على الإرهابيين وتغلق أمامهم أهم أبواب ومنافذ التمويل والدعم، يضاف إلى ذلك قربها الجغرافي من الهلال النفطي، وهو ما يقلق الجيش الليبي من احتمالية تنفيذ هجمات مرتدة منطلقةً من المدينة على الهلال، ويتحرك الجيش الليبي على فرضية أن التوسع في اتجاه سرت سيكون أقل دموية من غيرها من المدن، في ظل ضعف البنيان المرصوص التابعة للوفاق، ذلك الضعف الذي أبرزه استنجاد البنيان المرصوص بالجيش الليبي لصد هجمات تنظيم داعش 2017. 

بجانب ذلك، يسعى المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي لتعظيم مكاسبه السياسية وترسيخ شرعيته التي سيتحصل عليها بعد تحرير المدينة، بما يدعمه- مستقبلًا- في أي مفاوضات سياسيةٍ محتملة، ويجعله مستندًا بقوة على أساس متين من الشرعية، وهي الشرعية ذاتها التي تحصلت عليها حكومة الوفاق و"البنيان المرصوص" بعد الاستيلاء على سرت وتحريرها من قبضة تنظيم داعش 2016؛ فعلى المستوى المحلي تعززت ثقة الليبيين داخل المناطق الخاضعة في قدرة حكومة الوفاق على منحم أمن نسبي، وعلى المستوى الدولي وجدت القوى الغربية شريكًا استراتيجيًّا بوسعه هزيمة ما يهدد أمن تلك القوى، دون الحاجة لارسالها قوات مقاتلة على الأرض أو تدخلٍ عسكريٍ كبير. أما مستقبل تلك العملية فيتوقف على قدرة المشير خليفة حفتر على استقراء المواقف السياسية والتكيف معها، وهو ما يجعلنا بصدد اثنين من السيناريوهات.
 السيناريو الأول في اندلاع معركة فعلية في سرت، يواجه من خلالها الجيش الليبي ميليشيات "البنيان المرصوص" و"الوفاق الوطني" لتوسيع دائرة سيطرته، وترسيخ شرعيته، إلا أنه بالنظر إلى المكاسب السياسية التي تحققت لدى حفتر نتيجة مشاركته في "مؤتمر باريس"، يبدو هذا السيناريو بعيد التحقق على الأرض، خاصة في ظل الغضب الدولي على حفتر بعد تحرير الموانئ النفطية، وضمها للحكومة المؤقته التي يراها المجتمع الدولي "غير شرعية".
 السيناريو الثاني، تتضح ملامحه عبر تسوية سلمية قد يلجأ إليها حفتر حفاظًا مكتسباته السياسية والاعتراف الدولي خلال مشاركته بـ "مؤتمر باريس" ومشاركته لأول مرة في اجتماع من نوعه ضمن الفرقاء الليبيين. إلا أن احتمالات تحقق هذا السيناريو ضعيفة أيضًا، حيث يخوض حفتر حربًا في منطقة الهلال النفطي رغم وجود توافقات دولية على بقاء المنطقة تحت سيطرة "حكومة الوفاق". 
وبعرض السيناريوهين في ظل التعقيدات السياسية للوضع الليبي الراهن، يبرز أولهما كسيناريو أقرب للتحقق، خاصة أن الجيش الوطني الليبي يطمح إلى تحرير ما وراء سرت، وهو دخول العاصمة الليبية طرابلس، عبر بوابة المدينة الساحلية سرت، لذا يرجح المراقبون توجه الجيش الليبي بكامل آلياته إلى إليها وشن حرب على كل من يقف أمام طموحه العسكري.

"