ad a b
ad ad ad

«الجازولية».. 60 عاما في رحاب التسامح ومحاربة التشدد

الأربعاء 04/يوليو/2018 - 08:17 م
المرجع
علي رجب
طباعة
«تصوف طريقتنا الجازولية تصوف روحي خالص يراقب الله في كل شيء ويخشاه، فالتاجر في متجره والصانع في مصنعه، الكل يعمل وهو يعلم علم اليقين أن الله يسمعه ويراه، كما يعلم أن الله هو الرزاق وواهب الحياة».

كلمات بسيطة، وصف بها القطب الصوفي الإمام جابر الجازولي، طريقته «الجازولية» الصوفية، التي تحتفل الأيام المقبلة، بمولد «الجازولى»، بمشاركة عدد كبير من أتباعها ومريديها في مصر والوطن العربي والعالم الإسلامي، على مدار 4 أيام من الإثنين 9 يوليو وحتى 12 يوليو.

نشأت الطريقة «الجازولية» في بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وتحديدًا في 24 أكتوبر 1950، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها «جابر حسين أحمد الجازولي»، الذي يصل نسبه إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أن توفي وتولى نجله سالم مشيخة الطريقة عام 1992، وأصبح سالم عضوًا في المجلس الأعلى للطرق الصوفية سنة 1998، بالانتخاب الذى يجدد كل 3 سنوات.

ولد الإمام جابر الجازولي في ٢٥ أكتوبر ١٩١٣، وأسمته والدته جابر عندما رأت في رؤيا بالمنام الإمام جابر الأنصاري المدفون بالإسكندرية، يخبرها بالتنبؤ عن حملها بالقول «فى بطنك جابر»، وكان نسب الأم يمتد إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من الإمام زين الدين العابدين بن الإمام الحسين.

ظهرت على جابر الجازولي، منذ صغره علامات التقى والورع، ورفض مظاهر البدع التي وضعها الدخلاء والمندسون على الطرق الصوفية، فاشتهر في شبابه بالترحال والتنقل، للتتلمذ على يد شيوخ «الشاذلية»، حتى أصبح أحد علماء التصوف الإسلامي المطالبين بعودة التصوف لسيرته الأولى.

وتتلمذ على يد طلاب الأزهر ونشر دعوته لإصلاح التصوف الإسلامي، وأصبح منهجه طريقة صوفية يندرج تحت عباءتها العلماء، داعيًا إلى التصوف قائلًا: «ندعو إلى التصوف الذي يرى الحياة جمالًا وكمالًا وعملًا»، وظل «الجازولي» مع أبناء طريقته في الزود عن التصوف، حتى أصبح لهم صيتًا واسعًا بسبب أتباعهم وحبهم لشيخهم ومنهجه.

القدوة

كانت سيرة القطب الصوفي الكبير أبوالحسن الشاذلي هي القدوة التي استنار بها الإمام الجازولي والمنهج الذي سار عليه، والذي اختاره لطريقته، حيث كان الإمام الشاذلي يرتدي أفخر الثياب ويمتطي خير الجواد، فرأى الإمام الجازولي هذا المنهج بُعدًا عن التسول وهجرًا للخلوات وجهادًا في الحياة، ويقول الإمام الجازولي عن التصوف: «لا تصوف إلا بشريعة، ولا شريعة إلا بتصوف، ولا هما إلا بإيمان.. والتصوف هو صدق التوجه إلى الله سبحانه.. الإمام جابر الجازولي رضي الله عنه وأرضاه».

وعن رؤيته للصوفي يقول: «الصوفىُّ يرى الكون كله مسبحًا هاتفًا، يراه فى بسمة الفجر، يراه فى غناء الطير، يرى في كل شيء جلال الله وجماله، ناطقًا بوحدانيته تعالى وكماله.. «لا إله إلا الله» ليس في الوجود غيره، واحد أحد فرد صمد يراه مسبحًا بصوت أو بغير صوت، بحرف أو بغير حرف، كل شيء يسبح بحمده»، ومن أشهر عباراته: «الولاية ليست أن تطير في الهواء أو تمشي على الماء، لكن الولاية أن توجد لك أخًا فى الله
وتوفي الإمام جابر الجازولي في 8 أكتوبر 1992 عن عمر ناهز 79 عامًا، قضاها داعيًا إلى الله، تاركًا كنوزًا من الآداب الصوفية.

انتشار الطريقة الجازولية

يقول سالم الجازولي، شيخ الطريقة الحالي، إن الجازولية منهج علم للمتصوفة قائم على القرآن والسنة، وانتشرت الطريقة في ربوع مصر وتخطت الحدود، وهناك مريدون لها في كافة مناطق العالم الإسلامى، خاصة شرق آسيا، وهناك «جازولية» بين مسلمي الولايات المتحدة وأوروبا، ووفقًا للتقديرات يصل عدد المريدين داخل مصر إلى 2 مليون، ينتشرون في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية وقنا وسوهاج.

وتتسم الطريقة «الجازولية» بوجود معظم الأتباع المنتسبين إليها من قطاعات عريضة من مختلف الفئات على مستوى الجمهورية، وبوجه خاص الشباب ومعظمهم من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والحاصلين على دراسات عليا وماجستير ودكتوراه، كما ضمت العديد من كبار رجال الدولة والمسؤولين في مصر.

الطقوس 
للطريقة طقوس عدة، فيحفظ المريدون أورادًا وأشعارًا للإمام الجازولي، ويردد الكل في صوت واحد، ولا تجد منهم من يشذ عن الورد بالخطأ أو النسيان، وحينما يطلق لهم شيخهم الإشارة، يسكت الكل مرة واحدة، وإذا ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، تجدهم يثنون عليه في نفس واحد بما مدحه به شيخهم، دون خطأ أو نسيان بما يبهر الحضور من الغرباء وأتباع ومشايخ الطرق الأخرى.

وأكثر ما يميز الطريقة، مدرسة الإثنين، أو مدرسة الطريقة الجازولية؛ حيث تقوم الطريقة بإدارة مدرسة لتعليم المريدين مبادئ الشريعة الإسلامية كل يوم اثنين من كل أسبوع، بمسجد «قايتباي» بالقاهرة، ويُدرَّس فيها منهج للطريقة في كل مناطقها على عموم الجمهورية، التي تصل لـ56 منطقة تابعة للطريقة، والمنهج عبارة حفظ القرآن الكريم، بما تيسر مما قد يحتاج إليه المسلم في صلاته وفي حياته كمستوي أول، ويتدرج هذا المستوى حسب رغبة المريد الراغب في الحفظ، بدايةً من جزء عم وتبارك  إلى مستويات أعلي فأعلي للراغبين، ويتم تدريس الحديث الشريف، من خلال دراسة كتاب الأربعين النووية استنادًا إلى الحديث الشريف القائل: (من حفظ عني أربعين حديثًا حُشِرَ في زمرة العلماء) صدق رسول الله.

وتأتي أيضًا دراسة الفقه الإسلامي، عبر دراسة ميسرة لفقه العبادات كالوضوء والصلاة والصيام، وكذلك دراسة التصوف، من خلال تفسير بعض المصطلحات الصوفية، ودراسة رسائل وضعها شيخ الطريقة جابر الجازولي، كما يتم تعليم الإنشاد الديني، من خلال إنشاد بعض القصائد التي تمدح في النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويدير المدرسة نخبة من حفظة القرآن الكريم من خريجي كليات الدعوة والشريعة بالأزهر الشريف، وعن طريق مكتبة الجازولي ينهل المريد والمحب علمه من خلال الكتب الصوفية، كما يقوم شيخ الطريقة بإجراء مسابقات في حفظ القرآن الكريم على  المستويات كافة مستوى أول خاص بصغار السن، ومستوى خاص بالشباب ومستوى ثالث أرفع لمن يرغب.

وللطريقة العديد من المناسبات الدينية والموالد، حيث تشترك في احتفالات موالد آل بيت رسول الله؛ حيث تعقد حضرة سنوية وحضرات دورية بمقر الطريقة يقوم فيها شيخ الطريقة والقائمين على شؤون الدعوة بالحديث عن صاحب الذكرى والدروس المستفادة من ذكراه.

مواجهة التشدد والتطرف

وتلعب الطريقة «الجازولية» دورا في مواجهة التطرف والتشدد في مصر والعالم الإسلامي، فعقدت جلسات مع الطرق الصوفية الأخرى، شارك بها علماء وأساتذة بالأزهر الشريف، وتوصلوا إلى أفكار معينة لتجديد الخطاب الدينى، وإبلاغ الأزهر الشريف ورئاسة الجمهورية بالنتائج هذه الاجتماعات، التي أفضت إلي أهمية الخطاب الديني لمواجهة التطرف والتشدد وحماية الشباب من الفكر التكفيري، ومن ثم «طرد» الإرهاب من مصر.
"