ad a b
ad ad ad

التصوف المغاربي في أوروبا.. تأثير تاريخي محاه الإرهاب

الأربعاء 04/يوليو/2018 - 09:36 م
المرجع
سارة رشاد
طباعة
منذ صعود تنظيمات ما تُعرف بـ«الجهاد العالمي»: «القاعدة»، ومن بعده «داعش»، وارتبط حضور المغاربة (ذوي الأصول التونسية، أو الجزائرية، أو المغربية) في القارة الأوروبية بالإرهاب، حتى إن أول الترجيحات التي باتت تلحق بأي عملية إرهابية تشير دائمًا إلى أن يكون المنفذ مغاربيًّا، أو مجنسًّا لكنه من أصول مغاربية، إلى أن يثبت العكس.
 
المراكز البحثية الغربية بدورها، تلقفت تقارير إعلامية وأمنية أوروبية حديثة، تناولت هذا الطرح والربط بين الإرهاب والأصول المغاربية، لتكثف من عملها على إعداد دراسات تفكك هذه العلاقة وتُجلي أسبابها، بل إن بعض الدراسات ذهبت لما هو أبعد، بحثًا عن المسؤول عن خلق هذه العلاقة.

ودعّم هذا التوجه تورط قطاع من أبناء الجالية المغاربية في أوروبا في عمليات إرهابية منذ ظهور تنظيم «داعش» في يونيو 2014 على الساحة، ومن قبله حضور الجنسيات المغاربية بشكل واضح في قائمة المطلوبين في أمريكا منذ أحداث البرجين الأمريكيين (11 سبتمر2001م) وحتى اليوم، منهم التونسي فاكر عبدالعزيز بوصرة، الذي أدرجته أمريكا في 2004 على قوائم الإرهاب، وحددت خمسة ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عنه، بدعوى إنه على علاقة بالتنظيمات الإرهابية ومن المرجح عودته إليها وتنفيذ العمليات ضدها.

وبفعل اختصار وجهة النظر الغربية في المغاربة على ركن الإرهاب، تغيّب ركن آخر ليس بعيدًا هو «الدور الصوفي المغاربي في أوروبا»، ورصدت كتابات مغاربية وغربية دورًا صوفيًّا مهمًا لعبته الصوفية المغاربية في إشباع الجانب الروحي للقارة الأوروبية، التي تفتقد للروح في ظل التطور المادي السريع.

ففي كتاب صدرت طبعته الأولى في 2008 للباحث المغربي الدكتور عزيز الكبيطي إدرسي بعنوان «التصوف الإسلامي في الغرب: الأثر الصوفي المغاربي في بريطانيا» تناول دور الصوفية المغاربية الذي وصل إلى الغرب بشكل عام، وبريطانيا على وجه الخصوص.

ولهذا الدور بُعدٌ تاريخي، رصدته أستاذة اللغة العربية والحضارة الإسلامية بجامعة جنيف، الدكتورة فوزية العشماوي، في مقالة تطرقت فيها إلى تأثير التصوف المغاربي على قطاع كبير من مثقفين فرنسيين وغربيين، لاسيما دور الصوفية في جذب نساء أوروبيات واعتناقهن الإسلام.

وتقول العشماوي: «ومن الملاحظ حاليًا في أوروبا انتشار نزعة إلى الإسلام الصوفي وطقوسه الروحية من المفكرين والمثقفين الأوروبيين، الذين يندرجون في فلسفة البحث عن الحقيقة والتعلق بمعتقد جديد فيه روحانية وسمو، وهم يشيدون في كتاباتهم بالقيم الروحية المحببة إلى النفس». 

وتُتَابع في سياق آخر: «ويرجع الفضل في انتشار الفكر الصوفي، بين المفكرين والمثقفين في فرنسا في بداية القرن العشرين إلى شيوخ الطرق الصوفية المغاربة، الذين نزحوا إلى فرنسا، واستقروا فيها ونجحوا في استقطاب كثير من المريدين الفرنسيين ومن المهاجرين المغاربة، ونشروا بينهم الثقافة الصوفية»، وضَرَبَتْ مثالًا بالكاتبيْن الفرنسيين لويس ماسينيون وهنري كوربان على هؤلاء المتأثرين بالفكر الصوفي، إذ أشاد كل منهما بالزهد الصوفي في كتاباتيهما. 

وتطرقت إلى نجاح حققه التصوف في أوساط المرأة الأوروبية خلال القرن العشرين، وهنا تقول: «وهناك أساطير حديثة عن نساء أوروبيات متصوفات نذكر منهن المتصوفة الفرنسية لوران التي تزوجت عام 1872 من شيخ تيجاني من جنوب الجزائر، وانضمت إلى الطريقة التيجانية بعد أن اعتنقت الإسلام». 

وأقرت بأن ظاهرة انجذاب النساء إلى التصوف مازالت قائمة، وتفسيرها في ذلك إن النساء الأوروبيات يبحثن في الغالب عن جانب روحي مفقود في المجتمعات الغربية، وهو نفس التفسير تقريبًا الذي يبرر به المراقبون انضمام قطاع من الأوروبيات إلى التنظيمات الجهادية وتركهم لبلدانهم مقابل حمل السلاح والعيش في الصحراء، إذن فالأوروبيات في المطلق يبحثن عن الروحانيات، وحين توافرت لهن الصوفية بمنهجها في القرن الماضي سرن معها، وعندما ذهب إليهن «داعش» لم يتردد بعضهن في الالتحاق به.

سعيد منواش، مقدم الزاوية الكركرية بالمغرب، اتفق مع ذلك، إذ قال لـ«المرجع» إن الحضور الصوفي أينما حل يكون قويًّا، مشيرًا إلى دور تاريخي نجحت الصوفية المغربية في الاضطلاع به في فرنسا على وجه الخصوص، نظرًا للعلاقات القائمة بينهم واستقبال فرنسا عددًا كبيرًا من الحاملين للجنسية المغربية. 

وفسّر «منواش» تصاعد الإسلاموفوبيا في الغرب بتواري الدور الصوفي وتأثير الصوفية على أوروبا، ذلك لأن الإرهابيين حريصون على تقديم أنفسهم كممثل وحيد عن الدين، ما أوهم الغرب بأن هؤلاء الإرهابيين هم الإسلام.
"