ad a b
ad ad ad

التكتيك العقابي.. سياسة الإرهابيين لضرب استقرار مالي

الأربعاء 01/نوفمبر/2023 - 06:31 م
المرجع
أحمد عادل
طباعة

يدخل حصار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لمدينة تمبكتو شهره الثاني، دون أن يتمكن الجيش المالي من فكّه، إذ تعيش المدينة الأثرية الواقعة شمال الدولة الإفريقية في عزلة تامة منذ أن قرر فرع تنظيم القاعدة في الساحل بشكل مفاجئ قطع كل الطرق المؤدية إليها مطلع أغسطس الماضي.


وأعلنت الجماعة، في بيان، فرض حصار جزئي على مدينة "جاو" الواقعة على ضفاف نهر النيجر وتبعد عن تمبكتو 320 كلم إلى الجنوب الشرقي، ويقطنها حوالي 86000 نسمة.


تكتيك عقابي


حصار المدن والقرى في مالي كان دائمًا تكتيكًا عقابيًّا تلجأ إليه الجماعات المتشددة لتأكيد نفوذها، وعقاب من تتهمهم بالتعاون مع خصومها، لكن هذه المرة أخذ طابعًا استثنائيًّا في دواعيه وملابساته.


وخلال السنوات الماضية أعلنت "نصرة الإسلام والمسلمين" في الساحل، مرارًا، عن حصارها لبعض القرى والمدن في مناطق متفرقة من مالي، في سياق حربها على الحكومة والقوات المتحالفة معها سواء كانت فرنسية (قبل خروجها من البلد) أو تابعة لشركة فاجنر الروسية، كان آخرها ما أعلنت عنه الجماعة من فرضها حصارًا خانقًا أواخر يوليو الماضي على بلدة بوني.


وبررت خطوتها آنذاك، في بيان أصدرته أوائل أغسطس الماضي، بأن أهالي البلدة تعاونوا مع قوات فاجنر والجيش المالي، وأكد بيان للحركة أن الذين رفضوا التعاون مع فاجنر خرجوا من البلدة قبل تطويقها وقطع الإمدادات عنها، ولم يبق منها سوى المدانين بالتعاون.


الرضوخ لرغبات الإرهابيين


نجاح تكتيك الحصار في إرغام القرى وأعيانها على الرضوخ لرغبات الإرهابيين، دفع جماعة "نصرة الإسلام" إلى اتخاذها تكتيكًا ناجعًا لتوسيع سيطرتها ومد نفوذها على مساحات شاسعة في شمال ووسط البلاد.


في أغسطس 2023، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل صوتية منسوبة إلى المدعو "طلحة أبو هند" وهو قيادي بارز في "نصرة الإسلام والمسلمين"، ودرج على توقيع بياناته بـ"والي ولاية تمبكتو"، أعلن فيها أن المدينة العريقة التي يقطنها 35000 نسمة باتت تحت الحصار، وحذر الشاحنات القادمة من الجزائر وموريتانيا والمناطق الأخرى من دخولها.


بعض أهالي المدينة حسب ما نقلته وكالة رويترز، ظنوا أن الأمر يتعلق فقط بتطور عسكري مؤقت كما كان يحدث في السنوات السابقة، لكن الأحداث اللاحقة واستمرار الحصار لأسابيع بدد آمالهم في عودة سريعة إلى حياتهم الطبيعية.


وفي الأيام اللاحقة لإعلان تطويق مدينة تمبكتو، وقعت تطورات أكدت أن الأمر لا يتعلق فقط بعقاب مؤقت لمدينة "المزارات والأضرحة" بل بخطة إعادة تمكين للجهاديين، وسيطرتهم على مدن إقليم أزواد الرئيسية.


وبدأت "نصرة الاسلام" عمليات موسعة في محيط تمبكتو استهدفت الجيش المالي وقوات فاجنر في منطقة بير، كما استهدفت قوات حفظ السلام الأممية (مينوسما).


وفي 18 أغسطس 2023، عادت قوافل من شاحنات محملة بالبضائع قادمة من الجزائر، أدراجها، بعد تهديدات باستهدافها.


وفي 28 الشهر نفسه، أعلن رئيس بلدية تمبكتو أن المدينة تعاني نقصًا حادًا في الأغذية والمواد الأساسية وارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، مناشدًا الجماعة فتح الطرق إلى المدينة أمام الإمدادات الغذائية.


مشهد مطابق لعام 2012


المعطيات الميدانية والسياسية في مالي آخذة في التبلور لتشكيل مشهد مطابق تمامًا لمشهد 2012 مع تغييرات طفيفة على مستوى حضور فاعلين جدد، وواقع معقد يصعب التكهن بمآلاته، بعد انسحاب الجيش الفرنسي.


في عام 2012 اجتاح تحالف هش جمع الحركات الأزوادية وتنظيم القاعدة وحركة "التوحيد والجهاد" وتنظيم "أنصار الدين"، إقليم أزواد، وفرض سيطرته على المدن الرئيسية: غاو، وكيدال، وتمبكتو. وأعلن نظامًا إسلاميًّا ما لبث أن تفكك على وقع خلافات حادة بين الفرقاء الأزواديين والجهاديين، ثم جاء التدخل الفرنسي وقوّض "الإمارة" وبدد أحلام الجهاديين.


ويتكرر هذا السيناريو الآن إلى حد ما، فجماعة "نصرة الإسلام" هي فرع القاعدة في مالي وتضم أيضًا جماعة "أنصار الدين" بزعامة إياد أغ غالي، وداعش هي نفسها حركة "التوحيد والجهاد"، وتنسيقية حركات أزواد (سيما) هي نفسها "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" التي تحالفت مع القاعدة في 2012 مع توسع في مكوناتها.


وتعتبر مدينة غاو من المعاقل الرئيسة لتنسيقية الحركات الأزوادية، وقيام القاعدة بفرض الحصار عليها يعني أن السيطرة على المدن الكبيرة في أزواد يدخل في صميم خططها لبسط النفوذ في الشمال المالي.


والأسباب وراء ذلك تتمثل  في قطع الطريق على تنظيم داعش الذي يعتبر السيطرة على المدن خيارًا إستراتيجيًّا، يعبر عن "التمكين" و"سلطة الخلافة"، ولأن تنظيم القاعدة سيحتاج إلى أوراق ضغط وتفاوض في حال قرر تقاسم السلطة مع الحركات الأزوادية، وإعادة بعث "وثيقة أزواد"، وهي وثيقة كتبها زعيم القاعدة السابق في الدول المغاربية، المدعو أبو مصعب عبدالودود.

"