أوروبا تدفع ثمن رأسماليتها دمًا وإرهابًا
الأحد 01/يوليو/2018 - 08:17 م
أحمد لملوم
أوروبا، التي أسهمت في تطوير نظام الرأسمالية، الذي يتمثل جوهره في تحقيق أرباح كبيرة من خلال الاعتماد على ثقافة الاستهلاك، تقف اليوم أمام مفترق طرق، يحتم عليها مراجعة المسار الذي سلكته في الماضي لتجنب مستقبل قاتم، تنتشر فيه مشاعر الكراهية وعدم المساواة بين مواطنيها.
وتتسبب قدرة الرأسمالية على خلق الرغبة الملحة لدى الناس بامتلاك أشياء ليسوا بحاجة إليها، أو ما يطلق عليه «الشهية المتخيلة»، في شعور العديد من الأشخاص بالدونية والنقص، هذا الشعور قد يدفع البعض إلى اتخاذ مسلكٍ متطرف.
إرهابيون متأزمون
عقب حادثة الطعن التي وقعت في باريس مايو الماضي، قال «حمزة عظيموف»، منفذ هذه العملية الإرهابية لصحف فرنسية، إنه «كان يريد العمل بعد انتهاء فترة الدراسة ليكسب قوته».
وبإجراء القليل من البحث عن الشاب الفرنسي ذي الأصول الشيشانية، والذي قتل رجلًا وأصاب أربعة آخرين، نجد أنه وصل إلى فرنسا مع والديه عام 2000، قادمين من الشيشان، وبعد أربع سنوات حصلوا على حق اللجوء الإنساني بعدما رفضت السلطات الطلب الخاص بهم أكثر من مرة، وعندما بلغ 13 عامًا مُنح الجنسية الفرنسية.
وقالت مديرة المبنى (حيث تعيش عائلة عظيموف في شقة مستأجرة في باريس) لوكالة «فرانس برس»، إنه لم تظهر على العائلة أي مظاهر دينية علنية، مشيرةً إلى أن الأب عمل من حين لآخر في البناء والدهان، والأم عملت لدى مؤسسة تساعد المتشردين.
ويكشف الهجوم الذي نفذه «عظيموف»، عن رغبته في فعل أمرين، الأول هو التسبب في ضرر وإن كان بشكل عشوائي، والآخر عدم محاولته الهروب والتوجه نحو قوات الشرطة، التي أطلقت عليه النار وأردته قتيلًا، وهو ما يؤكد رغبته في الانتحار وإن كان برصاص الغير.
ويقول المفكر الفرنسي «أوليفييه روا»، في مقال له بصحيفة الجارديان البريطانية، «إن منفذي العمليات الإرهابية لا يسعون للحياة، لكن الموت، ويعتقدون أنهم سوف يموتون في سبيل قضية ما وليس هباءً».
لكن هناك استثناء لهذه القاعدة، يتمثل في «صلاح عبدالسلام»، الناجي الوحيد من منفذي هجمات باريس الدامية عام 2015، والتي خلفت عشرات القتلي والمصابين، والذي يحاكم حاليًا، وقد صدر في حقه حكم أولي بالسجن 20 عامًا في أبريل الماضي.
ووضع «عبدالسلام»، حزامًا ناسفًا حول جسد شقيقه الأصغر «إبراهيم»، فجره في محيط ملعب رياضي، وكان من المقرر أن يتوجه هو الآخر بحزام ناسف ثانٍ، عثرت عليه قوات الشرطة مُلقى في صندوق نفايات فيما بعد، لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة.
ولـ«عبدالسلام»، البلجيكي ذي الأصول المغربية، سجل إجرامي، إذ تم القبض عليه أكثر من مرة في قضايا سرقة وتهريب، وقبل تنفيذه الهجوم الإرهابي بشهر كان قد عرض حانته، والتي كان يديرها مع شقيقه الأصغر، للبيع بعد فشله في تحقيق أرباح منها.
ويتشابه سجل «عبدالسلام» الإجرامي، مع سجل زعيم تنظيم «الشريعة من أجل بلجيكا»، فؤاد بلقاسم، والذي يقضي عقوبة بالسجن 12 عامًا بتهمة تأسيس تنظيم إرهابي، وتجنيد وتشجيع أشخاص للسفر إلى العراق وسوريا للانضمام لتنظيم داعش الإرهابي.
وسجن «بلقاسم» عدة مرات ما بين عامي 2004 و2007 في قضايا تهريب وسرقة، وكان يعمل برفقة والده في تجارة السيارات حتى أعلن إفلاسه عام 2003، وهو ما دفعه للعودة إلى المغرب (موطن أبيه) حيث بقى هناك لبعض الوقت، عمل خلاله في فرقة موسيقية وسائق مهني.
سمات مشتركة
لا توجد صفات قياسية يمكن استخدامها لمعرفة الإرهابيين الأوروبيين، لكن هناك صفات مشتركة بينهم، فالغالبية العظمى منهم من الجيل الثاني لأسر مهاجرة، وواجه أغلبهم أزمة هوية وضيق الحال والشعور بالتهميش في المجتمع، وهناك عدد منهم يمكن وصفه بـ«المولودين من جديد».
فقد جاء التزام هؤلاء بعد حياة علمانية صاخبة، ارتادوا خلالها النوادي الليلية وشربوا الكحول، وفجأة التزاموا دينيًّا، إما بشكل فردي أو في ضمن مجموعة صغيرة، مثل «الأخوان عبدالسلام».
وفي كل الحالات تقريبًا، تكون بداية التطرف من خلال أشخاص عرفوهم من قبل، سواء أصدقاء طفولة أو معارف من السجن، يستغلون حالة التهميش التي يشعر بها هؤلاء والوضع الاقتصادي السييء لهم ليقوموا بإقناعهم أن الالتزام الديني هو ضالتهم المنشودة.
ومع حالة السخط على المجتمع وأزمة الهوية لديهم، لا يستغرق الأمر سوى بضعة شهور حتى يكونوا متدينين متشددين لديهم استعداد لتنفيذ عمليات إرهابية، انتقامًا من مجتمع لم يستطيعوا النجاح فيه أو الاستمتاع بما يوجد فيه.
ورغم قواعد الرأسمالية، التي تجبر الجميع على العمل لفترات طويلة من أجل توفير قوت يومهم، فإن هناك نماذج عدة لمسلمين في أوروبا، استطاعوا العثور على طريقهم الخاص وتحقيق النجاح، ولعل أبرز هؤلاء، وزير الداخلية البريطاني الحالي، ساجد جاويد، القادم من أسرة آسيوية فقيرة عمل ربها سائق حافلات في مدينة لندن البريطانية.
جهود فردية
هناك دول أوروبية أدركت تأثير الوضع الاقتصادي وحالة التهميش التي يعيشها بعض المسلمين، وكانت الدنمارك من أولى هذه الدول، إذ اتخذت مسلكًا مختلفًا في التعامل مع الشباب ذوي الأفكار المتشددة لإعادة دمجهم مرة أخرى في المجتمع، ويتعاون مدرسون، ومربون تربيون، وأطباء نفسيون، وأفراد من الشرطة في برنامج حكومي من أجل تقديم المساعدة المطلوبة لإنقاذ الشباب الدنماركي الذي انجرف إلي براثن التشدد.
ويقوم البرنامج على عقد جلسات حوارية وورشات عمل تساعد هؤلاء الشباب من أجل استعاده السيطرة على مسار حياتهم، وتقديم المشاورة لهم وحثهم على التفكير النقدي فيما يتلقوا من الآخرين، وتعليمهم المهارات الحياتية والمهنية التي تضمن لهم العيش وحياة كريمة.
وفعلت السلطات خطوة وقائية في إطار هذا البرنامج، بتوجيه دعوات للمشاركة فيه لمن تظهر عليهم إرهاصات التشدد، على سبيل المثال الولوج إلي مواقع إليكترونية معينة، والميل إلي الانعزال في المدرسة أو الجامعة، وقطع العلاقات مع المقربين منهم سواء من عائلاتهم أو أصدقائهم.





