دلالات تصعيد داعش ضد قيادات طالبان في منطقة فيض أباد
يلعب تنظيم "داعش" الإرهابي، منذ اليوم الأول لاستيلاء حركة "طالبان" على السلطة في أفغانستان، على سياسة المغالبة مع الحركة، لإثبات أنه قادر على المنافسة والسيطرة بطريقته الخاصة، فالتنظيم يسير في استراتيجيته ضد طالبان وفقًا لآليتين، هما أن طالبان تمثل سلطة قائمة كغيرها من السلطات والحكومات في الدول العربية والإسلامية التي يعتبر أنها تحكم بغير ما أنزل الله، وهو ما يعلنه التنظيم بصورة صريحة.
ومن ذلك العملية الأخيرة التي استهدفت عزاء أحد القيادات في حكومة طالبان بإقليم بادخشان، وقد ظهر ذلك مدونًا في منشورات التنظيم الرسمية التي خصصها لهذا الأمر، ومنها مجلة "خراسان" التي خصصت عددها الثالث لبيان هذا التوجه نحو الحركة.
فقد خصصت المجلة عددًا من الملفات نفت فيه أن تكون طالبان ممثلة لدولة إسلامية، كما يظهر في شعاراتها وخطاباتها، ووضعت المجلة شروطا للدولة الإسلامية ومقاصدها نفت فيه أن تكون هذا الصفات مطابقة لحكومة طالبان التي اعتبرتها خالفت العقيدة والشريعة الإسلامية.
وأكدت المجلة أن طالبان خالفت العقيدة الإسلامية- من وجهة نظرها- ووصفتها بعُبّاد القبور والأضرحة، كما اتهمت الحركة بترك الجهاد الإسلامي وموالاة الغرب، بل ودعت صراحة إلى قتل كل من يتعاطف مع الحركة تطبيقا لمبدأ الولاء والبراء بحسب رؤية التنظيم الإرهابي.
تطبيق على الواقع
وقد ترجم تنظيم داعش ذلك الجانب النظري الواضح في منشوراته، ومنها مجلة "صوت خراسان" خلال تعامله مع حركة طالبان منذ اليوم الأول لوصول الحركة إلى السلطة في أغسطس 2021.
فعلى المستوى التنظيمي لا يزال التنظيم يوجه ضرباته إلى قلب حركة طالبان، مستغلًا الخلاف التقليدي داخلها بين فريقي الصقور والحمائم، أو الجهاديين والمكتب السياسي، ويغازل التنظيم عادة الجناح الجهادي الذي ينجح كثير في استقطاب عناصره الذين كانوا اللبنة الأولى التي تكونت على أساسها ولاية خراسان من الذين يتمسكون بالجهاد وحمل السلاح، ويرفضون سلوك الحركة كدولة أو جلوسها على موائد المفاوضات مع الأعداء.
وكان من بينهم الزعيم الأول لفرع التنظيم في أفغانستان أو زعيم ولاية خراسان حافظ سعيد خان الذي كان عضوًا بارزا في حركة طالبان.
وتعد تلك السياسة إحدى الضربات الموجعة لطالبان والتي تعمل على تفكيكها من الداخل أو على الأقل إزكاء الانشقاقات داخلها.
وفي الوقت نفسه أيضًا يوجه التنظيم الضربات للحركة من الخارج عن طريقين: أحدهما: تنفيذ عمليات إرهابية ضد من تحميهم الحركة، لإثبات عجزها عن السيطرة الأمنية على البلاد، وهو ما بدا واضحًا من اليوم الأول لسيطرة طالبان على السلطة في الهجوم على مطار كابول خلال أغسطس 2021 والذي أسفر عن مقتل 10 من الجنود الأمريكان، وإصابة العشرات من الموجودين بمحيط الهجوم، إضافة إلى سلسلة الهجمات التي تعرضت لها طائفة الشيعة التي تعهدت حركة طالبان بحمايتهم.
والثاني: التعامل مع الحركة كسلطة حاكمة مثلها مثل غيرها من الحكومات التي يعتبر التنظيم أنها تحكم بغير ما أنزل الله، فعمل التنظيم على توجيه الضربات لقيادات وعناصر الحركة ورجالها، علاوة على الهجمات الفردية التي تستهدف عناصر موالية للحركة، صعد التنظيم خلال الشهور العشرة الأخيرة إلى استهداف المسؤولين والقيادات، ونفذت عددًا من العمليات ضدهم منها على سبيل المثال استهداف وزارة الخارجية الأفغانية في العاصمة كابول مرتين متواليتين إحداهما في يناير 2023م، والثاني في مارس من العام نفسه.
وشهد الشهر نفسه إعلان التنظيم اغتيال محافظ بلخ داود مزمل التابع لحكومة طالبان، وبعدها بيومين الهجوم على مؤتمر صحفي في أقليم بلخ أسفر عن مقتل 6 من الصحفيين الأفغان.
فيض أباد
وتأتي عملية فيض أباد الأخيرة ضمن الطريق الثاني، وهو اعتبار أن طالبان حكومة كغيرها من الحكومات وليس مجرد جماعة منافسة فقط، والتي أعلن تنظيم داعش الإرهابي تنفيذها، وتُعد من أخطر العمليات ضد طالبان منذ استيلائها على السلطة نظرًا لعدد القيادات الذين شملهم الهجوم في مكان واحد.
فقد أعلن التنظيم مقتل وإصابة 70 من حركة طالبان بينهم قيادات أمنية وعسكرية ومسؤولين سياسيين أبرزهم قائد في الجيش ووزير الاقتصاد بالوكالة في حكومة طالبان قاري دين محمد حنيف، النبوي في مدينة فيض آباد، بينما كان يشارك عدد كبير من المواطنين في مراسم تأبين نصار أحمد أحمدي، حاكم ولاية بدخشان بالوكالة.





