يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

حقائق غائبة عن «ترامب» بخصوص إنهاء مهمة بلاده في أفغانستان

الثلاثاء 04/ديسمبر/2018 - 05:38 م
ترامب
ترامب
أحمد لملوم
طباعة

منذ قدومه للبيت الأبيض، يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حسم قضايا عدّة يرى أن بلاده تنفق عليها أموالًا طائلة، وتكلف معالجتها الكثير من الوقت والمجهود والمال، الذي يعتقد أنها لابد أن تنفق في معالجة القضايا الداخلية، ويأتي الصراع الأفغاني على رأس هذه القضايا؛ إذ يرى ترامب أنه حان الوقت لطي صفحة واحدة من أطول الحروب الأمريكية.

عمران خان
عمران خان

وقالت وزارة الخارجية الباكستانية اليوم: إن ترامب كتب رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان طلب منه مساعدة بلاده في دعم وتيسير المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب، كما عرض تجديد العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وباكستان، ويقول ترامب: إن الحكومة الباكستانية تربطها علاقات قوية مع حركة طالبان، كما يعتقد أن قيادة الحركة الإرهابية متمركزة في باكستان.


توقعات عالية وواقع معقد

يتجاهل طلب ترامب من باكستان التدخل وإقناع حركة طالبان بالجلوس إلى طاولة المفاوضات؛ لإجراء محادثات السلام، أمورًا رئيسية عدّة في هذه القضية ذات التعقيدات الشائكة، أولها هو وضع عمران خان نفسه في بلاده، فهو وعد بتوفير نحو 4.5 مليون فرصة عمل خلال فترة تولية للسلطة، وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية بدأت بسبب عجز كبير في الميزانية، وتصاعد في الديون، وارتفاع نسبة التضخم، إضافةً إلى أزمة البطالة في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 208 ملايين نسمة، أكثر من 60 في المائة منهم تحت سن الـ30.


من جهة أخرى، وقع وزير الشؤون الدينية الباكستاني، نور الحق قدري ومساعد زعيم حركة «لبيك باكستان»، بير أفضل قادري، وهي الحركة التي نظمت المظاهرات ضد قرار المحكمة، وعدت الحكومة الباكستانية فيه بعدم الاعتراض على تقدم الحركة بالتماس لإيقاف قرار المحكمة العليا، وتعهدت بالعمل في الوقت نفسه لوضع اسم آسيا بيبي على قائمة مراقبة الخروج، التي من شأنها منعها من مغادرة البلاد.


وقال المحلل الصحفي الباكستاني، مشرف الزيدي تعليقًا على هذا الاتفاق إنه «استسلام تاريخي»، خاصةً أن رئيس الوزراء عمران خان، دافع عن قرار الإفراج عن آسيا بيبي في البداية، وشدد على ضرورة احتواء المتظاهرين ضد القرار، والتعامل بجدية مع من يقوم منهم بأعمال عنف.


كما أن أمريكا لم تعد اللاعب الرئيسي الوحيد في باكستان، ففي زيارة رسمية قال الرئيس الصيني شي جين بينغ لقائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا، إن بلاده تولي أهمية كبيرة لعلاقاتها مع باكستان، التي تعتبر ضمن البلدان التي يمر بها مشروع الصين الاقتصادي، طريق الحرير.


وتعتمد السياسة الصينية نحو باكستان على ملء أي فراغ تتسبب فيه سياسة  ترامب، ومنها تعليق الولايات المتحدة يناير الماضي، للمعونات الأمنية كافة التي تقدمها لباكستان؛ بدعوى أنها فشلت في التعامل مع الجماعات الإرهابية الناشطة على أراضيها، حتى تتخذ «إسلام أباد» إجراءات ضد حركة طالبان، وتدرس الحكومة الباكستانية قرار الاقتراض من الصين لإصلاح اقتصاد البلاد المنهك.

حقائق غائبة عن «ترامب»
تصعيد طالبان
من جهتها أعلنت الأمم المتحدة أن الهجمات الإرهابية، التي نفذتها حركة طالبان في أفغانستان خلال الانتخابات البرلمانية الأفغانية، أسفرت عن مقتل عدد قياسي من الضحايا المدنيين، فيما وصفته «حملة مدبرة استهدفت تعطيل العملية الانتخابية وتقويضها، فقد أجبرت أفعال الحركة الإرهابية العديد من الأفغان على الاختيار بين ممارسة حقهم في المشاركة بالعملية السياسية والمخاطرة بسلامتهم الشخصية، بحسب الوكالة الأممية».

هذا التصعيد لم يكن وليد اللحظة، فالحركة الإرهابية أصبحت نشطة في أكثر من 70 في المائة من الأراضي الأفغانية، بحسب تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، وخلال الفترة الماضية توالت هجمات الحركة على قوات الأمن الأفغانية بلا هوادة، وقتلت قائد شرطة ولاية قندهار، الجنرال عبدالرازق أثناء اجتماع كان يحضره قائد قوة حلف شمال الأطلسي الجنرال الأمريكي سكوت ميلر.

لكن ميلر، الذي عينه ترامب في منصبه الحالي مايو 2018، لم يصب بأذى في إشارة تحذيرية من الحركة الإرهابية للولايات المتحدة، أن المسؤولين الأمريكيين في مرماها إذا أردات الوصول اليهم واستهدافهم، وخلف ميلر الجنرال جون نيكلسون، الذي قاد مهمة الناتو في البلاد منذ 2015.

ورأى كثير من المراقبين اختيار ملير، دلالة على إعادة نظر إدارة ترامب في مواقف الولايات المتحدة التقليدية تجاه أفغانستان، خاصةً حركة طالبان الإرهابية؛ إذ يعرف عن ميلر، أنه أسهم في تفكيك تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، كما أنه خدم في صفوف القوات الأمريكية لمدة 35 عامًا، وقضى معظم فترات خدمته في قيادة العمليات الخاصة.

لكن الحركة الإرهابية استمرت في تنفيذ عملياتها الإرهابية، فسيطر مقاتلو طالبان على مدينة غزنة جنوبي العاصمة الأفغانية لفترة، قبل أن تتمكن قوات الأمن من طردهم منها، كما اقتحموا قاعدة عسكرية في شمال أفغانستان؛ ما أسفر عن مقتل 17 جنديًّا، وإصابة 19 آخرين على الأقل، هذه الهجمات تأتي خلال فترة تشهد الساحة الأفغانية عودة الدب الروسي على مسرح الأحداث.

وتحاول روسيا استعادة علاقاتها السياسية مع أفغانستان إلى ما كانت عليه في حقبة حكم حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني، الذي تولى السلطة عام 1978، عندما كان «الكرملين» يتحكم بمجريات الأمور في البلد الواقع في آسيا الوسطى.

ووجدت روسيا عدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، حافز قوي لهذه العودة، ونجحت موسكو في عقد اجتماع دولي حول أفغانستان مؤخرًا، حضر فيه ولأول مرة وفد من طالبان مع مسؤولين إقليميين؛ حيث شارك فيه 4 ممثلين عن المجلس الأعلى للسلام، وهو هيئة حكومية مكلّفة بجهود المصالحة في البلاد، ووفد رفيع المستوى من 5 أعضاء بالحركة، يرأسه محمد سهيل شاهين المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان.

هذه التعقيدات والتدخلات تجعل من الصراع الأفغاني، معضلة لا يمكن حسمها سوى بجهود تتعامل معهم، برؤية واضحة وحنكة سياسية، وستظهر الأيام القادمة ما إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي الحالي تمتلك هذه المهارات أم لا!
"