يصدر عن مركز سيمو - باريس
ad a b
ad ad ad

دور روسيا في توتر العلاقات بين أمريكا وجنوب إفريقيا

الأربعاء 07/يونيو/2023 - 05:40 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة
تحت عنوان قط يطارد فأرًا، وبين مواقف كر ومواضع فر، تتشكل العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، بفوز الحلفاء على المحور وخروج موسكو وواشنطن كقوتين عظميين يسيطران على دول العالم، واستمرت بينهما الحرب الباردة حتى سقوط وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، وما لبثت أن توترت العلاقات مرة أخرى بمجرد وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في نهاية عام 1999، ووصل العداء مداه عقب بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022.

صراع ممتد

الصراع الأمريكي الروسي امتد ليشمل العديد من دول وقارات العالم، ولاسيما القارة السمراء، فالبلدين يتسابقان على بسط نفوذهما على الدول الإفريقية لما تمتلكه هذه الدول من ثروات وموارد طبيعية كبيرة.

تقارب روسيا مع جنوب إفريقيا جعل الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ موقفًا عدائيًّا من الأخيرة، إذ اتهمت بريتوريا بتهريب أسلحة وذخائر موسكو، وأن ذلك يعد انحيازًا سافرًا للدب الروسي ضد أوكرانيا في الحرب المشتعلة بينهما، بالإضافة إلى موقفها السابق من رفضها قرار الدول الغربية بفرض عقوبات على روسيا، وسمحت للسفن الحربية الروسية والصينية باستخدام مياهها في مناورات بحرية مشتركة قبالة ساحلها الشرقي في فبراير 2023 بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لبدء حرب روسيا وأوكرانيا، مما جعل علاقتها مع أوروبا في أدنى مستوياتها منذ بداية القرن الـ21.

مخاوف أمريكية 

من جانبه أكد محمود الأفندي، الباحث المختص في العلاقات الدولية، أن موقف جنوب إفريقيا من الهجوم الذي شنته روسيا على أوكرانيا، منذ نحو 15 شهرًا أثار مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة عقب امتناع أكثر الدول الإفريقية وعلى رأسها بريتوريا عن المشاركة في تصويت للأمم المتحدة يدين الهجوم الروسي، إذ أعلنت أن موقفها محايد بشأن الحرب، وطالبت بحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية.

وأضاف الباحث في الشؤون الدولية أن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت في استضافة جنوب إفريقيا سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي لإجراء محادثات مطلع عام 2023، كما سمحت للسفن الحربية الروسية والصينية باستخدام مياهها في مناورات بحرية مشتركة قبالة ساحلها الشرقي في فبراير الماضي، وذلك في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب الروسية الأوكرانية أوكرانيا، مما فسر أنه انحياز واضح لموسكو ضد الدول الغربية.

وأشار الأفندي إلى أن روسيا تحاول إيجاد موطئ قدم لها في إفريقيا عن طريق إبراز نفسها كوسيط أمني لمواجهة المخططات الغربية، وتروج لنفسها باعتبارها المدافع عن دول القارة السمراء في محاولة لاستعادة دورها الذي كانت تقوم به قبل انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يدعم حركات التحرر في معظم أنحاء إفريقيا، وأثمرت عن استقلال العديد من الدول الإفريقية، وبمجرد تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاليد الأمور بات يعمل على استكمال استراتيجية الاتحاد السوفيتي في إقامة علاقات قوية مع دول إفريقيا، مستعينًا بشركة فاجنر ذراعه الأمني والعسكري التي تعد حلقة وصل وفتحت له طريق إفريقيا، عبر المساعدة في تأمين الشخصيات التي تولت زمام السلطة وكانت لها علاقات مع روسيا.

وأضاف الخبير في الشؤون الدولية، أن اتهامات روبن بريجيتي، السفير الأمريكي في جنوب إفريقيا لبريتوريا بإرسالها شحنة أسلحة وذخائر إلى روسيا لمساعدتها في حربها مع أوكرانيا كاشفة لمدى توتر العلاقات بين البلدين، حيث أكد السفير الأمريكي أن بلاده رصدت تحميل ذخيرة وأسلحة بشكل سري على متن الشاحنة الروسية ليدي آر في قاعدة سيمون تاون البحرية، بالقرب من كيب تاون بجنوب إفريقيا، ويرجح أنها أسلحة إلكترونية، كلوحات الدوائر أو أنظمة القيادة والتحكم، التي تجد موسكو صعوبة في الحصول عليها بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها، وأنظمة هاوتزر ذاتية الدفع، وهو الأمر الذي نفته جنوب إفريقيا جملة وتفصيلًا خوفا من فرض عقوبات اقتصادية عليها.

وأكد الأفندي أن تقارب روسيا مع جنوب إفريقيا يزعج واشنطن كثيرًا إذ ترى أن بريتوريا لا تتخذ موقفًا محايدًا من الحرب الروسية الأوكرانية، بدليل أنها أجرت مناورات بحرية مشتركة قبالة سواحلها مع روسيا والصين، في تحدٍ كبير للتحذيرات الأمريكية في هذا الشأن، فضلًا عن السماح، نهاية إبريل 2023، لطائرة شحن روسية ضخمة من طراز أنتونوف بالهبوط في قاعدة ووتركلوف الجوية العسكرية بجنوب البلاد، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الطائرة الروسية تخضع لعقوبات أمريكية.

وأشار إلى أن واشنطن قد تفرض قيودًا اقتصادية كبيرة على جنوب إفريقيا، خاصة فيما يتعلق بصادرات جنوب إفريقيا، مما يؤثر سلبًا على ناتجها القومي، ولاسيما مع سمعتها المهتزة كمركز مالي بسبب تخلفها عن مكافحة الجريمة المالية، محذرًا من أن هذه الضغوط قد تدفع بريتوريا إلى زيادة تعاونها مع موسكو للهروب من الضغوط الأمريكية عليها، وأكبر دليل على ذلك زيارة الفريق لورانس مباثا، قائد القوات البرية بجيش جنوب إفريقيا، إلى موسكو، في 16 مايو 2023، لتكثيف التعاون بين البلدين.
"