لماذا تسعى تحرير الشام إلى التخلص من إرث تنظيم القاعدة؟
على مدار أكثر من 3 أعوام ويزيد تحاول هيئة تحرير الشام التنصل من إرث تنظيم القاعدة الذي يمثل المرجع الأيديولوجي الأول الذي نشأ فيه قيادات الحركة، وكانوا رموزًا وعلامات بارزة من أعضائه، فتاريخ الحركة ونشأتها يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنظيم، الذي بدأ الانسلاخ منه رويدًا رويدًا قبل حتى قبل إعلان الانفصال عنها عام 2016. واليوم تحاول هيئة الجولاني اكتساب أرضية جديدة كفصيل سياسي وسط التطورت الحالية بعد أن طرحت نفسها منذ سنوات كفصيل سياسي.
تحولات الهيئة
بدأت «الهيئة» أو ما كانت تعرف باسم «جبهة النصرة» كفرع لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق التابع لتنظيم القاعدة في عام 2011 إلى أن انفصلت عن التظيم في عام 2013 وأعلنت البيعة مباشرة لأيمن الظواهري زعيم القاعدة آنذاك، لكن في عام 2016 وفي ظل أوج النشاط المسلح في سوريا أعلن أبو محمد الجولاني زعيم الجبهة الانفصال أيضًا عن تنظيم القاعدة بصورة كاملة، ثم أطلق على الجبهة اسم جبهة فتح الشام، وبعدها بعدة أشهر أعلن الاندماج مع كيانات مسلحة أخرى في سوريا تحت اسم هيئة تحرير الشام.
صاحب هذه الانشقاقات والاندماجات تحولات أخرى في أفكار الحركة من الناحية الأيديولوجية والتنظيمية، وأحكمت سيطرتها على مساحة واسعة من الأراضي السورية وبدأت تتعامل معها على اعتبار أن لها الشرعية في حكم هذه المناطق التي استولت عليها ودخلت في منافسة شرسة مع الفصائل المسلحة الأخرى فقد سيطرت الهيئة على منطقة إدلب، وبدأت تتحكم في معبر باب الهوى الرئيسي وتدخل في مفاوضات مع الجانب التركي.
تحرر وطني
وفي 2020 بدأت الهيئة تسعى للظهور بثوب جديد يوحي بأنها تحولت إلى حركة تحرر وطني بدلًا من كونها فصيلًا مسلحًا يحمل مرجعية تنظيم القاعدة، وألقى أبو محمد الجولاني كلمة تحت عنوان "حرب واستقرار" في يناير 2020 أكد فيها إن الهيئة تتجه نحو تغيير جيوسياسي جديد وقال: "لقد تجاوزنا فكرة إسقاط النظام، إنها الآن معركة من أجل التحرير والاستقلال عن الاحتلال الروسي والإيراني... هذا الاحتلال الروسي والإيراني يستهدف ديننا وأرضنا ومواردنا. بناءً على ذلك ، يجب أن نضع خططنا ومفاهيمنا ورؤانا لمعركة الكفاح المقبل".
المزيد من التحولات
ويبدو أن تحولات هيئة تحرير الشام ليس لها حدود، فهي كل يوم تقدم الكثير من التنازلات، فقد تبنت الهيئة نموذجًا، تحاول من خلاله إثبات أنها حركة سورية ثورية محلية، لا تتبع لتنظيمات جهادية خارجية أو محلية، ولا تشكل خطرًا على دول الغرب، خاصةً الولايات المتحدة.
ومع التغيرات المتلاحقة التي تحيط بالقضية السورية، بدأ الجولاني استشعار تلك التحولات مبكرًا، وسار نحو تقديم طور جديد من التنازلات التي تخالف القواعد الأساسية التي نشأت عليها الهيئة، وتقدم نفسها في صورة أكثر ليبرالية بدلًا من الخلفيات الجهادية التي نشأت عليها، وتدعو إلى قبول التعددية ونشر التسامح الديني، كما قبلت الهيئة إقامة قداس في أغسطس 2020 خلال الاحتفال بعيد القديسة آنا في إحدى الكنائس المغلقة منذ فترة بقرية اليعقوبية في ريف إدلب الغربي. واحتفت المنابر الإعلامية التابعة للهيئة بهذا الحدث.
كما نشرت وسائل إعلام سورية مقاطع من كلمة ألقاها أبو محمد الجولاني زعيم الهيئة مؤخرًا في تجمع ديني قال فيها: "لا نريد أن يصبح المجتمع منافقًا بأن يصلي أفراده عند رؤيتنا، وينقطعون عنها بمجرد مغادرتنا".
أهداف وتطلعات
وتتطلع الحركة من خلال تلك التحولات الفكرية المتسارعة مؤخرًا إلى اللحاق بالتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية والمحلية في ظل اقتراب عودة اندماج النظام السوري في المجتمع العربي مرة أخرى خلال اجتماعات القمة العربية المنعقدة في مدينة جدة السعودية في 19 مايو 2023.
ويسعى الجولاني إلى اعتبار هيئة تحرير الشام فصيلًا سياسيًّا يمكن أن ينافس مستقبلًا من أجل الوصول إلى السلطة مستلهمًا الوضع السياسي الحالي لحركة طالبان التي استولت على السلطة في أفغانستان خلال أغسطس 2021م، وشكلت الحكومة، وسبق ذلك ما قدمته الحركة من أجل الجلوس على موائد المفاوضات الدولية، كما حدث في مفاوضات الدوحة التي كان لها العامل الأبرز فيما حدث بعد ذلك في أفغانستان.
ومن الواضح والجلي أن أبا محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام يسعى لما هو أبعد من كونه زعيم حركة أو حزب، ويحلم بأن يكون رئيس دولة في المستقبل من خلال تنازلاته وتحالفاته الجديدة.





