رعاية الكراهية..اليمين المتطرف يتنامى في أوروبا مهددًا الديمقراطية والقانون

تتزايد مخاوف أوروبا خلال الآونة الأخيرة من خطر اليمين المتطرف الذي أصبحت  تياراته وأنشطته تتجه نحو العنف والحشد غير المأمون عواقبه، ولكن هل يفرض الوضع الحالي على المنطقة تغيير منهجيتها إزاء الإرهاب ليشمل هذا التيار بما يحتويه ذلك من إعادة صياغة القوانين، وكذلك  الاستراتيجيات الأمنية؟

لطالما شغل التيار التكفيري حيزًا كبيرًا من مخاوف الأمن القومي لدى ساسة أوروبا، اضطرتهم  تلك المخاوف لشن حروب خارج مداهم الجغرافي لتأمين حدودهم، كالتحالف الدولي ضد داعش، والذي أسهم في خلخلة معاقل التنظيم في سوريا والعراق، إلى جانب المعارك المسلحة بأفغانستان، ولكن الفترة الأخيرة شهدت صعودًا حادًا لليمين المتطرف ما يضع أوروبا في إشكالية خطيرة لتأطير الفروق الجوهرية بين اليمين كتيار سياسي واليمين المتطرف كتيار إرهابي آخذ في التطور بالمنطقة.

مشاهد اليمين المتطرف بأوروبا
اضطُر رئيس بلدية سان بريفين بغرب فرنسا، يانيك موريز لتقديم استقالته في 11 مايو 2023 على خلفية تهديدات بالقتل وحرق منزله تلقاها من اليمين المتطرف بسبب خطة وضعها لنقل مركز لطالبي اللجوء، واشتكى موريز من عدم وجود دعم من الدولة يقابل ما يتعرض له من أذى.

بينما وصف الرئيس إيمانويل ماكرون ما جرى بالاعتداءات المشينة، معبرًا عن تضامنه مع رئيس البلدية وأسرته، وذلك خلال تغريدة كتبها الرئيس الفرنسي على تويتر، ومن جهتها أعلنت رئيسة الوزراء إليزابيث بورن في 11 مايو 2023 دعمها الكامل لموريز، مؤكدة أن ما تعرض له هو أمر مروع، مشددة على بذل المزيد من الجهد لتوفير حماية أفضل لرؤساء البلديات ومساعدتهم على مواجهة الصعوبات التي يتعرضون لها، وذلك خلال زيارة لها إلى إقليم لا ريونيون.

وتحتج مجموعات اليمين المتطرف بمدينة سان بريفين على خطة لرئيس البلدية لنقل مقرات اللجوء الحالية إلى مكان قريب من إحدى المدارس الابتدائية، وفي خضم الاحتجاجات المتكررة ضد هذا القرار تعرض منزل مورز للحرق في 22 مارس 2023،  ولا يزال الهجوم قيد البحث  الجنائي، وترى بعض التيارات السياسية بفرنسا خطورة في توغل اليمين المتطرف بهذا الشكل في المجتمع  كالحزب الاشتراكي.

وفي 14 مايو 2023، نظم اليمين المتطرف مسيرة في باريس لتكريم شخصية جوان دارك، على الرغم من قرارات رسمية سابقة  لتقييد المظاهرات  التابعة لتيارات اليمين المتطرف، في محاولة للحدّ من أثارها على المجتمع.

وفي ألمانيا يتعرض خمسة أشخاص كل يوم لعنصرية اليمين المتطرف، وذلك طبقًا لإحصائيات نشرتها شبكة DW في 14 مايو 2023، وتقول الشبكة إن التعليقات العنصرية تتزايد بين الشباب بصورة مضطردة خلال الآونة الأخيرة، كما نقلت الشبكة تنظيم ما يقرب من 150 طالبًا ومدرسًا إلى جانب أولياء أمور لمظاهرة أمام مكاتب السلطات المدرسية في كوتبوس بولاية براندنبورغ الواقعة بالقرب من الحدود الشرقية لألمانيا ضد عنف اليمين المتطرف.

فيما أشارت DW إلى زيادة ضحايا اليمين المتطرف خلال العام الحالي 700 حالة عن العام السابق، إذ تضرر 2871 شخصًا جراء 2100 هجوم، كما تعرض 520 طفلًا وشابًّا لإصابات جسدية وتلقوا الدعم من المراكز المخصصة لذلك.

ويبقى  الهجوم الذي وقع  في 5 نوفمبر 2022 ضد مركز دوفر للهجرة في بريطانيا بمثابة تغير نوعي في طبيعة أنشطة التيار في أوروبا، إذ ألقى شخص يُدعى أندرو ليك ثلاث قنابل حارقة على المركز قبل أن يقتل نفسه، كما أن السلطات البريطانية وصفت الهجوم بالإرهابي متخلية عن أوصاف الكراهية التي طالما ألصقتها بحوادث من هذا النوع.

الرؤى البحثية لليمين المتطرف في أوروبا
تقول أحدث الدراسات الصادرة للبرلمان الأوروبي: إن أخطر الأيديولوجيات القائم عليها التيار تتمثل في الاعتقاد بعدم وجوب المساواة بين المواطنين وذلك على أسس عرقية أو دينية أو شكلية، إلى جانب كراهية المختلفين والعنصرية، وعدم احترام القوانين والتقاليد المجتمعية للمنطقة، ما قد يؤدي لانهيار الديمقراطية التي تمثل أحد أسس التقدم بأوروبا.

كما لفتت الدراسة إلى توجه أنصار اليمين المتطرف لمخالفة القانون بما يضر مستقبل الأمن بالمنطقة، ولذلك وجهت دراسة البرلمان الأوروبي حكومات المنطقة إلى ضرورة صياغة قوانين صارمة تشمل تعريفات واضحة ومحددة للظاهرة المتنامية في دول الاتحاد.