اليمين المتطرف من الشعبوية الفجة إلى جنون الراديكالية.. «ألمانيا نموذجًا»
يســتخدم تعبير اليمين المتطرف، كوصف تيار سياســي يتركز بأوروبا، متبنيًّا نزعــة متطرفة معادية للمســلمين واليهود والأجانب، ولديه تمسك شديد بالقيم الوطنية، وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية.
العائلة المقيتة
وتشــمل
عائلة اليمنين المتطرف- المقيتة- على الصعيد الأيدولوجي التطرف اليميني، وكراهية الأجانب،
والشــعبوية، والتطرف الدينــي الأصولي، أمــا علــى الصعيد التنظيمي فتشــمل الأحــزاب
السياســية، والحركات، وأوســاط الثقافــات ورفض العوملة والتجارة الحـرة،
والتخويف من الهجــرة الوافدة وموجات اللاجئين والخوف مــن ضيــاع الهويةـ وكره الإسلام وربطه
بالإرهاب.
حين نشط العديد من المحافظين المُستائين من الوضع الراهن لتشكيل مجموعــات وجدت لهــا تحالفات مــع الأحــزاب اليمينية المتطرفــة، فتأسســت على ســبيل المثال، منذ عــام 2016م، مجموعــة الصحوة، وهذه الجماعة لها اتصالات مع الحزب الشعبوي اليميني المتطرف «البديل من أجل ألمانيا»، وكذلك شبكة «واحــد في المئة» التي تطلق على نفسها اسم «أكبر شبكة وطنيــة للمواطنين في ألمانيا»، ويتم التعامــل معهــا باعتبارهــا منظمة يمينية متطرفة.
وبرز مفهوم اليمين المتطرف في ألمانيا، بين صفوف النخب السياسية والبرلمانية، في ظل تصاعد هذا التيار المتشدد في الانتخابات وتمكنه من الفوز بمقاعد في البرلمان الألماني، بل إن استخدام هذ المصطلح لم يعد يتركز فقط على اليساريين، ولكنه أصبح يتردد أيضًا على لسان التيار اليميني «المطلق على نفسه الوسطي» نفسه.
في دراسة بعنوان اليمين المتطرف في ألمانيا، للباحث مروان قبلان بعنوان، «صعود اليمين فى ألمانيا: أسبابه، تياراته، ومستقبله»، يحاول المؤلف طرح تساؤل، «لماذا يتحول اليمين إلى يمين متطرف»، فيشير إلى أن التيار اليمين السياسي، أصبح يردد اصطلاح الراديكاليــة اليمينية، كآليات محــددة ودلالات تقع ضمــن ثنائية الإدماج والاســتبعاد، ولديها ميل واضح نحو الانغلاق، يتنامى دورها في المشــهد السياســي، ويبرز في فترات التغيير الاجتماعي والثقافي المتسارعة، باعتبارها اتجاهًا يتمســك بأفــكار قومية موجهة ضد القيــم الديمقراطية الليبراليــة.
وتشير الدراسة إلى أن خطورة تحول اليمين السياسي إلى يمين متطرف، تكمن في أن الحركات القومية المتطرفة وكراهية الأجانب أصبحت جزءًا من المشهد السياسي العادي في أوروبا كاتجاه عام آخذ في التوسع، وهو ما ظهر في المعارضة الشديدة ليس فقط للاجئين، كذلك للمهاجرين، ومعاداة الأفكار التعددية الثقافية.
تتأثر الحياة السياسية بالقرارات التي تتخذها الحكومات في الدول الأوروبية، فيما يتعلق بحياة المواطنين، لكن مكن الخطر هو أن يصبح معتقد اليمين المتطرف وأفكاره هي الطريقة التي يعبر من خلالها عن الرفض أو الغضب من هذه الأوضاع، بل إن القومية اليمينية تطرح نفســها كأحد البدائل في ظل تزعزع ثقة الناخب بالقيادات السياســية التقليدية، من خلال تشكيلاتها الحزبية، وحركاتها الموجودة في المجتمع، وهو ما يفسر الصعود المتنامي للاحزاب اليمينية في ألمانيا وأوروبا بشكل عام.
ووفقًا بيانات وزارة الداخلية الاتحادية الصادرة في ديسمبر الماضي، فإن عدد اللاجئين الذين دخلوا ألمانيا في عام 2018 كان أقل من الحد الأقصى الذي وضعته الحكومة الألمانية لأعداد اللاجئين والذي يتراوح بين 180 إلى 220 ألف شخص سنويًّا، الذي كان قد تم الاتفاق على قبوله في اتفاق الائتلاف الحكومي، في مارس الماضي 2018.
وبحسب المؤشرات الحكومية، فإن أعداد طلبات اللجوء في 2018 تراجعت بنحو 18% مقارنة بعام 2017؛ بسبب تشديد الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي والحدود بين بعض الدول الأوروبية، وخصوصًا بعد الاتفاقية التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع تركيا في عام 2016.
ويرى اليمين المتطرف في ألمانيا، أن المسلمين لا ينتمون للهوية الألمانية ثقافيًّا، حتى إذا حملوا الجنسية، واندمجوا في المجتمع، كما أنهم يعتبرون انتشار المظاهر الإسلامية كملابس المحجبات واللحية لا تتفق مع المجتمع الألماني -وفق رؤيتهم- وأن وجود المسلمين يزيد من فرص تكون إرهابيين في البلاد، خاصة مع زيادة عدد الهجمات الإرهابية في نفس الوقت.
ويُشارك حوالي 100 نائب من اليمين المتطرف للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية «1945»، في مجلس النواب الألماني، وسبق لحزب «البديل من أجل ألمانيا» أن خرق العديد من المحرمات الوطنية خلال حملته خصوصًا تنديده بالتعويضات عن جرائم النازية، بحسب ما ذكرته «فرانس 24» في أكتوبر 2017.
ويعد حزب «البديل من أجل ألمانيا» أكثر الأحزاب اليمينة شعبوية، ويرى أن الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا، وأن السماح بوجود المسلمين في برلين هو أسلمة للمجتمع.
إلا أن حركة «الهوية» الألمانية، بدأت تأخذ مبادرات تطالب بأن يكون الألمان أكثرية في بلادهم في مواجهة المسلمين المهاجرين إليها، داعين إلى فصل المسلمين في أماكن محددة لهم، حتى لا يغيروا الوجه المعروف لألمانيا.
الحركة التي تنشط حاليًّا في ألمانيا، مسؤولة عن أكثر من 100 جريمة ضد المسلمين، بين تخريب ممتلكات وإصابات لأفراد، خلال الـ16 شهرًا الماضية، بحسب ما قالته وزارة الداخلية الألمانية.
وقال معهد الاقتصاد الألماني في تقرير له صدر بداية العام الجاري، إنه «لا يمكن تفسير النجاح الإقليمي لحزب البديل فقط من خلال الضعف الاقتصادي» في بعض المناطق، وبرر المعهد استنتاجه بأن الحزب حصل على العديد من الأصوات في ولايات غنية في ألمانيا مثل بافاريا وبادن-فورتمبيرج «حيث تجاوزت نسبة أصواته 10 بالمئة في انتخابات 2017»، بينما حصل على أصوات أقل في ولايات أفقر مثل شليسفيج-هولشتاين.
ويشير معهد هانز- بوكلر ومعهد الاقتصاد الألماني إلى أن العوامل التي أدت إلى تصاعد تيار اليمين بعد قدوم اللاجئين، هي «العوامل الثقافية والتاريخية والاجتماعية والنفسية والاجتماعية» بشكل أكبر من العوامل الاقتصادية.
ويرى عالم الاجتماع هولكر لانجسفيلد في حوار، نقلته دويتش فيله، في سبتمبر 2017، أن ناخبي حزب البديل هم من الذين يرون العولمة تهديدًا ثقافيًّا واقتصاديًّا عليهم؛ لأنها تجلب منافسين لهم.





