انعكاسات تهديدات بوتين بنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا
أثار قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نشر أسلحة نووية تكتيكية مصحوبة بمنصات لإطلاقها من بيلاروسيا، مخاوف العديد دول العالم لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
وقال بوتين في 25 مارس 2023 إن بلاده ستنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا المجاورة، مردفًا إن روسيا أرسلت بالفعل عشر مقاتلات إلى بيلاروسيا تستطيع حمل أسلحة نووية تكتيكية، ومؤكدًا أن تلك الخطوة لا تشكل أي انتهاك للمعاهدات الدولية.
وأشار بوتين إلى أن الولايات المتحدة تفعل ذلك منذ عقود، وقال :«هي تنشر منذ زمن طويل أسلحتها النووية التكتيكية على أراضي حلفائها، كما أن رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو يطلب منذ فترة طويلة نشر تلك الأسلحة».
شعور باليأس
واعتبر مراقبون تلويح روسيا باستخدام الأسلحة النووية، شعور باليأس، إذ أنه بعد مرور أكثر من سنة على قتالها في أوكرانيا، والذي بدأ في 24 فبراير 2022 لم تستطع القوات الروسية إنهاء مهمتها، ولم يسفر هجومها الأولي عن الاستيلاء على كييف أو إرغام حكومة رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي على الاستسلام، بالإضافة إلى تكبد الجانب الروسي خسائر فادحة في الأرواح، ما أدى إلى ضعف الروح المعنوية لدى الجنود، فضلًا عن تكتل دول حلف شمال الاطلسي "ناتو" ضد روسيا وإحياء دوره كتحالف سياسي وعسكري من جديد.
ويقول الباحث في الشأن الدولي، أحمد العناني، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يسمح بهزيمة جيشه، وسيعمل بسياسة النفس الطويل لإنهاك قوى أوكرانيا مستغلًا فارق الإمكانيات، مؤكدًا أنه إذ ما واجهت قواته تراجعًا كبيرًا في أرض المعركة إلى حد فشله في تحقيق أهدافه الأساسية، واقتراب أوكرانيا من استعادة كل أراضيها السابقة، من الممكن أن يتخذ القرار الأصعب ليس ضد أوكرانيا فقط، ولكن ضد العالم بأسره باستخدام الأسلحة النووية في كييف، ما يعكس خوف بوتين من خسارة الحرب.
توتر الساحة العالمية
أوضح الباحث في الشأن الدولي أن قرار استخدام الأسلحة النووية خطوة تنذر بتوتر الساحة العالمية وخطر نشوب حرب نووية شاملة، إذ ستكون أول مرة يستخدم فيها السلاح الذري منذ حادثتي هيروشيما نجازاكي ورسالة موسكو من تلك الضربة ستكون "انتبهوا، توقفوا، تراجعوا"، مشيرًا إلى تحذيرات ألكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا من أن حربًا عالمية ثالثة نووية تلوح في الأفق، داعيًا إلى هدنة في أوكرانيا.
كان رئيس بيلاروسيا قد حذر في خطاب له من أن حرائق نووية تترصد في الأفق، لذا فالأسلحة النووية التكتيكية الروسية التي ستنشر في بلاده، هي بمثابة الحماية من التهديدات الغربية ومما وصفه بخطط لغزو بلاده انطلاقا من بولندا المجاورة، محذرًا من أن القيادة في موسكو ستستخدم أكثر الأسلحة رعبًا في حال شعرت بأن الوضع يهدد بتفكيك روسيا.
وأضاف العناني أن قرار روسيا بنشر بعض أسلحتها النووية في بيلاروسيا، قد يكون ردًا على التصعيد البريطاني بإعلان لندن نيتها في إرسال ذخائر باليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، وهو المنتج الثانوي الرئيسي لعملية تخصيب اليورانيوم، ويملك خصائص السمية نفسها لليورانيوم لكن بدرجة أقل من الإشعاع، والذخائر التي تحتويه تنفجر بفعل الارتطام وتطلق غبار أوكسيد اليورانيوم، ما يهدد صحة الانسان لأن غباره يصل إلى الرئة.
وأكد أن إمداد أي قوة غربية أوكرانيا بأسلحة متطورة، أو تحمل صبغة تهديد لروسيا وأمنها يشعل المصابيح الحمراء في دوائر السياسة الروسية ويعمل على استنفارها على نحو يمهد لاتخاذ وسائل دفاعية واحتياطات أمنية نووية مرعبة لكل القوى الغربية وربما العالم.
وأكد الباحث الدولي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول استغلال مخاوف الغرب من التصعيد النووي من خلال نشر الأسلحة النووية التكتيكية في بيلاروسيا، لعل ذلك يجعلها تتوقف عن إمداد أوكرانيا بالأسلحة الأمر الذي يجعلها لقمة سائغة أمام الدب الروسي فالجميع يعلم أنه لولا الدعم الغربي لسقطت كييف قبل أن ينتهي الأسبوع الأول للحرب، ما يدفعهم إلى الخضوع لشروط موسكو للتوصل إلى تسوية سلمية.
جدير بالذكر أن بيلاروسيا، تعد الحليف الوحيد المتبقي لروسيا في أوروبا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في 26 ديسمبر 1991، وتعمل موسكو على حماية لوكاشنكو الذي يحكم البلاد منذ عام 1994 وتعرقل المحاولات الأمريكية للإطاحة به.
معركة الربيع المنتظرة
يرى الباحث في الشؤون الروسية الأوروبية، الدكتور باسل الحاج جاسم أن خطط موسكو لنشر أسلحة نووية على أراضي حليفتها المقربة بيلاروسيا تساعد في حمايتها كونها مهددة من الغرب، الذي سيعيد تفكيره بشأن جدوى خوض معركة الربيع المنتظرة التي تخطط لها كييف بدعم غربي وبالتالي قد يصب في مسار السلام الذي سافر لأجله رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون إلى الصين محاولًا إحياء أصوات السلام، وإسكات طبول الحرب التي قرعت لأكثر من 13 شهرًا في أوكرانيا.
وأضاف الحاج: «إنه مما لا شك فيه أن نشر أسلحة نووية روسية على أراضي بيلاروسيا نوع من المصلحة المشتركة للبلدين ضد أهداف الغرب، فالأخيرة نقطة انطلاق وتدريب وتجهيز للقوات الروسية المقاتلة في أوكرانيا، مؤكدًا أن قرار بوتين الأخير خطوة أخيرة نحو دخول مينسك الصراع بشكل مباشر لمحاولة حسم المعارك العصية على موسكو، إذ أن نشر أسلحة نووية فتاكة في بيلاروسيا نوع من تشتيت الانتباه لواشنطن وحلفائها بفتح جبهة جديدة، ومحاولة ضغط روسية لإجبار الممولين والداعمين على دراسة خطورة رد الفعل الروسي مع توالي إمداد الأسلحة المتطورة لأوكرانيا.





