من قندهار إلى كابل.. هل يحتوي زعيم طالبان محاولة الانقلاب الداخلية؟

تسود حالة من التوترات العميقة داخل حركة «طالبان» الأفغانية منذ مطلع العام الحالي، ظهرت في عدد من التصريحات التي تنتقد سياستها من قيادات كبيرة تمثل الجناحين الأمني والعسكري.
وطالت الانتقادات الموجهة الى حركة «طالبان» الأفغانية، زعيم الحركة ذاته الملا هيبة الله أخوند زاده، المقيم في قندهار، ويتحكم في قرارات الحركة عن بُعد من هناك، ما جعل كثيرين ينتظرون رد قندهار عما يجري في العاصمة كابول من توترات قد تكون سببًا في وقوع انشقاقات أو احتراب داخلي، وكان السؤال الأهم هو هل يستطيع زعيم طالبان احتواء تلك التوترات؟.
معضلة المسافة
من أكبر المعضلات التي تعاني منها حركة طالبان الأفغانية، حتى في فترة حكمها الأولى خلال تسعينيات القرن الماضي، مشكلة بعد المسافة بين مركز الحكم والإدارة في العاصمة كابول ومركز إدارة شؤون الحركة في قندهار التي تبعد عن العاصمة بما يقارب 500 كيلو متر جنوبي البلاد، حيث مقر إقامة زعيم الحركة، الملا هيبة الله أخوند زاده، الذي يعد الحاكم الفعلي لأفغانستان حاليًا في ظل حكومة طالبان، وهو الأمر الذي يؤثر بصورة كبيرة على إدارة الحكومة وقراراتها.
وكانت الأوامر المهمة في الفترة الأولى لحكم طالبان فى تسعينيات القرن الماضي تصدر من قبل الملا محمد عمر في قندهار، ولم يكن بإمكان المسؤولين في كابل التواصل، حين يقتضي الأمر تبادل وجهات نظر أو إبداء رأي أو توجيه ملاحظات، إذ أن بُعد المسافة بين قندهار وكابل، كان يعيق اتخاذ القرارات في موعدها المحدد.
ورغم أن حركة «طالبان»، تستخدم حاليًا الوسائل الحديثة في التواصل بين قندهار وكابول، لكن ذلك وحده لا يكفي في كثير من الأمور التي تتطلب حضور الأشخاص بأنفسم، خاصة في الأمور المصيرية التي يحتدم حولها الخلاف، والتي قد تؤدي إلى انشقاقات داخل الحركة.
انشقاقات محتملة
خلال شهر فبراير الماضي، وقعت بوادر انقلاب خفي من الجناحين العسكري والأمني داخل حركة «طالبان» الأفغانية، ظهرًا في خطابين متتالين، الأول كان لـ«سراج حقاني» وزير الداخلية في حكومة طالبان خلال حفل تخرج في مدرسة دينية بإقليم خوست شرقي أفغانستان، إذ انتقد بشدة سياسة الحركة ووصفها بالديكتاتورية.
وقال «حقاني» بحسب مقطع فيديو نشره أنصاره على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الحفل: «احتكار السلطة والإضرار بسمعة النظام بأكمله ليس في مصلحتنا»، مضيفًا: «إنه لا يمكن التسامح مع هذا الأمر».
ولم يمر أسبوعان على هذه الكلمة، إلا وخرج وزير الدفاع فى حكومة طالبان«"مولوي محمد يعقوب» - وهو من أسرة الملا عمر مؤسس الحركة- خلال اجتماع مع جنوده، ألمح فيه إلى ما يشبه التحريض على العصيان، إذ قال: «لا ينبغي على المرء أن يطيع أحدًا بشكل أعمى»، مضيفًا: «لقد أعطانا الله حكمة وفكرًا لذلك يجب ألا نطيع أحدًا وأعيننا مغمضة».
رسائل من قندهار
في الثاني من مارس الجاري، نشرت حسابات مقربة من حركة «طالبان» في قندهار، على مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات تشير إلى أن هناك اجتماعات يعقدها الملا أخوندزاده، لمتابعة تلك التصريحات، وأن زعيم الحركة منزعج للغاية مما يحدث. من أجل محاولة احتواء تلك الأزمة قبل استفحالها وتطورها.
وأشار مقربون من الحركة إلى أن زعيم طالبان، استدعى كلًا من وزير دفاع طالبان الملا يعقوب، ووزير خارجية الحركة أمير خان متقي ووزير داخليتها سراج حقاني إلى قندهار.
وتزامنت تلك الأنباء مع الاجتماع الذي عقده الملا هيبة الله مع عدد من العلماء والمسؤولين عن المحافظات بقندهار.
نصوص شرعية وفق ما تقتضي المصلحة
يقول الدكتور محمد السيد، الخبير في الشؤون الآسيوية إن عقيدة حركة طالبان وأصولها الشرعية مبنية على عدم انتقاد القيادات في العلن، ويستندون في ذلك إلى نصوص شرعية تؤكد عدم مشروعية الانقلابات، لكن المفارقة أن الحركة نفسها لا ترى أهمية في الالتزام بذلك مع الحكومات التي تأتي من خارج طالبان، فهم يخفون تلك النصوص ويظهرونها حسب مصلحتهم.
وأشار إلى أن الانشقاقات في «طالبان» ليست جديدة وقد وقعت من قبل حتى قبل إعلان وفاة الملا عمر، واشتعلت بصورة كبيرة نتيجة الإعلان عن وفاته الذي تأخر عامين، وكاد يقسم الحركة إلى فصائل متناحرة لولا تدخل أختر منصور الزعيم السابق للحركة الذي تمكن بصعوبة من لم شملها، وهو ما قد يتمكن الزعيم الحالي من تكراره.
وأضاف «السيد» أن تكوين حكومة طالبان حاليًا، يحمل داخله عوامل انشقاق أوسع، إذ يقف على رأس الحركة مجموعة من القيادات والشخصيات ذات الثقل، وهو ما ظهر في تلك التصرحات التي خرجت من الجناح الأمني والعسكري الأكثر تشددًا فيها.