أسباب تجدد الصراع بين صربيا وكوسوفو.. هل تشهد أوروبا حربًا جديدة؟
توترت العلاقات بين كوسوفو وجارتها صربيا خلال الفترة الأخيرة، إذ أمر الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي، قائد قوات الجيش، الجنرال ميلان مويسيلوفيتش، بالتوجه صوب الحدود مع كوسوفو، معلنًا حالة التأهب القصوى، بتعزيز قوام القوات الصربية الخاصة من 1500 إلى 5 آلاف جندي، بهدف حماية الأقلية الصربية في كوسوفو، كما أعقب ذلك إغلاق الشرطة الكوسوفية معبر ميردار، أكبر معبر حدودي مع صربيا في الثامن والعشرين من نفس الشهر.
الشرارة التي أشعلت التوتر
بدأ التوتر بين كوسوفو وصربيا، في 31 أكتوبر الماضي، حين أصدر برلمان كوسوفو قانونًا يمنع استخدام لوحات أجنبية للسيارات، ويلزم جميع السكان بوضع لوحات سيارات معتمدة من الحكومة في بريشتينا، وأعطى مهلة حتى 21 نوفمبر 2022 لتنفيذ القرار، لكن السلطات الصربية رفضت ذلك القانون، وقامت بإجراءات تصعيدية، وقدم مسئولون صرب استقالات جماعية، فضلا عن إعلان رجال شرطة العصيان المدني، ما أدى لتعليق تنفيذ القرار من قبل بريشتينا.
وتجددت التوترات من جديد مرة أخرى في العاشر من ديسمبر 2022، عندما قطع مئات الصرب الطرق في مناطق شمال كوسوفو، احتجاجًا على اعتقال شرطي سابق يشتبه في تورطه في هجمات ضد ضباط شرطة من ألبان كوسوفو، ما تسبب بشل حركة المرور عند معبرين حدوديين.
وبلغ التوتر بين الجارتين مداه حينما حددت كوسوفو 18 ديسمبر 2022 كموعد لإجراء انتخابات في بلديات ذات غالبية الصربية، ولكن الحزب السياسي الصربي الرئيسي أعلن مقاطعته، ما أجبر السلطات في كوسوفو على تأجيل الانتخابات إلى أبريل 2023.
تجدد الصراع التاريخي
التطورات الأخيرة تؤكد تجدد الصراع التاريخي بين صربيا وكوسوفو، والتي كانت إقليمًا صربيًّا يتمتع بالحكم الذاتي، وتسكنه أغلبية ألبانية مسلمة، ولكن بعد انهيار جمهورية يوغسلافيا، أراد السكان الحصول على الاستقلال، فردت صربيا بشن حرب دامية خلال عامي 1998 و1999، انتهت بتدخل حلف شمال الأطلنطى "ناتو"، ثم أعلنت كوسوفو استقلالها عن صربيا عام 2008، غير أن بلجراد ترفض الاعتراف بها، بل وتحرض 120 ألف صربي يعيشون في كوسوفو، خاصة في الشمال؛ حيث يشكل الصرب الأغلبية، على تحدي سلطات بريشتينا، والمطالبة بإنشاء منطقة خاصة بهم تتمتع بالحكم الذاتي، وتكون شبه مستقلة عن كوسوفو.
وفشلت جهود الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الماضية في تسوية الصراع بين البلدين، بدايةً من عدم قدرته على الضغط على صربيا، المرشحة لعضوية الاتحاد، للاعتراف بكوسوفو، مرورًا بانعدام ثقة المسؤولين في كوسوفو بالاتحاد الأوروبي، نظرًا لعدم اعترافه بها كدولة مستقلة، بالإضافة إلى تعقيد إجراءات الحصول على تأشيرة دخول منطقة شنجن، لمواطني كوسوفو، عكس صريبا التي يدخل مواطنيها دول الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرة.
روسيا على خط التوتر
يرى البعض أن تجدد التوتر بين صربيا وكوسوفو، يتم وفق مخطط روسي يحاول تأجيج الأوضاع عبر دعم صربيا لإيجاد بؤرة جديدة للتوتر ضد الغرب في منطقة البلقان، بهدف تخفيف الضغط على موسكو في الحرب مع أوكرانيا، خاصة أن لدى كل من روسيا والدول الغربية نفوذ في البلقان، إذ تحظى صربيا بدعم موسكو، في حين تحظى كوسوفو بدعم غربي.
جدير بالذكر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا يعترف باستقلال كوسوفو، وهو ما يلقى استحسانًا كبيرًا لدى الشارع الصربي، وصل لدرجة الاحتفاء بالهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث خرجت مسيرات داعمة لبوتين هاتفةً بالنصر لـروسيا.
كما قاومت صربيا العقوبات الغربية ضد روسيا، إذ أبرم الصرب في مايو 2022 عقدا لاستيراد الغاز من روسيا لمدة ثلاث سنوات، وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن بلاده لديها علاقات وثيقة جدًّا مع صربيا كحليفين، تاريخية وروحية، موضحًا أن موسكو تتابع بانتباه شديد ما يحدث في كوسوفو، وكيفية ضمان حقوق الصرب في الإقليم الصربي السابق، مضيفًا أن بلاده تدعم بلجراد في الخطوات التي تتخذها في إشارة إلى إعلان تأهب الجيش الصربي.
هل هي محاولة غربية لاستدراج موسكو؟
ذهب خبراء إلى أن التوترات الراهنة في البلقان بين صربيا وكوسوفو، هي محاولة غربية لاستدراج موسكو وفتح جبهات جديدة، تُسهم في تشتيت جهود القوات الروسية عبر الضغط على أحد أهم حلفائها في المنطقة، وهي صربيا، وإظهارها دولة عاجزة عن حماية حلفائها، من خلال دفع حكومة بريشتينا لاستفزاز الأقلية الصربية ببعض القوانين والإجراءات، وهو ما يتطلب ردًّا من جانب صربيا وحليفتها روسيا، وفي حالة تخلف موسكو عن تقديم الدعم، فإن صربيا قد تعيد النظر في علاقاتها بموسكو، أو على الأقل إدراك أن الاعتماد عليها وحدها تكلفته مرتفعة على مصالحها، وهو ما يصب في النهاية في صالح الغرب الراغب في تأكيد نجاح جهوده لعزل موسكو عالميًّا، وإفقادها قدرتها على الحركة في الساحة الدولية.
مآلات النزاع
وفق المعطيات السابقة، من المستبعد نشوب نزاع مسلح بين صربيا وكوسوفو؛ لأنه ليس من مصلحة الدول الأوروبية اندلاع حرب جديدة في البلقان، إلى جانب الحرب الروسية – الأوكرانية، خاصة في ظل تورط أغلب الدول الأوروبية في دعم أوكرانيا عسكريًّا، وبروز تحديات أمام مواصلة إمداد أوكرانيا بالذخيرة والأسلحة، بسبب نفاذ بعض المخزونات الغربية من السلاح، ما يجعل الغرب أكثر حذرًا في فتح جبهة جديدة.
نفس الأمر بالنسبة لروسيا، التي تركز كل مجهودها العسكري على السيطرة على إقليم دونباس بالكامل، وطرد القوات الأوكرانية منه، باعتباره أحد أهم أهداف عملياتها العسكرية في أوكرانيا.
يضاف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الحرب بين صربيا وكوسوفو، إذ تسعى الأخيرة لبناء نفسها، وتنمية اقتصادها في ظل ندرة الموارد وضعف الهيكل الإداري بالدولة، أما صربيا، فإنها تتطلع إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي؛ كما أن أي تدخل عسكري صربي صريح في كوسوفو يعني الصدام مع قوات حفظ السلام التابعة لحلف الناتو.





