النفط.. سلاح داعش لتعطيل المصالحة التركية مع سوريا
السبت 21/يناير/2023 - 07:01 م
مصطفى كامل
في تصعيد أمني جديد، وعشية انطلاق السباق المحموم بين العملية السياسية التي بدأت بوادرها من اللقاء الثلاثي الروسي والسوري والتركي، في العاصمة الروسية، توازيا مع إطلاق قوات سوريا الديمقراطية حملة جديدة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في شرق سوريا، شنت عناصر التنظيم عملية إرهابية مستهدفة حافلات تقل عمالًا في حقل التيم النفطي في ريف دير الزور غربي سوريا، مهددًا بذلك آمال أنقرة في تحقيق المصالحة بين الجانبين، إذ ينصب هجوم التنظيم الآن على آبار النفط والعاملين بها ليلفت الأنظار مجددًا إليه كورقة لا يمكن اجتثاثها بسهولة كما يظن الكرملين عراب المصالحة.
استهداف آبار النفط
أعاد هجوم «داعش» الذي نفذته مجموعات هجومًا بصواريخ ورشاشات ضد ثلاث حافلات، ما أسفر عن مصرع 12 عاملاً بعد عودتهم من حقل «التيم» الذي ينتج 2500 برميل يوميًّا، الواقع في ريف دير الزور الغربي، وأتى الهجوم أثناء تبديل ورديات العمال، أوجاع القطاع النفطي الذي يعيش أسوأ أحواله بعد صراع مسلح دار بين المعارضة والسلطة والقوى الدولية الحليفة عبر عقد من الزمن، وأخرج الحقول والآبار من الخدمة، وبلغت الخسائر ما يقارب 112 مليار دولار أمريكي، كما أفلتت آبار من يد حكومة دمشق وتقع اليوم تحت سيطرة الإدارة الذاتية، الأمر الذي أصاب أنقرة بالذعر بعد تمدد الفصائل الكردية التي وجدت أنها في الطريق لصناعة دولة فيدرالية لنفسها.
الخارجية السورية، رفعت شكوى إلى منظمة الأمم المتحدة تتهم فيها الولايات المتحدة بسرقة نفط أراضيها وقدرت الخسائر بـ20 مليار دولار طوال سنوات الحرب، فضلاً عن خسائر الاعتداءات الأمريكية على الأراضي السورية التي بلغت 25.9 مليار دولار، وأضرار ناجمة عن قصف قوات التحالف الدولي للمنشآت النفطية والغازية بخسارة تقدر بـ2.9 مليار دولار.
وحمّلت دمشق على لسان وزير النفط والثروة المعدنية السوري «بسام طعمة»، الولايات المتحدة المسؤولية عن الهجوم الذي نفذه« داعش»، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة عبر أدواتها ومجموعاتها الإرهابية تريد قطع الجزء النفطي المتوفر الذي يوفّر الحد الأدنى من احتياجات الشعب السوري.
ورفعت واشنطن في فبراير 2021، يدها عن حماية آبار النفط، معلنة أنها جاءت لمكافحة خطر «داعش»، حيث قال حينها المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «جون كيربي»، إن موظفي وزارة الدفاع ومقاوليها من الباطن ليسوا مخولين بمد يد المساعدة إلى شركة خاصة لاستغلال موارد نفطية في سوريا.
محاولات وقف المصالحة
ويؤكد مراقبون، أن طبيعة الهجمات التي ركّز عليها التنظيم الإرهابي بالتوازي مع تطورات سياسية ولوجستية متسارعة كالتقارب السوري التركي من جهة، وما تعيشه دمشق من ضائقة بالحصول على مصادر الطاقة من جهة أخرى، وكأن التنظيم الإرهابي يبعث برسالة من تلك الهجمات بأنه لا يزال متواجدًا في الساحة، إذ تواجه المصالحة بين أنقرة ودمشق تهديدات جمة، لا سيما مع وجود عناصر تنظيم «داعش» والكرد والتحالف الدولي، منوهين إلى أن اللقاء الثلاثي في موسكو بين وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات ما هو إلا بداية مشوار الألف ميل، على الرغم من صياغة اتفاق نهائي تعطي فيه تركيا الأراضي التي تسيطر عليها في الشمال للحكومة السورية.
ويشير المراقبون، إلى أن المصالح تدفع بكل الأطراف نحو المصالحة، لكن هذا لا يعني عودة التبادل التجاري وكسب السوق السورية المتعطشة لانفتاح اقتصادي، وزيادة حجم التبادل التجاري إلى حدود ما قبل القطيعة، حيث حقق التبادل بين البلدين قفزات شاسعة بين عامي 2004 و2010، إذ وصل حجم عام 2006 إلى نحو 800 مليون دولار، ومع حلول عام 2010 سجل 2.5 مليار دولار، ويتضمن اتفاق المصالحة الجديد مكاسب سيقطفها الأتراك عبر تدفق كثيف للبضائع التركية إلى دول مجلس التعاون الخليجي بعد مصالحة تركية - خليجية خلال هذا العام، إلى جانب مكاسب دمشق التي أعادت سيطرتها وضبطتها للساحة السورية بدعم روسي بعد أن فقدت 70 في المئة منها مع بداية الحراك الشعبي عام 2011، الأمر الذي يضعها وجهًا لوجه أمام الفصائل الكردية، التي تعتبرها أنقرة خطرًا يتهدد حدودها الجنوبية وتحديًا لأمنها القومي.
وأعلنت أنقرة في نهاية ديسمبر 2022، نيّتها نقل السيطرة في مناطق تواجد القوات التركية في سوريا إلى دمشق حال تحقق الاستقرار السياسي، وأشارت إلى إمكانية العمل المشترك مستقبلاً مع سلطات دمشق لمكافحة الإرهاب، حيث قال وزير الخارجية التركي «مولود تشاووش أوغلو»، في كلمة خلال «اجتماع تقييم نهاية العام»، إنه من الممكن العمل المشترك مستقبلاً في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين في ما يخص مكافحة الإرهاب، مشددًا على أن تركيا تحترم وحدة وسيادة الأراضي السورية.
وفيما يتعلق بمطالب دمشق بخروج القوات التركية من سوريا، قال «أوغلو» إن الغرض من وجود قوات بلاده هناك هو مكافحة الإرهاب، ولا سيما وأن النظام لا يستطيع تأمين الاستقرار، مشيرًا إلى أن قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تشكل خطرًا يهدد بلاده، لكونها تمتلك أجندة انفصالية، حسب وصفه، مؤكدًا على مواصلة بلاده بحزم، مكافحة الإرهاب، وأن الخلافات بين أنقرة ودمشق، حالت دون تأسيس تعاون بينهما في هذا المجال.
وتعاني سوريا أزمة مشتقات نفطية حادة دفعت الحكومة السورية إلى فرض عطلة رسمية على الدوائر الرسمية مدة أسبوع، فيما تقلصت كميات البنزين المتاحة لكل سيارة إلى نحو 25 لترًا لكل 25 يومًا، إذ تراجع إنتاج سوريا النفطي بحدة خلال سنوات الحرب مما يزيد على 380 ألف برميل يوميًّا قبل الحرب، ليصبح نحو 16 ألف برميل يوميًّا فقط، تصل إلى مصافي النفط السورية من جراء خروج تلك الحقول عن سيطرة الدولة وقيام القوات الأمريكية ومجموعات مسلحة تسيطر على شرق سوريا بالسيطرة عليها، حيث تشير أرقام رسمية إلى أن خسائر سوريا في قطاع النفط من جراء الحرب تزيد على 112 مليار دولار وهو أكبر القطاعات تضررًا.





