رسائل تركيا من تعزيز وجودها العسكري في ليبيا
شهدت الفترة الأخيرة تحركات تركية لافتة في الملف الليبي، إذ وصلت أربع طائرات عسكرية من سلاح الجو التركي إلى قاعدة الوطية بغرب طرابلس، وتستهدف أنقرة من خلال ذلك ترسيخ نفوذها العسكري في طرابلس، تحسبًا لأي ترتيبات جديدة يمكن أن تفرزها التحركات الإقليمية الراهنة، ولاسيما مع خروج نحو 20 حاوية من قاعدة الوطية باتجاه العاصمة طرابلس بعد ساعات قليلة من وصول الطائرات التركية إلى القاعدة العسكرية.
وجود عسكري مكثف
كانت تقارير صحفية ليبية رصدت دخول فرقاطة حربية تركية إلى قاعدة الخمس البحرية بغرب ليبيا، بعد يوم واحد من وصول فرقاطة تركية أخرى إلى القاعدة نفسها، إذ عمدت أنقرة إلى إنشاء مركز تدريب بحري مشترك في المدينة عقب الاتفاق مع حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها على تفعيل مذكرة التعاون العسكري والأمني المثيرة للجدل والموقعة مع حكومة الوفاق السابقة في 2019.
كما شارك عثمان إيتاج قائد القوات التركية في ليبيا، في نهاية شهر نوفمبر الماضي، في حفل تخريج دفعة جديدة من قوات المشاة والمدفعية والمدرعات الذين تلقوا تدريبات عسكرية من خلال الضباط الأتراك الموجودين في طرابلس، وذلك تمهيدًا لتشكيل لواءي مشاة ومدفعية بالتنسيق مع أنقرة.
التحركات التركية العسكرية في ليبيا تتزامن مع التطورات، الداخلية والإقليمية والدولية، إذ أصدر البرلمان الأوروبي، منتصف نوفمبر 2022، مجموعة من التوصيات بشأن الملف الليبي، حيث اعتبر مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة الدبيبة مع أنقرة، مطلع أكتوبر 2022، والتي تتيح لتركيا التنقيب عن النفط والغاز الليبيين غير قانونية، كونها تقع في المناطق الاقتصادية الخالصة لليونان وقبرص، وطالب البرلمان الأوروبي بضرورة إلغاء المذكرة، كما دعا كل الأطراف الفاعلة في الملف الليبي للامتناع عن تأجيج التوترات عبر التدخلات العسكرية المباشرة، مع التأكيد على ضرورة سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، ويبدو أن ذلك يقلق الجانب التركي، لذا تسعى أنقرة لتعزيز وجودها العسكري في ليبيا.
تستهدف تركيا من تحركاتها الأخيرة ضمان استمرارية دورها، بغض النظر عن استمرار حكومة «الدبيبة» من عدمه، الذي يحاول استمالة الموقف التونسي لتعضيد موقفها بالإضافة إلى التعاون معها.
أبعاد تحركات الدبيبة
وعكست زيارة «الدبيبة» إلى تونس ولقاؤه الرئيس قيس سعيد، ورئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، أحد أبعاد تحركات الدبيبة لتعزيز وضعه في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية عليه.
وتأتي زيارة الدبيبة إلى تونس، على رأس وفد كبير من حكومته، ضم محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصادق الكبير، ووزير الاقتصاد، محمد الحويج، والمالية، خالد المبروك، ووزير الداخلية المكلف، عماد الطرابلسي، بعد فترة من الفتور التي طغت على علاقة حكومة الدبيبة وتونس خلال الفترة الماضية، على خلفية انزعاج الأول من التقارب النسبي الذي أبدته تونس لحكومة فتحي باشاغا المدعومة من مجلس النواب الليبي، لكن يبدو أن التقارب الراهن في علاقة تونس والجزائر شكل محددًا حاسمًا في إعادة بلورة الموقف التونسي، لا سيما في ظل الدعم الجزائري لحكومة الدبيبة.
مؤشرات مهمة
كما تأتي الزيارة قبل أيام قليلة من الزيارة المفاجئة التي قامت بها رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، إلى الجزائر، وزيارة وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إلى تونس، وهو ما عكس مؤشرات مهمة بشأن احتمالية تشكيل تكتل ثلاثي، يسعى الدبيبة لتوظيفه في تعزيز موقفه الداخلي.
كما يأتي تعزيز الوجود العسكري التركي في ليبيا بالتزامن، مع محاولات التقارب بين مصر وتركيا، الذي كانت أول إرهاصاته اللقاء الذي جمع الرئيس عبدالفتاح السيسي، مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في الدوحة نوفمبر 2022، على هامش افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم، وأعقبه تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الذي أكد فيه أن بلاده تتطلع للتعاون مع مصر والإمارات لتسوية الأزمة الليبية، لذا فهي تدعم موقفها في ليبيا حتى يكون لها موضع قدم في خريطة البلاد الجديدة.





