القمة «الأمريكية - الإفريقية» تسلط الضوء من جديد على دور واشنطن في مكافحة الإرهاب
رغم أن الولايات المتحدة
هي من قادت ما وصفته بـ«حرب عالمية ضد الإرهاب»، فإن الجهود الأمريكية شهدت
تراجعًا كبيرًا في هذا الصدد على الساحة الإفريقية، وذلك بسبب تذبذب سياسة واشنطن
والتباين الواضح في مواقف الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض.
أشد القارات تأثرًا
تعتبر أفريقيا من أشد
القارات تأثرًا، مقارنة بغيرها من القارات، بما يحدث من تحولات في النظم الدولية
المختلفة، خاصة تلك النظم التي توالت خلال القرنين الماضيين سواءً أكانت نظمًا
جزئية أم عالمية.
وجاء انعقاد القمة الأمريكية -
الأفريقية بواشنطن، في الفترة ما بين 13 حتى 15 ديسمبر 2022، ليعيد تسليط الضوء
مجددًا على الدور الأمريكي في مكافحة الإرهاب بالقارة السمراء، لا سيما في ظل
معاناة القارة من الانتشار اللافت للتنظيمات الإرهابية، وخاصة في مناطق القرن
الإفريقي والساحل وجنوب الصحراء، إضافة إلى ليبيا، علاوة على الانتشار الواضح
لقوات «فاجنر» الروسية في عدد من دول القارة، وهو ما بات مؤرقًا لواشنطن، خاصة مع
إقدام دول حليفة للولايات المتحدة في مقدمتها فرنسا وألمانيا على سحب قواتها
العاملة في مجال مكافحة «الإرهاب» من عدة مناطق إفريقية.
ديناميكية متغيرة
اتسمت السياسة الأمريكية العامة -على
المستويين الأمني والعسكري- فيما يتعلق بملف الأنشطة الإرهابية في أفريقيا وسبل
مكافحتها والتصدي لها بديناميكية متغيرة بشكل لافت على مدار العقدين الماضيين،
تعددت في طياتها المنطلقات الأساسية لتحرك واشنطن في مواجهة المخاطر الإرهابية المنتشرة
في عدة دول إفريقية، وهو تعدد فرضته عدة عوامل داخلية ودولية، من بينها تعديل بعض
الإدارات الأمريكية المتعاقبة لمقاربتها بشأن هذا الملف، وكذا تغير مستويات
التهديد الإرهابي على مستوى الكم والنوع، بشكل يجعل ملف مكافحة الإرهاب ضمن أهم
ملفات التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأفريقية، خاصة خلال
المرحلة المقبلة.
التغيرات المتسارعة في ديناميكية
الدور الأمريكي في أفريقيا بدأت في الظهور بشكل واضح في مرحلة الحرب الباردة؛ فقد
انتقلت واشنطن من تأطير وجودها العسكري في أفريقيا لمواجهة تحركات قوات المحور إلى
دعم حلفائها ذوي الوجود «الاستعماري» في القارة الإفريقية، خاصة فرنسا
وبريطانيا، وكذا دعم الأنظمة الحاكمة في الدول الإفريقية الموالية لواشنطن،
والحركات المسلحة والانفصالية المناهضة للشيوعية، مع وجود محدود وغير دائم لبعض
وحداتها البحرية والجوية في عدة دول أفريقية.
نقاط ارتكاز
وتمتلك الولايات المتحدة ما تسميه
«نقاط ارتكاز» في نحو 46 موقعًا في إفريقيا، ما بين قواعد رئيسية، ووحدات دعم
عسكري، ومواقع خاصة بحالات الطوارئ، يعد أبرزها القاعدة العسكرية الأمريكية في
جيبوتي، التي أصبحت بعد هجمات سبتمبر 2001 واحدة من أهم القواعد العسكرية
الأمريكية في العالم.
وتعد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا
«أفريكوم» واحدة من أبرز القيادات المركزية التي تأسست بعد الحرب العالمية
الثانية، وتتراوح أعداد الجنود والكوادر العاملة تحت مظلتها - بحسب تقديرات
أمريكية - ما بين 8 و12 ألف جندي حاليًا.
وشهد الدور الأمريكي في مكافحة
الإرهاب بالقارة تحولات عدة خلال العقود الماضية، فبعدما خاضت واشنطن تدخلها
العسكري الأول في إفريقيا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة بقرار من الرئيس الأمريكي
الأسبق بيل كلينتون، عبر مشاركة القوات الأمريكية في عملية حفظ السلام في الصومال
عام 1993، لكن الخسائر خلالها أدت إلى انسحاب القوات الأمريكية من البلد العربي الإفريقي
وتم الاقتصار على تقديم الدعم التسليحي والتدريبي للقوات الحكومية في الدول الإفريقية،
في مواجهة التهديدات الإرهابية، دون انخراط عسكري أو أمني أمريكي مباشر.
وقرر الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مايو
2022، إعادة انتشار القوات الأمريكية في الصومال، متراجعًا عن قرار سلفه دونالد
ترمب، الذي قرر سحب نحو 700 جندي أمريكي من الصومال عام 2020.





