ad a b
ad ad ad

مواطنو الرايخ.. قنبلة موقوتة تهدد ألمانيا وتحلم بإعادة الإمبراطورية

الجمعة 23/ديسمبر/2022 - 09:34 م
المرجع
محمود البتاكوشي
طباعة


حملة أمنية غير مسبوقة في تاريخ ألمانيا، نفذها أكثر من ثلاثة آلاف شرطي في إحدى عشر ولاية، لتفكيك حركة «مواطني الرايخ الألماني» التي تسعى لقلب نظام الحكم، إذ تقدر أجهزة الأمن عدد المنتمين إلى الجماعة بنحو 21 ألف شخص، منهم 10% يؤيدون العنف المسلح ضد الدولة وأجهزتها.


جماعة الرايخ التي تنتمي إلى تيار اليمين المتطرف، على قناعة بأن الإمبراطورية الألمانية لم تنته بعد وأنها ما زالت قائمة حتى بعد الحرب العالمية الثانية، وأن دستور جمهورية فايمار ما زال السند القانوني والشرعية الحقيقية للبلاد، لذا لا توجد شرعية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، التي تأسست سنة 1949، واتحدت مع ألمانيا الشرقية السابقة عام 1990.


مخالفة نظم الدولة


وبناءً على ذلك يرفض أغلب مواطني الرايخ دفع الضرائب والمستحقات المفروضة عليهم كمواطنين ألمان للدولة، ويحملون عادة جوازات سفر ورخص قيادة خاصة بهم، يريدون الاستقلال عن ألمانيا الحالية وإعادة الأمجاد الإمبراطورية، بل واتجه تيار منهم إلى الدعوة للمقاومة المسلحة ضد الهيئات الاتحادية الألمانية، بهدف استعادة الإمبراطورية الألمانية في حدود عام 1937 والتي تشمل ما تسمى بـ«بروسيا الشرقية»، الواقعة اليوم ضمن حدود كل من بولندا وروسيا.


وترتبط دعوات استعادة أمجاد الإمبراطورية الألمانية بكل ما يمثله التيار اليميني المتطرف من عنصرية، مثل معاداة الأجانب ونظريات التفوق العرقي وعدم تقبل التنوع الديني أو الثقافي، والنزعات الحمائية لكل ما هو ألماني.


كما يشترك أعضاء تلك الجماعة مع تيارات يمينية متطرفة أخرى، لاسيما جماعة كيو أنون الأمريكية، في تبني نظريات الدولة العميقة، وربطها بكون الجمهورية الألمانية لا تزال خاضعة لحكم الحلفاء، لنزع الشرعية عنها وتبرير محاولات إسقاطها.


جائحة كورونا، والقيود المفروضة من الدولة على المواطنين للحد من انتشار المرض، ساعدت جماعة الرايخ إذ أدت إلى زيادة حالة السخط العام بين الألمان، ودفعت الكثيرين للانضمام لهذه الجماعة ونشر نظريات المؤامرة الخاصة بها في ولاية شمال الراين وستفاليا وحدها، تقول السلطات إن عدد أعضائهم ازداد 11 ضعفًا في خمس سنوات.


الميل إلى العنف


ويغلب على أعضاء هذه الجماعة بحسب تقديرات الاستخبارات الداخلية الميل للتسلح، إذ يمارس عدد كبير منهم الصيد المحترف، ما يعني امتلاكهم رخصًا رسمية لحيازة الأسلحة، كما زادت في السنوات الأخيرة الهجمات والحوادث المتعلقة بهذا التنظيم، ففي أكتوبر عام 2016 أطلق صياد ألماني يبلغ من العمر 50 عامًا النار على قوة خاصة من الشرطة جاءت لمصادرة أسلحته، فقتل عنصرًا وجرح ثلاثة آخرين، وتبين أن هذا الصياد ينتمي للحركة، وفي نفس العام فتح أحدهم النار على قوة من الشرطة جاءت لمساندة مسؤول من المحكمة المحلية لتثمين قطعة الأرض التي يملكها بسبب تراكم الديون عليه، فيما بعد اعتُقل الرجل وحُكم عليه بالحبس 7 سنوات بتهمة الشروع في القتل، وفي فبراير 2022 أراد أحد أعضاء الرايخ الهروب من تفتيش دورية شرطة، وحاول دهس شرطيين لكن تم القبض عليه ويحاكم بتهمة الشروع في القتل.


وفي أكتوبر الماضي 2022، تم القبض على عدد من الأشخاص بتهمة التخطيط لخطف وزير الصحة الألماني، كارل لاوترباخ، ومحاولة ضرب عدد من النقاط الحيوية في البنية التحتية للكهرباء في ألمانيا، بهدف خلق حالة من الحرب الأهلية تبين فيما بعد أن الخلية تؤمن بمبادئ الرايخ وتسعى لإقامة الإمبراطورية الألمانية كما كانت عام 1871.


أحد قيادات تنظيم الرايخ الذي ألقي القبض عليه، أمير ألماني سابق يدعى هاينريش الثالث عشر أمير رويس، تبرأت منه عائلته بسبب نظريات المؤامرة المجنونة التي يتبناها وينشرها.


ومن بين أبرز أعضاء التنظيم الموقوفين أيضًا عضوة سابقة بالبرلمان عن حزب البديل اليميني المتطرف، كانت تعمل وقت إيقافها قاضية في محكمة ببرلين، وضابطة سابقة في الجيش الألماني.


خطة هذه المجموعة كانت تتمثل في اقتحام عدد من المؤسسات الاتحادية الألمانية، ومن بينها مبنى البرلمان، بقوة السلاح، وقلب نظام الحكم بهذه الطريقة.


المخابرات الألمانية كانت تراقب مواطني الرايخ منذ عام 2016، وتعتبر أنهم يشكلون تهديدًا على أمن الدولة بسبب عدم اعترافهم بها وبمؤسساتها، وصنفت نحو ألف منهم أنهم من الشديدي التطرف والذين يشكلون خطرًا.


ويعمل المنتمون لجماعة «الرايخ» بشكل سري ولا يكشفون عن أنفسهم عادة، ويؤمنون بأن إعادة الرايخ تحتاج إلى هذا النوع من العمل السري ويسعون لتجنيد المزيد من الأتباع في مواقع حساسة من الدولة، مثلًا داخل الشرطة والجيش بهدف مساعدتهم على تحقيق أهدافهم السياسية أو الخاصة.


تقسيمات داخل «مواطنى الرايخ»


يمكن تقسيم جماعة مواطنى الرايخ المتطرفة إلى أربعة أوساط فرعية: السياديون والإداريون الذاتيون ومواطنو الرايخ واليمينيون المتطرفون، والمجموعات لديها استعداد للعنف بمستويات مختلفة جدًّا، لكن الجميع يشترك بالاعتقاد أن ألمانيا ليست دولة ذات سيادة، وما زالت خاضعة للحلفاء.


تشعر الحكومة الألمانية بالقلق من امتلاك مواطني الرايخ الأسلحة، لذا تحاول سحب ملكية السلاح منهم، ووجهت الانتقادات إلى السلطات الألمانية بالتقليل من شأن التهديد لفترة طويلة، وفي عام 2017، وثق جهاز المخابرات المحلية الألماني للمرة الأولى جرائم المتطرفين التي ارتكبها أحد أعضاء الحركة، ومنذ ذلك الحين كانت هناك عدة مداهمات على أهداف الحركة حظرت السلطات مجموعات فرعية أيضًا ونفذت السلطات تحقيقات في صفوف حركة «مواطنو الرايخ» فيما إذا كانت متورطة بتنفيذ جرائم قتل.


وتتعامل وزارة الداخلية الاتحادية مع التهديد الذي يشكله هؤلاء الأشخاص على محمل الجد، لأن احتمالات العنف عالية جدًا. منذ نوفمبر 2016، تراقبهم السلطات الأمنية عن كثب، وكانت حركة مواطني الرايخ بأكملها تحت مراقبة مكتب حماية الدستور في ولاية بافاريا بشكل عام.


وما يثير القلق بشكل خاص، هو أن تحقيقات المدعي العام الاتحادي الألماني تشمل ضابطًا في القوات الخاصة في الجيش الألماني والعديد من جنود الاحتياط، ونائبة سابقة في البرلمان الاتحادي عن حزب البديل اليميني الشعبوي أيضًا بين المشتبه بهم، وبالإضافة إلى ذلك هناك شرطي سابق، كان مسؤولًا عن أمن الجالية اليهودية في ولاية ساكسونيا السفلى قبل تسريحه، ومنذ أعوام حذر خبراء من وجود الشبكات اليمينية ضمن الأجهزة الأمنية والجيش، ففي يوليو 2020 فككت وزيرة الدفاع السابقة أنغريبت كرامب كارنباور مجموعة كاملة من القوات الخاصة، حيث كان أفرادها يؤدون تحية هتلر الممنوعة وفي الحفلات كانت تعزف وتغني أغاني الروك اليمينية، وعثرت الشرطة على أسلحة وطلقات ومتفجرات كانت مخزنة لدى أحد أفراد تلك المجموعة في القوات الخاصة، لذا تعتبرها ألمانيا أكبر تحدٍ داخلي يهدد بقاء الدولة.

 

الكلمات المفتاحية

"